مقدمة

يصنف كتاب “الحرب الهادئة: مستقبل التنافس العالمي” في إطار دراسات العلاقات الدولية والدراسات الاستشرافية والمستقبلية، ويطرح فكرة أساسية وهي مسار أو مستقبل التنافس العالمي بين الولايات المتحدة والصين.

ما يميز هذا الكتاب إنه يطرح فكرة التنافس العالمي بطريقة موضوعية نسبياً، إذ حاول المؤلف أن يبتعد عن الانحياز لطرف معين عن طريق طرح نقاط قوة وضعف الطرفين وإبراز حقيقة العلاقة الغامضة بين أكبر دولتين في عصرنا الحالي.

يعتبر مصطلح “الحرب الهادئة” هو وصف لحالة التنافس القائمة بين الصين والولايات المتحدة في المجالات الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية، ولكن هذا التنافس ليس الأول من نوعه في المجتمع الدولي حيث شهد العالم منذ الأزل صراعات وحروب بأشكال مختلفة.

ينطلق الكاتب في طرحه من الحرب الباردة كأبرز الحروب التي انتهت بانتصار الغرب الليبرالي على الشرق الشيوعي، كما حاول أيضاً أن يقارن ضمنياً بين تجربة الولايات المتحدة في مجال المنافسة وبين القوى العظمى السابقة – مثل بريطانيا – ليصل إلى استنتاج مبدئي أنه على الرغم من اعتقاد الغرب أنهم كسبوا الحرب وانتصروا على المعسكر الشرقي ولكن الواقع والكثير من المحللين يرجحون أن الصين هي الفائز الحقيقي وهي المنافس الجديد والأكثر شراسة من الاتحاد السوفيتي الذي سيهز عرش الولايات المتحدة.

حاول فلدمان أن يوضح الاختلاف البارز في طبيعة العلاقة القائمة بين الصين والولايات المتحدة، التي تختلف تماماً عن العلاقة السابقة مع الاتحاد السوفييتي حيث توالت أحداث كثيرة في المجتمع الدولي غيرت من طبيعة الصراع والتنافس ليكون عصرنا هو عصر التنافس الاقتصادي ولكن بصبغة تعاون واعتماد متبادل.

فعلى عكس الاتحاد السوفياتي، لدى الصين علاقات اقتصادية وتجارية عميقة مع الولايات المتحدة مما يجعل احتمالية الصراع بينهم ضعيفة؛ فانطلاقاً من أفكار الليبراليين، يعتبر الاعتماد المتبادل والتجارة وسيلة كافية لتجنب الصدام العسكري أو سباق التسلح وأن الفائدة الناتجة عن التعاون أكبر من فائدة الصدام.

في الواقع، يمكن القول بأن طبيعة هذه العلاقة فرضها الوضعين الاقتصادي والسياسي في المجتمع الدولي المختلف عن الوضع سابقاً، حيث لم يكن الارتباط التجاري والصفقات المشتركة سبباً في منع الحروب ولم يكن للجانب الاقتصادي أي دور.

ولكن حالياً، اختلف الوضع من ناحية طبيعة الشراكة الاقتصادية بين كل من الصين والولايات المتحدة، فهي أعمق ومتفرعة إلى عدة تخصصات مما جعل الضرر الناجمة عن الحرب المحتملة مشترك بين الطرفين، وأصبح الاقتصاد سبب رئيسي في ردع المواجهة في يومنا هذا. فالتاريخ لم يشهد من قبل على حرب أو صدام عنيف بين دولتين مترابطتين بشكل عميق لهذا الحد، مما يجعل احتمال وقوع اشتباك بين الطرفين ضئيل في ظل توفر الشروط الحالية، فالعامل الاقتصادي قادر أن يخفف من حدة أية أزمة مع الوقت، هذا من ناحية.

من ناحية أخرى، يسعى الكتاب إلى المقارنة بين الأفكار والأنظمة وحتى بين أطراف الصراع في المجتمع الدولي حالياً مع أطراف الصراع في القرون الماضية (الحربين العالميتين والحرب الباردة)، إذ قسّم فلدمان الكتاب إلى ثلاثة أجزاء:
الجزء الأول: السياق التاريخي والجيو – سياسي للصراع الصيني –الأمريكي.
الجزء الثاني: تحليل البنية السياسية للنظام الصيني.
الجزء الثالث: تداعيات الحرب الهادئة على مستقبل العلاقات الدولية.

