سمر رضوان*
بات المتابع العربي والغربي على يقين من حتمية اقتراب إعلان انتصار الدولة السورية، في ظل معطيات كثيرة أهمها تحرير مناطق واسعة من عموم الجغرافيا السورية، وتغير موازين القوى التي أدت إلى بدء “تهافت” العديد من وفود الدول على دمشق في محاولة منها لإعادة العلاقات إلى ما كانت عليه قبل العدوان على سوريا.
تحريف للحقائق والوقائع
لعبت الآلة الإعلامية دوراً سلبياً في تأجيج الصراعات من خلال تغييب الحقائق قبل عرضها على شعوبها، لا بل تحريفها أيضاً بما يتناسب وسياسات الحكومات تجاه الأحداث في سوريا. هذا الأمر، دفع بالكثير من الإعلاميين والصحافيين إلى زيارة سوريا للوقوف على الحقيقة الكاملة ومن ثم نقلها بموضوعية وصدق إلى مواطنيهم.
لكن القرار كلف بعضاً منهم ثمناً باهظاً. فعلى الرغم من تقديم الوعود والضمانات، إلا أنّ بعضهم تعرضوا للقتل والخطف، كالصحافي الياباني جومبي ياسودا الذي اختطف من قبل جماعة مسلحة لمدة ثلاث سنوات إلى أن تم تحريره بعد تدخل دول إقليمية لها علاقات بتلك التنظيمات، ليثبت وبالدلائل والقرائن أن الحرب على سوريا لم تكن وليدة احتجاجات أو ثورة كما تم تصويرها، بل كانت قائمة على مخططات ممنهجة ومنسقة بعناية، أفشلتها المقاومة التي فرضت عاملاً جديداً بات على الجميع التعامل معه ألا وهو “عامل القوة”.
شعوب تتحدى الأنظمة
لم يمضِ الكثير من الوقت كي ينسى الشعب السوري وشعوب العالم العدوان الثلاثي على مطار الشعيرات على خلفية استخدام الكيماوي في خان شيخون، العام 2017، فكان هذا الحدث لافتاً لجهة قدوم وفد بريطاني إلى دمشق، بعد ثلاث ساعات من العدوان، لينهي زيارته متيقناً من عدم مصداقية الإدعاءات الغربية، حاملاً معه تقريراً مفصلاً عن حقيقة الأوضاع في سوريا، ليضعها بيد المسؤولين وفي مقدمتهم مجلس اللوردات البريطاني.
وفي هذا الخصوص، تقول الدكتورة نورا أريسيان، عضو مجلس الشعب السوري، إن “هذه الزيارات مهمة، لأنهم في النهاية سينقلون الحقيقة إلى مجتمعاتهم، وسينقلون إلى الشعب البريطاني تفاصيل لا يمكن أن يحصلوا عليها من الإعلام الغربي المضلل، وبذلك يتبلور رأي جديد في المجتمعات الغربية”، وتضيف “برأيي أن أي وفد من المجتمعات الأوروبية والغربية يزور سوريا يصب لصالح نشر وجه نظرنا ودحض المزاعم الغربية حول سوريا”.
كذلك الأمر بما يتعلق بالوفد الكنسي الأمريكي – الفرنسي المشترك الذي زار سوريا، في أبريل/ نسيان 2018، الذي أشار أعضاؤه بأن الإعلام الأمريكي لا ينقل ابداً الصورة الحقيقية عما يجري حيث أن الكثير من المواطنين الأمريكيين غير راضين عن سياسة بلادهم تجاه دمشق.
