حدّد مجلس صيانة الدستور الإيراني يوم 18 يونيو/حزيران 2021 موعداً للانتخابات الرئاسية المقبلة في البلاد، وهو تصويت سيختار فيه الإيرانيون خلفاً للرئيس الحالي، حسن روحاني، وسط تباينات شعبية بين نظرة تفاؤلية مع عودة إلى الاتفاق النووي وتخفيف القيود المفروضة على البلاد، وأخرى تشاؤمية من استمرار الركود الاقتصادي ومواصلة الضغوط الأميركية على طهران.
مهمة مفصلية
تعتبر هذه الانتخابات محورية ومفصلية، خاصة إذا نظرنا إليها من الناحية الزمنية، إذ أن هناك كلام متزايد حول أن الرئيس المقبل سيكون عليه عبء تأمين مرحلة انتقالية في البلاد خاصة في حقبة ما بعد المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، حتى أن المرشد نفسه أشار إلى أن مجلس خبراء القيادة الحالي قد يكون أمام مهمة اختيار المرشد الأعلى الجديد للثورة الإسلامية.
من هذه النقطة بالذات، كان التركيز على شخصية الرئيس المقبل بحيث أن يكون قادراً على توفير الانسجام المطلوب بين مؤسسات الدولة لتأمين انتقال سلس في مرحلة ما بعد المرشد خامنئي؛ من هنا، برزت فكرة استبعاد مرشحين أقوياء للرئاسة عن السباق الانتخابي على غرار علي لاريجاني، الذي كان يهدف لفتح الطريق أمام السيد إبراهيم رئيسي – القادر ربما على القيام بهذه المهمة. لكن وفي نفس الوقت، هذا الاستبعاد أثار انتقادات حتى من جانب رئيسي نفسه، والذي ربما لا يريد أن ينتخب رئيساً ضمن منافسة مع مرشحين لا ثقل سياسي لهم على الإطلاق.
نظرة شعبية
منذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة العام 2017، أدت سلسلة من الأحداث إلى تغيير جذري في المشهد السياسي الإيراني، زاد معها الاستياء الشعبي من أداء الإصلاحيين، خصوصاً فيما يتعلق بحملات القمع ضد الاحتجاجات المناهضة للحكومة، واعتقال النشطاء السياسيين والاجتماعيين، وإعدام السجناء السياسيين، وقيام الحرس الثوري الإيراني بإسقاط طائرة ركاب أوكرانية، وأزمة اقتصادية حادة ناتجة عن العقوبات الاقتصادية الأميركية؛ كل ذلك، سيعكس حالة إقبال ضعيفة على الانتخابات نتيجة للظروف التي تعاني منها البلاد، في حين يرى بعض المراقبين بأن “الضربة الكبرى” لحكّام إيران ربما تأتي من باب المشاركة المنخفضة للناخبين في عملية الإقتراع، حيث بلغ مستوى عدم الرضا بين الناخبين ذروته.
ولكن على الرغم من الاعتقاد السائد بأن الانتخابات الإيرانية ليست حرة ونزيهة بأي حال من الأحوال – ويرجع ذلك أساساً إلى فحص المرشحين من قبل هيئة متشددة تُعرف باسم مجلس صيانة الدستور – لا يزال قادة إيران بحاجة إلى ايجاد نسبة مشاركة عالية لإثبات شرعية النظام السياسي، لا سيما وأن هذه الشرعية تعرضت لتحدٍّ خطير بعد أحداث الأعوام الأربع الماضية. ومع ذلك، تظهر استطلاعات الرأي – التي أجرتها وكالة استطلاعات الطلاب الإيرانية الموالية للحكومة – Ispa – انخفاضاً بنسبة 7% في الإقبال المتوقع إلى 36% فقط منذ الإعلان عن قائمة المرشحين، 25 أيار/مايو 2021.
أيضاً وعلى الصعيد الشعبي، يرى بعض المحللين أن المجتمع الإيراني قد أصيب بـ “خيبة أمل” بعد فشل الرئيس روحاني – الذي يمثل الإصلاحيين – سياسياً خاصة مع الإقبال الكثيف على عملية التصويت في الانتخابات التي فاز بها بدورة ثانية.
