ربى يوسف شاهين*

“إتفاق سوتشي”

سوريا التي شُنت عليها هذه الحرب الكونية الكارثية، ما زالت وعبر سياستها الإستراتيجية الحكيمة تمد اليد لكل ما من شأنه أن يصل إلى حل سياسي لما فيه مصلحة جميع الأطراف. فإنبثق “اتفاق سوتشي” ليكون طريقاً للحل لما تبقى من المناطق التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة، واتبعت روسيا ذلك من خلال الإستراتيجية السياسية المناسبة لتركيا، إلا أن الرئيس رجب طيب أردوغان، وإن كان قد نجح في تأمين المنطقة المنزوعة السلاح، لكنه فشل في جعل التنظيمات الإرهابية تسلم أسلحتها الثقيلة، بعدما أعطيت مهلة شهر حتى شهر أكتوبر/تشرين الأول 2018، لكنه لم يستطع تنفيذ مهمته، فـمدد له الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، حتى شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2018. إلا أن لا تطورات تذكر لمصلحة ما تم الإتفاق عليه بشأن الحل السياسي، ولتحريك هذا الجمود حدد موعد لقاء الرئيسين في أنقرة.

توقعات اللقاء بين الرئيسين

ما يجري على الأرض في إدلب يشي بأن تركيا لا تحرك ساكناً هناك إلا لمصلحتها، فالتنظيمات الإرهابية على تنوعها لم تلتزم بإتفاق سوتشي، بل على العكس أخذت تستغل الوقت الممنوح لها لتدريب فصائلها وتعزيز قواتها، حتى أنها بدأت بتجميع بعضها تحت لواء واحد. والمعلوم أن تنظيم “جبهة النصرة”، المدعوم من تركيا هو من يقرر وينفذ ما تأمر به أنقرة، كما بدأت تحركات الفصائل في الشمال والشمال الشرقي مدعومة من تركيا وأمريكا على السواء.

وخلال الأيام الماضية، حرصت “هيئة تحرير الشام” على عرض زيارات بعض قادتها لخطوط التماس في ريف اللاذقية وإدلب، في مناطق يفترض أن تكون محظورة عليها وفق الإتفاق نفسه، كما أن انتهاكات عديدة للهدنة تمت عبر هجوم مسلحين من عدة فصائل على نقاط الجيش السوري قرب قرية السرمانية في ريف حماة الشمالي الغربي، وعلى مواقع أقصى ريف إدلب حيث عمد الإرهابيون لزرع المنطقة بالسلاح بالكيميائي عبر نشرها في محافظة إدلب بشكل منسق منذ اتفاق سوتشي، وتم توزيعه على التنظيمات الأجنبية الآسيوية. فالتقارير التي نشرت تشير إلى أن كميات من غاز “الكلور” يتم إنتاجها محلياً في محافظة إدلب وبإشراف خبراء أجانب وبريطانيين وشيشان وأتراك، وهذا ما أكدته الخارجية الروسية “عن استخدام الإرهابيين لتقنيات غربية لإنتاج المواد السامة”، وما يؤشر على أن الرئيس أردوغان لم يقم بتنفيذ الإتفاق بل ساعد هذه التنظيمات لتجهيز أنفسهم للمعركة العسكرية مع الجيش السوري.

باتت الأنظار، بعد كل هذه التصعيدات في محيط إدلب، تتجه نحو روسيا وذلك لبيان خطواتها المرتقبة تجاه تركيا الضامنة لتنفيذ الاتفاق، وقد قال الوزير السوري، وليد المعلم، إن دمشق “تنتظر رد الفعل الروسي على ما يجري في إدلب ولكنها لا يمكن أن تسكت على استمرار الوضع الراهن فيها إذا ما رفضت جبهة النصرة الإنصياع لهذا الإتفاق”، فالجيش العربي السوري التزم بالتهدئة في الميدان، ورغم انقضاء المدة لإنشاء المنطقة المنزوعة السلاح على الرغم من الفصائل الإرهابية انتهكت الهدنة مرات عديدة.

تركيا وشرق الفرات

الرئيس التركي يُبحر بعيداً في أحلامه ليصل بقواته إلى شرق الفرات زاعماً أن الكرد يشكلون تهديداً استراتيجياً، والسؤال هنا: من نصَّب تركيا على مهاجمة كرد سوريا؟ ففي تصريح لنائبه الرئيس التركي، فؤاد أقطاي، قال فيه “سننقل النجاح الذي سطرناه في الباب إلى شرق الفرات أيضاً”، وهو ما يعتبر مؤشراً واضحاً على الأطماع التركية في الشرق.

تعزيز الوجود

بعد أن احتلت تركيا عفرين وجرابلس والباب، شرعت تثبت هويتها في موطئ اقدامها بكل الأساليب التي يستخدمها المحتل، من تعليم لغته وبناء المراكز والمؤسسات التابعة له، وكأنها تعتزم البقاء في مكانها، وما محاولة الرئيس أردوغان ليكون طرفاً في اتفاق سوتشي إلا للتمويه عن المخطط الأساسي له، وهو ضم إدلب إلى تركيا، فالمكر السياسي هو ما يحاول الرئيس أردوغان تنفيذه.

لقد باتت الأجندات كثيرة على طاولة الحرب السورية لجهة الحل في إدلب، ولكن المرتقب من الأيام سيحدد الحل النهائي لمنطقة الشمال السوري، فالمهلة قد انقضت ولا بد من حسم الموقف إن كان بالتنفيذ السريع والواضح على الأرض، وبالسرعة القصوى، أو أن يحسم الجيش العربي السوري الموقف عسكرياً.

*كاتبة وإعلامية سورية

مصدر الصورة: سبوتنيك.