وفي نوفمبر/تشرين الأول 2018، زار دمشق وفد برلماني بولندي لتأتي هذه الزيارة استكمالاً لزيارات وفود سابقة في ظل التعافي المستمر للوضع الأمني، إذ يقول الدكتور نبيل ملاذي، نائب حزب التغيير البولندي، إن “الدول الأوروبية تتطلع الى رأب الصدع مع سوريا، والذي لعبت فيه الولايات المتحدة دوراً سلبياً طيلة سنوات الحرب، مما يدل على أن هناك حراك غربي – عربي سريع الخطى لحجز مكان ما في مرحلة إعادة الإعمار”، لنخرج بالقول ونسلم بحقيقة أن الحرب لم تضر الدولة والشعب السوري فقط، بل ألقت بظلالها على عموم دول العالم، خصوصاً دول الإتحاد الأوروبي التي التحقت بركب سياسة الولايات المتحدة التي وعدتها بمكاسب وحصص من “الكعكة السورية” بعد انتهاء الحرب وسقوط الدولة.
في هذا المجال، يؤكد الأستاذ آلان بكر، عضو مجلس الشعب السوري في تصريحٍ خاص أدلى به لمركز “سيتا”، أن هذه الوفود “أتت للتضامن مع سوريا لكنها ما كانت لتأتي لولا بسالة الجيش، وصمود الشعب، وشجاعة وثبات الرئيس بشار الأسد. لقد كانت هذه الوفود بمعظمها تتحدث عن عودة العلاقات الدبلوماسية، وكنا نحن دائماً نتحدث عن العقوبات الإقتصادية آحادية الجانب التي تستهدف المواطن السوري بكل جوانب حياته. نحن، كدولة سورية، نرحب بإعادة فتح السفارات، لكن الأولوية بالنسبة لنا الآن هي رفع العقوبات الإقتصادية.”
إعادة العلاقات
بعد التغيرات في الخطاب العربي المعادي لسوريا، بدأنا نشهد حراكاً كبيراً لجهة إعادة العلاقات، فهناك مساع إقليمية للتقارب حيث تحدثت بعض وسائل الإعلام عن زيارة لرئيس الإستخبارات الإماراتي، علي محمد الشامسي، التقى خلالها مع مدير مكتب الأمن الوطني، اللواء علي مملوك، لمناقشة العلاقة الدبلوماسية وإعادة فتح السفارة الإماراتية في دمشق. أعقب ذلك اللقاء زيارة قام بها وفد برلماني أردني من أجل إعادة إحياء العلاقات الإقتصادية والتجارية مع تقديم مقترح بتشكيل لجنة الأخوة البرلمانية السورية – الأردنية على غرار اللجنة البرلمانية البولندية – السورية.
في هذا الشأن، تشير أيضاً الدكتورة أريسيان إلى أن زيارات الوفود الأجنبية والعربية تلك لها دلالات سياسية كبيرة وواضحة، وعلى الرغم من ضغوط بعض الحكومات والتدخلات الخارجية فإن الكثير من الوفود برلمانية تزور سوريا وتلتقي بقياداتها السياسية والبرلمانية. فبعض الدول تراجع سياساتها وتتخذ خطوات بشأن التقرب منها.
من هنا، يشير الرئيس الأسد إلى أهمية تلك الزيارات كونها المعبِّر الحقيقي عن المواقف الشعبية، والبوصلة الموجِّهة للعلاقات الثنائية بين الدول والتي يجب أن يكون محركها على الدوام هو تحقيق مصالح الشعوب وتطلعاتها.
طريق واحد
من خلال ما سبق، يتبين أن جل الدول التي اتخذت موقف المقاطعة، لا بل شاركت في إذكاء نار الحرب وتأجيج المعارك إن كان لجهة الدعم اللوجستي أو المادي أو الإستخباراتي، هي نفسها اليوم تتودد طالبة التقرب إلى دمشق، فالعلاقات الودية والندية هي المعبر والطريق الوحيد الذي يربط الإقتصاد بالسياسة بحيث يحقق لها تعويضاً عما تسببت به من أضرار، لنفسها قبل سوريا.
وفي المقابل، إن عودة الدول عن مواقفها العدائية، وتراجعها عن الإستمرار في حياكة المؤآمرات، يزيد الإصرار السوري للتمسك أكثر بنهجه المقاوم من خلال عقيدة حق قوامها “ما أُخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة”.
*المدير التنفيذي في مركز سيتا
مصدر الصور: رصيف 22 – روسيا اليوم –عربي اليوم.