إعداد: يارا انبيعة
تتحكم منظمة أوبك في إنتاج دولها من النفط اليومي، وهو ما يعني أنها تتحكم بأسعار النفط العالمية كونها تضم أعضاء يمثلون أكبر الدول المنتجة للنفط في العالم. ومع تحكم المنظمة في الإنتاج، يدور الصراع حالياً بينها وبين الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الذي يتهمها بأنها السبب في ارتفاع أسعار النفط عالمياً وأنها تتسبب في زيادة غير حقيقية في سعر النفط.
من خلال ذلك، يسعى الرئيس ترامب إلى الضغط على الدول الحليفة له في المنظمة من أجل زيادة الإنتاج اليومي من أجل تخفيف الفاتورة على الشعب الأمريكي لغايات سياسية، وهذا الأمر يسبب الكثير من الضغط على هؤلاء الحلفاء بشكل سلبي كونه يؤثر مباشرة على المداخيل المالية التي تغذي الموازنة العامة لتلك الدول.
يبدو أن قرار قطر بالإنسحاب من المنظمة يعد سيراً في اتجاهين بنفس الوقت؛ الأول، الإهتمام بسوق الغاز كونها تعد ثالث مخزون عالمي بعد روسيا وإيران. والثاني، قد يكون إشارة غضب من سياسة واشنطن تجاهها بعد الأزمة الخليجية وما تلاها من دون الدخول في صدام مباشر لأسباب كثيرة.
“أوبك” بلا فائدة!
وصف خبراء ومسؤولون سابقون قرار انسحاب قطر بـ “الحكيم”، وأكدوا أن أوبك باتت منظمة بلا فائدة بعدما أضحت ترتهن لما نعتوها بالمآزق التي يعيشها بعض المنتجين الكبار مثل السعودية، محذرين من حدوث انسحابات أخرى.
وفي تعليقه على هذا القرار، وصف رئيس الوزراء القطري السابق، حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، انسحاب بلاده بـ “الحكيم”، حيث قال “انسحاب دولة قطر من منظمة أوبك هو قرار حكيم، فهذه المنظمة أصبحت عديمة الفائدة ولا تضيف لنا شيئاً؛ وأضاف، في تغريدة له على حسابه في تويتر، أن المنظمة “تستخدم فقط لأغراض تضر بمصلحتنا الوطنية”.
من جهته قال الخبير الإقتصادي القطري، عبد الله الخاطر، إن المنظمة فقدت في المدة الأخيرة رؤيتها واستراتيجيتها، كما فقدت دورها في حماية حقوق المنتجين، واعتبر أن قرارات أوبك أصبحت مرهونة بالمأزق الذي تدخل فيه بعض الأنظمة خاصة “أنظمة الحصار” وضغوط الرئيس ترامب، مما أظهر المنظمة بمظهر سلبي أمام العالم، ورأى أن قطر لها سمعتها لذلك أصبحت لا تستطيع الإستمرار فيها خاصة مع الأحداث التي باتت تصاحب صناع القرار من داخلها.
أبعاد سياسية
يرى محللون اقتصاديون أن قرار انسحاب قطر سياسي وليس اقتصادياً، وأن تهميش قطر في اتخاذ قرار تخفيض إنتاج النفط ضمن أسباب خروجها، ويؤكدون عدم تأثر سعر برميل النفط، وسوق النفط من قرار انسحاب قطر.
المحلل الاقتصادي أيمن الخلف قال إن خروج قطر لن يؤثر في سعر النفط، ولن تتأثر أوبك في تحقيق الأهداف الإقتصادية، مستبعداً أن يكون قرار الإنسحاب لتركيز قطر على زيادة إنتاج الغاز المسال، فعضوية قطر تمتد من العام 1961 ما يشير إلى أن خروجها كان مفاجئاً للعالم. فإنتاج قطر من النفط 600 ألف برميل يعد قليلاً بجانب حجم الإنتاج السعودي أو الروسي، ما يجعل قطر من أصغر الدول المصدرة للنفط في المنظمة، وإنتاجها يمثل 2% من إنتاج الدول الكبرى.
وأشار الخلف إلى أن سبب الإنسحاب سياسي إضافة إلى تعاطف قطر مع العقوبات المطبقة على النفط الإيراني، وتحاول الحكومة القطرية حماية اقتصاد إيران من أثر العقوبات المطبقة الفترة الماضية عليها، وشدد الخلف على أهمية بقاء دولة قطر في المنظمة وإن كان دورها هامشياً، لتقوية قدرات قطر في التفاوض، والتسويق لنفطها، وأنها وفقاً لقانون المنظمة الذي ينص على أن القرار يصدر بالإجماع إذ تستطيع أن تؤثر في اتخاذ القرار.
