إبراهيم ناصر*

منذ إسقاط الرئيس عمر البشير من رئاسة السودان، والبلاد تشهد فراغاً دستورياً وحالة فوضى سياسية، لم تعيشها منذ أن نالت إستقلالها من بريطانيا في العام 1956، حيث يتصرف المجلس العسكري الإنتقالي بأنه صاحب التصرف المطلق بالبلاد دون أي تفويض دستوري أو شعبي، يخوله التحدث بإسم الشعب، وكأنه الوصي على الثورة السودانية على الرغم من دوره المشهود في تحريك الشارع ضد نظام الرئيس البشير.

مؤخراً، نشب خلاف بين الكيانات المشكِّلة لقوى إعلان الحرية والتغيير حول الوثيقة الدستورية التي تسلمها المجلس العسكري الإنتقالي، إذ يرى الصادق المهدي، زعيم حزب الأمة القومي، وعضو كيان “نداء السودان”، إحدى تشكيلات قوى إعلان الحرية والتغيير، بأن عملية تقديم الوثيقة كان عبارة عن تحرك فردي من البعض دون الأخذ برايهم؛ كذلك، يرى رئيس المؤتمر السوداني بأن الوثيقة الدستورية تعتريها بعض النواقص. وبالتالي، إن الخلاف بين القوى السياسية، التي يرجى منها توحيد البلاد حتى تتجاوز أزمتها الحالية، أمر يدل على تأزم المشهد السوداني.

فضلاً عن ذلك، يمكن التطرق إلى التوتر الذي إندلع بين قوى إعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري، بعد أن أدلى الأخير بردوده على الوثقية الدستورية التي قدمت له، والتي إعتبرها البعض بأنها مماطلات يقوم بها قادة المجلس لكسب الوقت حتى يعودوا وينقضوا على السلطة مجدداً خصوصاً مع توافر بعض المبررات، كتفاقم الأزمة الإقتصادية التي ربما تدفع المعتصمين إلى فض إعتصامهم. وإنطلاقاً من هنا، يمكننا إستشراف مستقبل الوضع السياسي السوداني من خلال المشهدين الآتيين:

مشهد الإستمرارية: إستمرار الخلاف السياسي بين القوى المحركة للثورة السودانية وتخوين وإتهامها من البعض بالعلاقة بالنظام السابق، ربما يفاقم الأوضاع السياسية مستقبلاً ويؤجل الحل في البلد، ويزيد من أزماتها المعيشية والتي بدأت المواطن العادي يعايشها، مثل ندرة خبز وإنعدام الوقود والنقود وإنقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة. فضلاً عن ذلك، يأتي تعنت المجلس العسكري بعدم تسليمه السلطة للمدنيين من ضمن الأمور التي ستُعقد الأوضاع بالبلاد أكثر. وبالتالي، يمكن القول بأن سيناريو الفوضى سيكون ضمن السناريوهات التي يحتمل حدوثها في السودان في ظل المعطيات المتوافرة.

مشهد التغيير: هذا المشهد يتمثل في أن يتوافق الجميع ويقدم تنازلات من أجل إيجاد حلول تخرج البلاد من أزمتها القائمة، وهذا وارد لأن الوضع القائم الآن شهده التاريخ السياسي السوداني من قبل في ستينيات وثمانينيات القرن الماضي، فضلاً عن اللغة الوطنية التسامحية السائدة بين الأطراف المختلفة، وأيضاً اللين الواضح من قبل المجلس العسكري الإنتقالي، لأنه يتوقع الضغوط التي ستُمارس ضده من الداخل والخارج في حال عدم تسليمه السسلطة للمدنيين. بالتالي، أن تغير الوضع السياسي الحالي المأزوم نحو الأحسن أمر وارد في حال إنتهاء حالة التشنج بين القوى الفاعلة بالساحة السودانية.

حاصل القول، صحيح أن الزمن القادم (المستقبل) لم يأت بعد، وهو ما يجعل من الرغبة في معرفة تفاصيله أمراً بالغ الصعوبة إن لم يكن من (الأمور المستحيلة)، لكننا على الرغم من ذلك نعتقد بأنه ومن خلال الإعتماد على عدد من المعطيات يمكننا من إيجاد الإطار العام له، والتقرب من معرفة تلك الإحتمالات، الأمر الذي سيجعل من تلك الإحتمالات أمراً قابلاً للحصول إذا ما توفرت لها الظروف الموضوعية لحدوثها.

من هنا وفي ظل الواقع الماثل أمامنا، يمكننا القول بأن المشهد السياسي السوداني مفتوح على العديد من المآلات، بما فيها مصادرة العسكر للسلطة، أو تسليمها لمدنيين، وهذا لا يعني تجاوز البلاد لأزمتها القديمة والحديثة في المستقبل القريب، لأن أزمتها متعددة الأشكال والجوانب وعملية إيجاد حلول ناجعة لها ربما تحتاج الى وقت طويل.

*باحث وكاتب سوداني

مصدر الصورة: بي.بي.سي عربية