1. السياق التاريخي والجيو – سياسي للصراع الصيني – الأمريكي

عرض الكاتب في الجزء الأول من مؤلفه كيف أن مصالح الولايات المتحدة والصين تلتقي في مجالات التجارة والاقتصاد، فيما تتعارض بشكل كبير عند الحديث عن القوة الجيو – سياسية والإيديولوجية، وهذا الوضع فرض نوع من التزامن بين الصراع والتعاون.

من وجهة نظر العديد من المفكرين الليبراليين، إن النظر إلى بكين وواشنطن من خلال منظور تاريخي أو واقعي، يعني الحديث عن بلدان مختلفان اختلافاً كبيراً. فالأولى – حسب تصورهم – هي دولة قديمة وناشئة في مجال التحديث، في حين أن الثانية هي دولة شابة وراسخة في مجال التحديث. وكل أنواع الاختلافات تؤثر على فهمها المتبادل، وسياساتها تجاه بعضها البعض، وتطوير العلاقات الثنائية.

أيضاً، الصين – بتوجهها الشيوعي ونظام الحزب الواحد المسيطر على السلطة – تختلف عن الولايات المتحدة الديمقراطية والتي تعتز بليبراليتها “الشرسة”، كما أن سياستها الخارجية – التي تدعم نظام الآحادية القطبية وتعمل على ترسيخه – يختلف عن توجه الصين نحو انشاء وتدعيم نظام دولي متعدد الأقطاب تكون فيه لكل الدول فرصة للمشاركة في صناعة القرار العالمي.

لقد خلقت طبيعة الخلافات بين البلدين علاقة خاصة، وهذا ما أكد عليه نوح فلدمان ومفكرون آخرون حيث يبدو أن الأمريكيين لديهم “حلم صيني” ورغبة في تحويل الصين لتتناسب مع “النموذج الأمريكي”، فيما يتصل بالصين كسوق ذات فرص تجارية غير محدودة وإمكانات هائلة. وفي الوقت نفسه، يبدو أن الشعب الصيني يتذبذب بين النظر إلى الولايات المتحدة كمعلم وصديق، وبين النظر إليها باعتبارها عدوة له، في وقت إتجهت فيه سياسات كل من البلدين نحو التحول بين الليبرالية والواقعية.

أما أبرز المواضيع الخلافية التي يمكن أن تتسبب في حرب واشتباك بين الطرفين فهي قضية تايوان، حيث أن هذه الأزمة تشبه إلى حد كبير أزمة كوبا بين الاتحاد السوفياتي السابق والولايات المتحدة في ستينات القرن الماضي. ويذهب رواد المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية أن الصدام بين بكين وواشنطن سيحصل بالتأكيد، وأن الرغبة في تعظيم القوة هي التي تدفع الدول لتحسين مواقعهم وإعادة تنظيم المجتمع الدولي على حسب ما يناسبهم، وهذا الشيء ينطبق على الصين؛ فاذا ارادت ان تحسن وضعها بين الدول الكبرى وأن تتحرك وفق مصلحتها، فستفعل هذا بالتأكيد. فالواقعيون يعتقدون أن الصين تمثل أكبر منافس للولايات المتحدة، وبالتأكيد سوف ترغب بالصعود إلى مصافِ الدولة الكبرى مما سيجعل الصدام حتمياً.

هنا، يطرح الكاتب سؤالاً مهماً: إذا ما ارادت الصين أن تصبح قوة عظمى منافسة للولايات المتحدة، ما الذي عليها أن تفعله؟

بالحقيقة، إن الفوز بالتنافس الاقتصادي غير ممكن دون امتلاك نفوذ جيو – استراتيجي قادر على إسناد صعودها؛ إذ إن تأمين احتياجات الصعود الاقتصادي – وعلى رأسها إمدادات الطاقة – بحاجة إلى علاقات سياسية بدول المصدر والممر، وحضور عسكري لحماية هذه الإمدادات. بينما الوضع الحالي والهيمنة العسكرية الأميركية على طُرق التجارة تشكِّل تهديداً حقيقياً لمساعي الصعود الاستراتيجي الصيني، بالإضافة إلى معيقات أخرى، فالفجوة التكنولوجية الواسعة البلدين بالإضافة إلى بنية النظام السلطوي – الذي قد لا يؤهلها لامتصاص أية صدمات سياسية داخلية مقارنة بالنظام الأميركي المرن – يجعلها أمام تحدي حقيقي.

