إعداد: يارا إنبيعة

ما قبل العام 1979 ليس كما بعده، قبله كانت طهران “باريس” الشرق وبعدها أصبحت “هافانا” الشرق. قبله كانت تعد “حامية” الولايات المتحدة الأولى في الشرق الأوسط الذي يعج بالحاميات وبعده أضحت أول المغردين من هذا السرب.

بهذه المقدمة البسيطة، يمكن وصف العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة خلال القرن الماضي وحتى اليوم.

“ربيع إيراني”

قبل أن يصل الرئيس دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة في أمريكا، وعد بالخروج من الإتفاق النووي مع طهران وتمزيقه. فعلاً، بعد عام من وصوله إلى إدارة البيت الأبيض نفذ ما وعد به، بل ذهب إلى ابعد من ذلك بخططه في محاولة لعزل إيران، وفرض عقوبات عليها، مهدداً الشركات الأوروبية التي تتعامل معها.

وعل الرغم من أن إيران استطاعت الصمود أمام عقوبات واشطن لأكثر من ثلاثة عقود من الزمن وحققت تطورات اقتصادية وعسكرية وعلمية، لكن هناك عدة أسئلة تتبادر إلى الذهن اليوم: ما الذي تريده الولايات من إيران؟ وكيف ستتعامل الأخيرة مع العقوبات الجديدة؟ وهل يمكن لها أن تعوّل على أصدقائها الكبار كالصين وروسيا والهند؟

إن سياسة العقوبات ليست بجديدة على الولايات المتحدة، فلقد اتبعتها لمواجهة الإتحاد السوفياتي السابق، إضافة إلى كوريا الشمالية، وإيران منذ ما يقرب على الـ 35 عاماً في محاولة منها لإستدراج الشعب الإيراني للإنتفاض على نظامه والقيام بحركات عصيان ومظاهرات، وهو ما تتمناه الولايات المتحدة التي تريد توسيع ما يسمى بـ “الربيع العربي” من الدول التي أصابها إلى الداخل الإيراني بهدف تدميرها كي تصبح تابعاً لها وبالتالي سوقاً من أسواقها التجارية في المستقبل.

لذلك، تسعى واشنطن إلى تجريب هذا النوع على الرغم مما أظهره الشارع الإيراني من تمسك بنظامه في مواجهة أي عدوان خارجي أو أي محاولة للتدخل في شؤونه الداخلية حيث تتوحد المعارضات مع الحزب الحاكم من أجل حماية الدولة وكينونتها، ناهيك عن شبكة الأصدقاء التي استطاعت نسجها خلال تلك الفترة، لا سيما روسيا والصين.

ضرب العملة

في شهر يونيو/حزيران 2018، غاب الريال الإيراني (أو التومان) عن الواجهة حيث أصيب بموجة من الهبوط الحاد مقابل الدولار، الذي بدأ بالتناقص من خزينة الدولة شيئاً فشيئاً، حتى وصل سعر صرف الدولار إلى ما يقارب المليون تومان. كما اعتبر متحدث بإسم الحكومة أن ما يحدث يشكل بوادر حرب اقتصادية قائلا “أصبحنا نشهد تذبذبات غير طبيعية قبل تطبيق العقوبات الأمريكية”.

وتبحث حكومة الرئيس الإيراني، حسن روحاني، عن سبيل للخروج من عنق الزجاجة لا سيما لجهة العمل على “تقوية العملة الوطنية لكنها بحاجة إلى الدعم الوطني وهو ما تتوقعه بحق حيث لا يمكن إحراز التقدم في أي نشاط دون حماية الشعب” داعية إلى إدخال العملات الصعبة إلى البلاد من خلال دعوة الإيرانيين الذين يعيشون خارج البلاد لنقل أموالهم إلى الداخل.