بين الإصلاحيين والمحافظين
إن مسألة استبعاد بعض المرشحين الذين كان من الممكن دعمهم من قِبل التيار الإصلاحي حتى وإن كانوا غير إصلاحيين مثل لاريجاني على غرار ما حصل مع الرئيس روحاني نفسه، قد يدفع أكثر باتجاه العزوف عن المشاركة.
إن التوجيه الأخير من مجلس صيانة الدستور، منع عملياً معظم المرشحين الإصلاحيين أو الوسطيين من الترشح لهذه الدورة الانتخابية؛ فمن بين عشرات الشخصيات السياسية البارزة المسجلة، وافق المجلس على 7 مرشحين فقط؛ اثنان فقط من أصل سبعة مرشحان يعدان إصلاحيان أو وسطيان، في حين أن كلاهما لا يملك أكثرية شعبية تجعله منافساً مقبولاً على كرسي الرئاسة.
لكن الواقع الثابت – بحسب مراقبين – يتمثل بامكانية لجوء التيار المحافظ إلى تبني أفكار الإصلاحية وإلباسها ثوب المحافظين؛ هذه الخطوة – إن تمت – ستعطي المحافظين قبولاً شعبياً خاصة فيما يتعلق بالاقتصاد، الذي سيتم تحسينه لا سيما إذا ما نجحت المفاوضات حول الاتفاق النووي وتمت العودة إلى تطبيق بنوده ما يعني رفعاً للعقوبات الاقتصادية ولو بجزء بسيط منها، بالإضافة إلى مسألة الحريات التي باتت تأخذ حيزاً لا بأس به.
كل تلك التحسينات ستساهم في إضعاف التيار الإصلاحي، الذي قد لا يجد أفكاراً يستقطب بها التأييد الشعبي مجدداً بعد أن طبّقت أفكاره من قبل المحافظين – خصوصاً إذا ما نجحوا في ذلك – وهذا ما قد يعيني – في المقابل – فقدان الإصلاحيين للرؤية الواضحة، خاصة بعد رئاسة محمد خاتمي.
ماذا عن الخارج؟
أحيا فوز جو بايدن، في الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2020، عملية العودة إلى طاولة المفاوضات السياسية والدبلوماسية مع إيران، بعد أن تصاعدت التوترات بين البلدين في عهد سلفه، دونالد ترامب. وعلى الرغم من أن معظم المتشددين داخل المؤسسة السياسية الإيرانية يعتبرون المحادثات مع الولايات المتحدة غير مجدية، إلا أن الإصلاحيين والوسطيين يؤيدونها، حيث يدعم الاثنان الأخيران عملية الانضمام إلى العديد من المنظمات الدولية التي تعنى بمكافحة عمليات غسيل الأموال ومجموعة العمل المالي – FATF، بالإضافة إلى اجراء مصالحة مع المملكة العربية السعودية، الخصم الإقليمي الدائم.
هذه الإجراءات من شأنها أن تقلل بشكل كبير من عملية الاحتكاك في المنطقة، وقد تخلق أيضاً فرصاً لإنعاش الاقتصاد الإيراني المتعثّر. ومع ذلك ونظراً لأن السياسات العامة للجمهورية الإسلامية – بما في ذلك سياستها الخارجية – يتم تحديدها من قبل القائد الأعلى؛ فإن أولئك الذين ينوون مقاطعة الانتخابات المقبلة يعتقدون أن الرئيس القادم ليس لديه سلطة كبيرة لتغيير الوضع الراهن دون موافقة المرشد.
من هنا، إن نجاح هذه الاستراتيجية التي بنيت على مخرجات الانتخابات المقبلة رهن برد فعل الشارع الذي لم يشارك في انتخابات البرلمان العام الماضي (2020)، ما أدى إلى فوز ساحق للمحافظين. فالشارع الإيراني الآن ينتظر بدوره ملامح المرحلة المقبلة، سواء إسم الرئيس المقبل – والذي يبدو أنه بات معروفاً من الآن – أو الإصلاحات الاقتصادية وقضية الحريات، أو مرحلة ما بعد آية الله خامنئي.
مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.
مصدر الصور: إيلاف – العربية.
موضوع ذا صلة: الإنتخابات الإيرانية – 2020: بين التكليف الديني والإصلاح السياسي