في هذا الصدد، تعتبر قدرات الصين العسكرية ليست كافية لمواجهة الولايات المتحدة على الرغم من أن بكين تعتبر ورقة تايوان ورقة رابحة في يدها حيث يمكن أن تستغلها، فهي دولة غنية وفي نفس الوقت حليف استراتيجي للولايات المتحدة والفوز بتايوان سيكون له أهمية جيو – سياسية واستراتيجية واقتصادية للصين، حيث يوضح فلدمان أن الأخيرة تعلم جيداً أن الحصول على تايوان لا يكون عن طريق اشتباك عسكري بل يكون عبر زيادة القوة العسكرية إلى الحد الذي يجعل تايوان تنظم طواعية.

في المقابل، تقوم الولايات المتحدة بحماية تايوان والدول الآسيوية الأخرى – مثل كوريا واليابان – من التمدد الصيني؛ ولكن في الفترة الأخيرة، تراجع الوضع في تايوان حيث لم يصبح دور الولايات المتحدة الرسمي جلياً بل أصبح فقط دعم غامض خفي، وهذا ما جعل المحللين يرجحون فكرة انسحاب واشنطن يعني فتح الطريق أمام الصين.

والسؤال هنا: كيف للولايات المتحدة أن تلتزم بحماية كوريا واليابان إذا تخلت عن تايوان؟

من المنظور الواقعي، إذا تخلّت الولايات المتحدة عن تايوان، فهي ستحتاج أن تقدم ضمانات لحلفائها على انها ستستمر في الدفاع عنهم، من ناحية. من ناحية أخرى، تحتاج الصين إلى النهوض عسكرياً ولكن بشكل هادئ وصامت حتى لا تثير الجدل ولكي تكون لها قدرة على مفاجئة الولايات المتحدة بجيش ضخم قادر على ردعها وقادر على ضم الدول الآسيوية.

2. تحليل البُنية السياسية للنظام الصيني

إن الحزب الشيوعي الصيني هو الحزب السياسي المؤسس والحاكم في الصين الحديثة، والمعروف رسمياً بإسم جمهورية الصين الشعبية. لقد حافظ الحزب الشيوعي الصيني على احتكار سياسي منذ تأسيسه قبل قرن من الزمان، حيث أشرف على النمو الاقتصادي السريع في البلاد وصعد كقوة عالمية، مستلهماً الأصول وهيكل السلطة من الثورة البولشيفية الروسية.

وتأسس الحزب الشيوعي الصيني العام 1921 على مبادئ الماركسية – اللينينية، حيث اندلعت التوترات بين الحزب الشيوعي والقومي الكومينتانغ، منافسه الأول، إلى حرب أهلية فاز بها الشيوعيون العام 1949. على الرغم من إصلاحات السوق في أواخر سبعينيات القرن العشرين، إلا أن الدولة الصينية الحديثة لا تزال تشكل نظاماً لينينياً، مثل تلك التي شهدتها كوبا وكوريا الشمالية ولاوس.

حاول المؤلف في هذا الجزء من الكتاب أن يوضح دور الحزب الشيوعي في حركية الحرب الهادئة، وأكد على أن النظام الحالي لم يعد شيوعياً على المستوى الإيديولوجي، فهو يعمل على تحقيق مصالح الدولة والسيطرة على الانقسامات السياسية الداخلية العميقة بين “فصيل الأمراء وأصحاب الكفاءات” الذين صنعوا لنفسهم مكانة في هذا النظام الهجين الذي خلق مكان النخبتين.

ففي الجزء الثاني من الكتاب، اعتمد المؤلف على سرد مجموعة من الوقائع العميقة التي حدثت في الصين وتخص الشخصيات السياسية والأمنية بداية بوينج ليون، رئيس الشرطة، وبو كيلاي ونيل هايود، وأكد أن هذه الأحداث التي سردها ليست اعتباطية بل لها أهمية في استيعاب كيفية ادارة المسؤولين الصينيين لبلادهم وكيفية مواجهة الأزمات داخلياً والأبتعاد عن خروج صدى فساد المؤسسات الصينية إلى الخارج.

وبو كيلاي هو إبن أحد أهم الوجوه البارزة في الحزب الحاكم، بدأت رحلة صعوده إلى السلطة عبر الاستعانة بإسم أبيه ولكن لم يكتفِ بهذا حيث عمل بشكل كثيف بداية من منصب نائب مدير منطقة داليان للتطوير الصناعي ثم محافظ ثم أمين الحزب فيها. وفي سنوات حكمه، تحولت المنطقة إلى مكان يحتذى به، وازدهرت كثيراً حيث استطاع أن يصنع مزيجاً من “الرأسمالية والحس الشعبي” مع بعض الدعاية، وأصبح شخصية سياسية مشهورة والكل وثق على أنه يستطيع تحقيق الكثير من الأمور وجاءت لحظة استبعاده من طرف رئيس الشرطة الذي عينه بنفسه وانج ليون بسبب تورط زوجة بو بعملية قتل.