تداعيات الإنسحاب
أوضح المهندس سعد بن شريده الكعبي، وزير الدولة لشؤون الطاقة والعضو المنتدب والرئيس التنفيذي لقطر للبترول، أن إنتاج قطر من النفط ليس ضخماً وبالتالي فإن سوق النفط لن يتأثر بهذا القرار، مؤكداً أن بلاده ستكون ملتزمة بما تتخذه “أوبك” من قرارات حتى نهاية عضويتها. وعما إذا كان القرار بشأن الإنسحاب من المنظمة هو قرار سياسي، نفى الكعبي هذا الأمر، قائلاً إن القرار يرجع لأسباب فنية فقط تتعلق بإستراتيجية قطر في المستقبل تجاه قطاع الطاقة، كما اعتبر أن السعر العادل لبرميل النفط يتراوح ما بين 70 و80 دولارا للبرميل.
إلى ذلك، أكدت الخبيرة في قسم الطاقة في معهد سكولكوفو للعلوم والتكنولوجيا الروسي، يكاترينا غروشيفينكو، أن انسحاب قطر يجب ألا يؤثر على اتفاق “أوبك+” لخفض الإنتاج، وتحسين أسعار النفط، وأوضحت غروشيفينكو أن قطر تعتزم مواصلة الوفاء بإلتزاماتها بموجب هذه الاتفاقية، مثل الدول الأخرى غير الأعضاء في المنظمة كغيرها من الدول غير الأعضاء في المنظمة. ومع ذلك، وحتى إذا بدأت قطر في زيادة الإنتاج، فلن تكون ذات تأثير خطير على سوق النفط، فقد بلغ حجم خفض الإنتاج بالنسبة لقطر 30 ألف برميل يومياً، وفي أكتوبر/تشرين الأول 2018، بلغ نحو 40 ألف برميل يومياً مما يشير إلى وجود بعض الصعوبات أمام زيادة الإنتاج.
مواقف متباينة
تباينت ردود الفعل على قرار قطر إعلان الإنسحاب من عضويتها في منظمة “أوبك” لدى بعض الدول الأعضاء ودول المحيط الإقليمي، حيث وصفت دولة الإمارات العربية المتحدة قرار قطر بالخروج من الأوبك بأنه جاء انعكاساً لإنحسار نفوذها. وقال أنور قرقاش، وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، في تغريدة على تويتر إن “البعد السياسي لقرار قطر الإنسحاب إقرار بإنحسار دورها ونفوذها في ظل عزلتها السياسية.”
إلى ذلك، رأت إيران أن القرار القطري يظهر “خيبة أمل” الدول الصغيرة المنتجة للنفط إزاء الدور السعودي – الروسي المهيمن على السوق النفطية، فيما كان لحسين كاظم بور أردبيلي، مندوب إيران في منظمة الأوبك، تعليقاً على قرار الدوحة قال فيه “إنه أمر مؤسف جداً، ونحن نتفهم خيبة أملهم”، مضيفاً “ثمة الكثير من الأعضاء في أوبك يشعرون بخيبة أمل من أن اللجنة الوزارية المشتركة للمراقبة تتخذ قرارات بشأن الإنتاج بصورة منفردة ومن دون توافق مسبق داخل أوبك.”
أما نائب وزير الخارجية الكويتي، خالد الجار الله، فقد علق على القرار بالقول “إن الأشقاء في قطر يركزون على الغاز، لأن إنتاجهم من البترول يعتبر محدوداً في مقابل إنتاجهم للغاز”، وأضاف المسؤول الكويتي “أن منظمة أوبك تعنى بالنفط وليست معنية بالغاز، ولهذا كان قرار الأشقاء في الدوحة بالتركيز على الغاز، لأن إنتاجهم من البترول لن يكون بالمستوى المطلوب ولن يكون لهم دور في أوبك، وهذا تقديرهم ونحترم هذا القرار.”
من جهته، أعلن وزير الطاقة القطري سعد الكعبي، أن بلاده قررت الإنسحاب اعتباراً من يناير/كانون الثاني 2019، بسبب الرغبة في تركيز الجهود على تنمية وتطوير صناعة الغاز الطبيعي، ووفقاً له لم يكن هذا القرار ناتجاً عن خلافات مع دول أخرى مع احتفاظ قطر بتنفيذ الاتفاقيات الدولية بعد مغادرة المنظمة كأي بلد خارج هذه المنظمة.
ختاماً، يبدو من الواضح أن إيران هي الدولة الوحيدة، من الجوار القطري، التي فتحت لها ذراعي الرحمة إثر الحصار الذي فرض عليها، ويمكن أن يكون لها ذراعاً فيما يحصل بعد العقوبات الأمريكية التي تعصف بالإقتصاد الإيراني، لا سيما قطاع النفط. إن إضعاف مؤسسة عملاقة، ولو بقدر خفيف، قد يصب في صالح إيران كـ “رد للجميل” في حربها النفطية مع من يريد تكديس الناتج المحلي الإيراني. فقطر لا تفعل ذلك كرمى للعيون طهران دون مقابل، فهل إغاظة السعودية هنا هو مكسب ومغنم يعتد به؟ وهل ستستطيع قطر التوفيق بين “خدمة” إيران و”ملاطفة” أمريكا؟
مصدر الأخبار: وكالات.
مصدر الصور: سبوتنيك.