أمجد إسماعيل الآغا*
بات واضحاً أن ما حققته الدولة السورية وجيشها يتجاوز في أبعاده أي انتصار سياسي أو ميداني. فما حدث في سوريا، يؤسس لـ “شرق أوسط جديد برؤية سورية” خالصة، حيث أن دمشق قد أعادت بإنتصاراتها رسم الحدود الإقليمية والدولية، فضلاً عن تحجيم الخطرين الأمريكي والإسرائيلي المتمثل بالتقسيم.
يضاف إلى ذلك، أن الإنتصار السوري أسّسَ لمفهوم جديد فيما يخص طبيعة العلاقات والتحالفات، ونسج العلاقات على أسس استراتيجية لا يمكن خرقها؛ وبالتالي، فإن الحرب المفروضة على سوريا، والتي باتت في نهايتها عسكرية وليس سياسية، أجبرت “محور العدوان” على الإعتراف بالهزيمة. وعليه، فإن حفظ ماء الوجه يعتبر أنجع طريقة لضمان الصورة القوية، وهذا حقيقة ما يفسر القرار الامريكي بالإنسحاب العسكري من سوريا.
يبدو من الواضح أن الولايات المتحدة، وجراء الإنتصارات السورية، لم تعد في موقع القوي الذي بإمكانه فرض القرارات، حيث أن قواتها أدركت أن بقاءها في الميدان السوري لن يجلب لها سوى العديد من المآزق، السياسية والعسكرية، ولن يكون بمقدورها أن تتحمل تبعات تواجدها هذا.
أما ما يلفت النظر في التصريحات الأمريكية هو الخروج من سوريا دون شرط، وهنا لا يمكن أن نتحدث عن “غباء” أو رغبة أمريكية بإحلال السلام في سوريا، فالحدث يرقى إلى مستوى انتصار سوري بنكهة استراتيجية، إذ أن كل المحاولات الأمريكية، سواء العسكرية أم السياسية الرامية لإطالة أمد الحرب، اصطدمت بصخرة الإرادة السورية التي لا تقهر، وهذا ما بدا واضحاً خلال مسارات الحرب عبر استهداف قواعد الجيش السوري من قبل واشنطن؛ وفي كل هجوم، كان الفشل هو النتيجة، ما يعني، من الناحية العسكرية ووفقاً للمنطق الأمريكي، أن تلك القوات لن تستطيع الدفاع عن نفسها في أي صدام جدي واسع مع الجيش السوري وحلفائه.
المؤكد أن قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وإن كان يحمل في طياته الكثير من الشوائب التي تحتاج إلى تنقية لقراءته بشكل أوسع، إلا أن موازين القوى التي فرضها الجيش السوري أخذت القرارات الأمريكية إلى منحى “الخنوع والخضوع”.
وعلى الرغم من الترسانة العسكرية الأمريكية التي لا تضاهيها أية ترسانة عسكرية في العالم، لكن القلق الأمريكي تمثل في الخوف من مواجهة مباشرة مع قوات الجيش السوري وحلفاؤه؛ فالثابت في العرف العسكري الأمريكي، أن أية مواجهة عسكرية غير مضمونة النتائج لا يجب الإقدام عليها خاصة وأن سوريا ومن خلفها إيران وروسيا باتوا قادرين عسكرياً على مواجهة واشنطن وحلفائها في المنطقة. لهذا، ظهر التردد المشوب بالقلق الأمريكي من جدوى بقاء القوات العسكرية شرق الفرات، ليكون ميزان الربح والخسارة ضمن أولويات واشنطن. من هنا، بات واضحاً أن الحديث بإستبدال القوات بأخرى عربية يدخل في صلب القرار الأمريكي بالإنسحاب، على أن تتحمل الدول العربية التكلفة كاملة من دماء وتمويل لتحقيق أهداف أمريكية بالأساس، على الرغم من الإدراك الأمريكي بأن تلك القوات العربية لا يمكن لها أن تصمد في وجه الجيش السوري، وستكون الهزيمة من نصيبها من الجولة الأولى.
إن إعلان البيت الأبيض بدء سحب القوات العسكرية الموجودة في سوريا خلال فترة قد تصل إلى ثلاثة أشهر، يأتي في إطار الهزيمة غير المعلنة، فواشنطن باتت “غير معنية” بالشأن السوري بعد أن فقدت أوراقها وباتت محاصرة سياسياً وميدانياً؛ وبالتالي، من يريد بقاءها فعليه أن يدفع تكلفة هذا البقاء. يضاف إلى ذلك، أن قرار الانسحاب يحمل في طياته هدفاً غير معلن يمكن وضعه في إطار المساومات التي تفضي في نهايتها إلى تحقيق جملة مكاسب تتثمل في خلق نوع من الضغط على الدول العربية، وتوترات سياسية غير مرغوب بها للقادة الخليجين خاصة في ظل الظروف الإقليمية والدولية الضاغطة التي تعيشها المنطقة.
فإذا كانوا حقاً لا يرغبون بقيام أمريكا بمثل هذا الإجراء، فيجب عليهم التبرع بجزء من ثروتهم النفطية إلى واشنطن. لذلك، إن النهج الحسابي للرئيس ترامب يهدف إلى الإستخدام الأكثر ربحاً من الدول العربية تحت ذريعة مغادرة سوريا، وهو ما يمكن اعتباره أحد أهم أهداف رئيس الولايات المتحدة.
في الخلاصة، لا يمكن التنبؤ بتداعيات هذا القرار الأمريكي، كما لا يمكن أيضاً التنبؤ بالخطة الأمريكية البديلة لهذا الإنسحاب، غير أنه ومن المؤكد أن هذا التطور الجديد سيكون له انعكاساته العسكرية والسياسية. فلننتظر إلى ما ستؤول إليه التطورات في قادم الأيام بالتوازي مع المنجزات التي ستؤسس لها الدولة السورية وجيشها في السياسة والميدان.
*إعلامي وكاتب سوري
مصدر الصورة: مصر العربية.