تسارعت الأحداث ومع تدخل الولايات المتحدة وانتشار الفضائح في الحزب الحاكم الصيني، وصل الأمر إلى حد الحكم بالإعدام على زوجة بو، واستبعاده من الحزب بعد ظهور مجموعة من تهم الفساد الموجهة ضده. هذه الواقعة لها مجموعة دلالات أبرزها أن كبار المسؤولين الصينيين متورطين في قضايا فساد كثيرة وأغلبها يتم تغطيتها ولا تنتشر في وسائل الاعلام، وأن الحصانة القانونية في الصين لا تتوقف عند المسؤولين فقط بل حتى عائلاتهم حيث يتم التلاعب بالقانون في كثير من الأحيان من أجل تجنب المعاقبة.

هذا ما حصل مع بو وزوجته حيث أن لكلاهما ثقل سياسي في الحزب الحاكم، وأيضاً لهما خلفية عائلية عميقة في الصين وحاولو استغلالها للهروب من العقوبة، ولكن هذه المرة كان الوضع أصعب حيث لا يمكن الهروب بسهولة من العقاب؛ فبالنسبة للحزب الحاكم وللصينيين، إن سقوط بو يعتبر انتصاراً لمعركة محاربة الفساد الحقيقية.

يعتقد الكثير من الناس أن نظام الحكم في الصين دكتاتوري؛ ولكن إذا ما نظرنا إلى طريقة تداول السلطة، فسنجده مختلف نوعاً ما، حيث لا توجد في النُظم الدكتاتورية عمليات انتقال للسلطة منظمة ومخطط لها، بل أن أصحاب السلطة يفضلون البقاء على كرسي الحكم مدى الحياة، ويسعون جاهدين ليورثوه لأبنائهم. ولكن في الصين، نجد نوع من التدوال على الحكم حيث في كل مرة تستقيل القيادة في الحزب طواعية لتترك الفرصة أمام قيادة من الشباب، ويكون الصعود إلى السلطة تسلسلياً عن طريق مجموعة من الشروط البيروقراطية؛ وعلى الرغم أن المحسوبية والخلفية الأسرية لها أثر على التعيين، إلا أنها لا تختلف بشكل كبير عن عملية التداول السياسي على السلطة في بقية الدول.

أما فيما يخص الحزب الحاكم، فيبدوا للمراقبين من الخارج أنه متجانس ومتفق في كل شيء، لكن الحقيقة أنه يعاني من انقسامات أبرزها:
• المحافظين (اليسار) لديهم سعي للحفاظ على التقاليد الشيوعية، ويتخوفون من إطلاق حرية ابداء الرأي والاصلاحات السوقية الواسعة ويؤمنون بالتدرج في انجاح أية ثروة. نشأ مفهوم اليسار الجديد في الصين أواخر التسعينيات؛ وبعد فشل الحركات الليبرالية في الثمانينيات، بدأ العلماء والشخصيات الإعلامية بتبني موقف أكثر انتقاداً تجاه التسويق وعواقبه الاجتماعية وعدم المساواة الاقتصادية بين الساحل والمناطق النائية، والمناطق الحضرية والريفية، والأغنياء والفقراء. كما يهتم اليسار الصيني الجديد بقضايا عدم المساواة الاجتماعية في البلاد، ويعتقد بعض المراقبين أنه على الرغم من أن الحركة لم تنضج بعد، فمن المحتمل أن تترسخ في المجتمع الصيني خلال القرن المقبل.
• اليمين: هم اتجاه مختلف يتحركون باتجاه نظرية “السوق”، ويؤمنون أن التغيير والتخلي عن التقاليد سيؤدي الى النجاح والتطور، يدعمون بشكل أكبر حرية ابداء الرأي. ولا يقف الاختلاف بين اليسار واليمين على هذا فقط، بل هناك اختلافات أخرى حول سُبل التغيير الأفضل في الصين. ولكن الحزب يتمتع بنوع من المرونة في التعامل مع وجهات النظر المتضاربة، وإن تدوير السلطة ساهم في إحداث نظام ثابت و مستقر نوعاً ما.

تسعى الصين إلى تقديم رؤية جديدة لحل أزماتها والبروز كقوة عالمية بعيدة عن الديمقراطية، فهي ليست في طريقها للتحول نحو الديمقراطية لأان من شأن هذا التحول أن يضع امتيازات الحزب الشيوعي تحت التهديد ويحتمل أن يقضي عليها وهذا ما لا تريده الصين.

