فاطمة ملحم*
يؤكد علماء الاجتماع على أن هناك مشكلة اجتماعية عميقة تواجهها سوريا في السنوات القادمة عنوانها “الأرامل” داعياً إلى معالجة الأمور قبل أن تتفاقم وتخرج عن السيطرة، فهناك ما يقرب على الـ 2.1 مليون أرملة، الجزء الأكبر منهن خلفته الحرب الكونية على سوريا، حيث تتراوح أعمارهن ما بين 14 إلى 50 عاماً. تُرى هل لهذه المشكلة الإجتماعية من حلول جذرية توقف معاناة هذه الفئة من المجتمع؟
قبل الحرب، كان المعدل الرسمي للترمل لا يتجاوز 2 بالألف. أما اليوم ووفقاً للعديد من المصادر، فإن النسبة أصبحت 1 الى 6 أي بحدود الـ 15%، يضاف لهن زوجات المنخرطين في القتال الدائر في البلاد واللواتي ينتظرن الأسوأ، ومتوقعات بألا يعود أزواجهن إليهن بسبب الموت، أو مغادرة البلاد، أو فقدان الأثر.
ففي الريفين السوريين الشمالي والشرقي، تتلقى الفتيات عروض الزواج قبل سن البلوغ حتى، ويتم تزويجهن عادة قبل السن القانوني، أي 18عاماً، لأسباب اجتماعية واقتصادية يعززها استمرار المعايير الثقافية التي تشرعن هذا الزواج، وسط سيطرة ذكورية هائلة على المجتمع تجبر فيها المرأة على الإعتماد كلية على الرجل. ولا يكون فقدان الزوج هنا سوى صدمة بسيطة مقارنة بما تحمله الأيام التالية من مصاعب، ومنها الإبتزاز في مجتمع تعتمد أخلاقياته على فلسفة التدخل في شؤون الآخرين، فحياة المرأة الوحيدة هي مدعاة للشكوك وسط ظروف حالية يصعب على المرأة، حتى المنتجة منها، الحياة من دون مساعدة الأهل والأقارب الذين هم أصلاً بحاجة لتلك المساعدة، فيكون الحل بالتفكير بتزويج الأرملة مرة أخرى. إلا أن الأرملة التي لديها أطفال يقل حظها في زواج ثانٍ مع قلة طالبي الزواج أصلاً، فالرجال أنفسهم يحجمون عنها مخافة تكرار الترمل في ظل الحرب المستعرة. فعلى سبيل المثال، توجد إحدى النساء في ريف حلب، وعمرها 23 عاماً، ترملت ثلاث مرات في أقل من عامين.
إلى ذلك، لم يكن مسموحاً، في بعض المناطق، للأرامل بالخروج من المنزل فإما الذهاب إلى بيت الزوج الثاني أو إلى القبر، فعلاً لا مجازاً، حيث صراع المرأة مع الترمل مع أهل الزوج أولاً ثم أهلها ثانياً يلهما المجتمع ثالثاً.
لتفصيل ما ورد اعلاه، يظن أهل الزوج أن الأرملة لا تستطيع تأمين مستقبل أولادها بعد رحيل أبيهم، وللمحافظة على الأطفال في بيت أهل الزوج عادة ما تُجبر الأرملة على الزواج من أخ زوجها المتوفي. وفي حال عدم الموافقة، كثيراً ما يتم طردها من المنزل وتجريدها من أولادها.
بالنسبة للأهل والمجتمع، يرفض كلاهما بقاء الأرملة دون زواج، خاصة إذا كانت صغيرة حيث تكثر أطماع كبار السن في الزواج منها إذ لا يجرؤ أو يقبل الشاب الإقدام على مثل هكذا خطوة. من هنا، تعاني الأرامل من مسألة “الزواج بالإكراه”، سواء تحت ضغوط الأهل أم ضغوط المعيشة القاسية.
هنا، تجدر الإشارة إلى أن الزواج المبكر ظاهرة قليلة الإنتشار ساحلاً وجنوباً، إلا أن زواج شريحة عمرية شابة ما بين 18 و24 عاماً من عناصر في الجيش أو القوات الرديفة، قد أفرزت أيضاً آلاف الأرامل ممن هن في مرحلة الدراسة الثانوية أوالجامعية. فاليوم، باتت بعض القرى خالية من الذكور وتمتلئ بأرامل صبايا (وعوانس) يسعين للعثور على “وظيفة” أو “عقد” مؤقتين لدى مؤسسات “الدولة” لسد حاجاتهن. فبالرغم من أن الحكومة تقوم بدفع مقابل مادي عن كل حالة وفاة لأهالي المقاتلين (يصل المبلغ إلى حدود المليون ليرة أي 2500 دولار)، إلا أن حصة الزوجة منها لا يتعدى النذر اليسير، حيث خلف هذا الأمر عشرات الدعاوى القضائية في الساحل السوري وحده.
وفي ظاهرة جديدة، لا تخلو شهادة أية أرملة من الحديث عن عدم الأمان، والتعرض لتحرشات لفظية وجنسية منتظمة من قبل لاجئين آخرين أو رجال المجتمع المحلي أو من قبل مسلحي جهات متعددة مما يخلف شعوراً بالاكتئاب والضغط النفسي.
في مقابل هذا الوضع غير الصحي، يمكن النظر إلى بعض النجاحات المضيئة التي حققتها بعض هؤلاء النسوة داخل وخارج البلاد، منهن من رفض الزواج الثاني مصرات على تربية أولادهن وتدريسهن رغم المصاعب الهائلة لتأمين المال والاعتماد على الذات اقتصادياً، مع الحاجة لتأمين سكن ملائم وتوفير مرافق رعاية للأطفال، معتمدات على دعم المجتمعات المضيفة في بعض الحالات.
ختاماً، يبدو أنه من الضروري إيجاد دور رسمي فاعل للتخفيف من معاناة هذه الشريحة من خلال:
- دعم مؤسسات الرعاية الخاصة من أجل التخفيف عن كاهل الأرملة من خلال إعدادهن لسوق لعمل عبر دورات تأهيلية، والإهتمام بدور الأيتام كي تتفرغ الأم للعمل وكسب الرزق.
- المساعدة في التوظيف وإيجاد عمل شريف أو عبر تقديم قروض، خصوصاً لدعم المشاريع الصغيرة، يستطعن من خلالها أن ينشئوا نوعاً من الأعمال التي تخفف كاهل العيش وتخفيف ظاهرة التسول.
- تضافر جميع الجهود الخيرة ونشر الفكر والثقافة والتوعية وتقديم المساعدات على جميع الأصعدة والمجالات، وفتح جميع الأبواب وسماع جميع الآراء للنهوض بالمجتمع وحل مشاكله بترسيخ روح المحبة والتكافل والوئام.
*كاتبة سورية
مصدر الصورة: إرم نيوز.