تجاذب أمريكي  – أوروبي

توقع الكثير من الإقتصاديين تفاقم الأزمة الاقتصادية على المدى القريب، فقد حدث ذلك مع سريان الجزء الأول من العقوبات الأمريكية في ظل استمرار انسحاب كبرى الشركات العالمية من هناك بخلاف التراكمات المالية والإقتصادية، في حين انتقدت واشنطن خطة أقرها الإتحاد الأوروبي لدعم الاقتصاد الإيراني معتبرة أنها ترسل “رسالة خاطئة” إلى النظام تساعده على الإستمرار، إذ حذر المبعوث الأمريكي الخاص إلى إيران، براين هوك، من أن “وضع مزيد من الأموال في يد طهران يعني مزيداً من الأموال لشن عمليات اغتيال في تلك الدول الأوروبية نفسها”.

في المقابل، انسحبت شركة النفط الفرنسية العملاقة “توتال” رسمياً من مشروع بمليارات الدولارات مقررة وقف جميع أنشطتها هناك.

تأثير كبير

تواجه الشركات الإيرانية خسائر ضخمة دفعتها لتسريح آلاف العمال من وظائفهم، في وقت يتهدد الشارع غليان شعبي نتيجة دوامة العقوبات الأميركية القاسية، ومن هذه الشركات “تامنوش”، لتصنيع المشروبات الغازية، التي توقفت بعد 16 عاًما متواصلة من العمل، حيث نقلت وكالة رويترز عن فرزاد رشيدي، الرئيس التنفيذي للشركة، قوله “أصبح جميع العاملين لدينا وعددهم 45 بدون عمل الآن. يقود الرجال سيارات أجرة، وعادت النساء لرعاية منازلهن”.

ويضيف رشيدي “خسرنا نحو خمسة مليارات ريال (120 ألف دولار بسعر الصرف الرسمي) في الأشهر القليلة الماضية، ولذا قرر مجلس إدارة الشركة وقف جميع الأنشطة طالما استمرت التقلبات في سوق العملة. من الحماقة الإستمرار في النشاط، عندما نرى طريقا مسدوداً.”

مليون وظيفة

من خلال الأرقام، وصل معدل البطالة إلى 12.1% مع عجز 3 ملايين إيراني عن إيجاد عمل، فيما حذر تقرير برلماني من أن ارتفاع معدل البطالة ربما يهدد استقرار البلاد. وجاء في التقرير “إذا كنا نعتقد أن الوضع الإقتصادي في البلاد هو المحرك الرئيسي للإحتجاجات الأخيرة، وأن معدل التضخم عند 10% وللبطالة عند 12% أطلقا الإحتجاجات، لا نستطيع تخيل مدى شدة ردود الأفعال الناجمة عن ارتفاع حاد في معدلي التضخم والبطالة.”

ويضيف التقرير أنه إذا استمرت نسبة النمو الإقتصادي دون 5% في السنوات المقبلة، فإن معدل البطالة ربما يصل إلى 26%، إذ يتوقع صندوق النقد الدولي أن ينكمش الإقتصاد 1.5% العام 2018، و3.6% العام 2019، نظرا لتضاؤل إيرادات النفط.

النفط هو الحل

أفادت بعض وسائل الإعلام أن مسعود كرباسيان، وزير الشؤون الإقتصادية والمالية المعزول، قد تم تعيينه رئيسا تنفيذياً للشركة الوطنية الإيرانية للنفط التي تسعى إلى الإلتفاف على العقوبات، حيث تعهد بـ “استخدام خبرة أربعة عقود… لتخطي أزمة العقوبات”، في وقت بدأت واشنطن بفرض عقوبات على النفط الإيراني ابتداء من 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2018.

يأتي ذلك في وقت أعفت واشنطن عدداً من الدول المستوردة للنفط الإيراني من الإلتزام بالعقوبات، بينها الصين والهند، حيث تبحث السلطات في طهران عن بدائل وسبل للالتفاف على العقوبات من أجل الحفاظ على صادراتها النفطية التي تعتزم واشنطن وقفها بالكامل.

 

قائمة الإستثناءات

في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، منحت الولايات المتحدة استثناءات من العقوبات لثمانية دول، وسمحت لها بإستيراد كميات من الخام الإيراني لمدة 180 يوماً، واليابان وكوريا الجنوبية من بين أكبر خمسة مشترين للخام والمكثفات قبل أن توقفا الواردات في الربع الثالث من العام قبيل العقوبات.

وقالت مصادر مطلعة إن المصافي في اليابان وكوريا الجنوبية تتطلع لإستئناف استيراد النفط الإيراني بداية يناير/كانون الثاني 2018، بعد الحصول على استثناء من العقوبات الأمريكية على طهران، حيث ساهم لم في زيادة غير متوقعة في صادرات النفط بسبب الاستثناءات في خفض السعر الفوري للخام والمكثفات من الشرق الأوسط لأقل مستوى فيما يزيد عن عام.

إلى ذلك، تشير المعلومات إلى أنه من المقرر أن يستمر توقف مشتريات المصافي في كوريا الجنوبية حتى نهاية العام 2018، وربما تستأنف الشحنات في أواخر يناير/كانون الثاني 2019 أو مطلع فبراير/شباط 2019، إذ يجري المشترون محادثات مع إيران لتوقيع عقود جديدة فهم “يسعون للحصول على أفضل سعر ويجرون محادثات مع إيران” في وقت يصعب إيجاد ناقلات بسبب كثيرة الطلب عليها (محجوزة حتى ديسمبر/كانون الأول 2018)، لذا فإن كوريا الجنوبية قد تتمكن من شحن النفط في يناير/كانون الثاني 2019 على أقرب تقدير.

كما تنوي شركة “فوجي أويل”، أحد أكبر مشتري الخام الإيراني في اليابان، استئناف واردات الخام، من يناير/كانون الثاني 2019، إذ أن الشركة تدرس ما إذا كانت ستوقع عقداً جديداً كون السعر يعد تنافسياً. وقالت “جيه.إكس.تي.جي”، أكبر مصفاة في اليابان، إنها ستستأنف تحميل الخام ابتداء من ديسمبر/كانون الأول 2018، حيث تشير العديد من المصادر أن الإعفاء من العقوبات سيمسح لطوكيو بشراء نحو 100 ألف برميل يومياً ما يمثل خفضاً كبيراً للمشترين الذين ابتاعوا نحو 165 ألف برميل يومياً في الفترة من يناير/كانون الثاني إلى سبتمبر/أيلول.

أما عربياً، فقد اتفق العراق مع إيران على مبادلة منتجات أغذية عراقية بإمدادات غاز وطاقة إيرانية، حيث تسعى بغداد للحصول على موافقة الولايات المتحدة للسماح لها باستيراد الغاز المستخدم في محطات الكهرباء بالبلاد كونها تحتاج إلى مزيد من الوقت للعثور على مصدر بديل. هذا وقد منحت واشنطن العراق إعفاء يمكنه من استيراد إمدادات الغاز والطاقة لمدة 45 يوماً فقط.

عض أصابع

إن عض الأصابع هذا، كما يحلو لمحللي الشأن الإيراني تسميته، سينتج عنه منعطف جديد يحسبه الكثيرون لصالح الجمهورية الإسلامية في إيران، يبنون ذلك على معطيات النفط واستثناء الهند والصين من الصادرات النفطية. وكذلك فإن ما لوحت به قيادة الحرس الثوري، غير مرة، بإقفال مضيقي هرمز، لقطع شريان النفط العالمي، وباب المندب، الذي يسهل على حلفائها في اليمن السيطرة عليه، قد يكون ورقة تستطيع إيران اللعب بها.

في النهاية، تبقى كل الإحتمالات مفتوحة، فهناك جهة امتهنت “المصارعة الحرة” في مقابل جهة تعرف جيداً كيف “تذبح بالقطنة”.

مصدر الأخبار: وكالات.

مصدر الصور: فرانس 24 – القبس – إرم نيوز.