3. تداعيات الحرب الهادئة على مستقبل العلاقات الدولية

في سباق التنافس العالمي، تسعى كل من الصين والولايات المتحدة إلى تشكيل تحالفات حيث تشمل “الحرب الهادئة” الحصول على حلفاء والحفاظ عليهم، وتعلم الصين أن أعظم ميزة تمكنها من بناء تحالفات هي تعزيز الروابط الاقتصادية الموجودة.

من هنا، يمكن القول بإن التحالفات كانت سمة دائمة للحرب والصراع منذ آلاف السنين، حيث تسمح الترتيبات العسكرية المتعددة الأطراف غير المحددة للدول بتجميع قدراتها والتعاون في مواجهة التحديات الأمنية المشتركة، حيث ارتبط بناء تحالفات بالخوف من عدو مشترك، فتحالفت الدول الغربية – وعلى رأسها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا – مع الاتحاد السوفياتي خلال الحرب العالمية الثانية كانت بدافع الخوف من العدو النازي. أما تحالف الولايات المتحدة مع دول المعسكر الغربي كانت خوفاً من المد الشيوعي الشرقي، وفي الطرف الآخر تحالفت الدول تحت إطار المعسكر الشرقي خوفاً من الليبرالية والديمقراطية الغربية.

حالياً، يزعم المحللون إن الصين وروسيا تتحديان القوة والنفوذ والمصالح الأميركية، في محاولة لتقويض الأمن والرخاء الأميركيين. فهما عازمتين على جعل الاقتصادات أقل حرية وأقل عدالة، وعلى نمو قواتهما العسكرية، والتحكم في المعلومات والبيانات لقمع مجتمعاتهما وتوسيع نفوذهما. وفي الوقت نفسه، إن كلاً من كوريا الشعبية الديمقراطية والجمهورية الإسلامية في إيران مصممتان على “زعزعة الاستقرار في المناطق، وتهديد الأمريكيين وحلفائنا، مما يجعلنا نعتبر هذه الدول متحالفة في قطر واحد شرقي ضد العدو المشترك (الولايات المتحدة الأمريكية).”

بالإضافة إلى ذلك، إن برغماتية الصين تمنحها أفضلية أخرى، ويمكن رؤية هذا بوضوح في إفريقيا. فعلى عكس الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيين، لا توجد لدى بكين شروط تلزم بها الحلفاء لجهة حقوق الإنسان أو تغيير النظام السياسي، فهي لا تهتم بنوع النظام السياسي ولا بالشؤون الداخلية للدولة.

هنا، يطرح الكاتب فكرة أخرى مهمة أنه خلال الأعوام القادمة – ومع تزايد الاختلاف والفجوة بين الصين والولايات المتحدة – سنجد “شغفاً أكبر” للصعود من طرف الصين؛ في نفس الوقت، مقاومة النزول من طرف الولايات وهذا ما سيزيد من احتمالية الخلاف بين الطرفين الذي يمكن أن يصل إلى صراع حقيقي، وإلا أن العامل الاقتصادي سيكون له دور كبير حيث سيخفف من تداعيات هذا الصراع ولكن لن ينهيه.

في الواقع، لقد تغير موقع الصين بشكل كبير في المجتمع الدولي، فإنتقلت من مرتبة الدولة الضعيفة التي تواجه صعوبات في التعامل مع القوانين الدولية ومع العقوبات الاقتصادية إلى دولة أكثر مرونة وقوة لا تهتم بقوانين حقوق الإنسان ولا بالعقوبات الإقتصادية، بل أصبحت تستعمل هذه الأدوات ضد القوى الأخرى دفاعاً عن مصالحها ولتحقيق أهدافها.

ويؤكد نوح فلدمان أن ما يميز كتابه عن الدراسات الأخرى في هذا المجال أنه أكد على نقطة السلام كحل منطقي الأطراف العاقلة في كلى الجانبين ستتجنب الصراع عن طريق التصرف بحكمة، وأن هذا الكتاب لم يأتِ ليوضح لنا احتمالية وقوع صدام أو نتائجه، بل جاء ليوضح لنا أن المكاسب الاقتصادية لكل من الصين والولايات المتحدة خلال فترة تعاونهم وفي ظل وجود علاقة منفعية غريبة ولكن مفيدة، وأن التحكّم في “الحرب الهادئة” أو تجنبها لا يقتصر على الطبقة الحاكمة فقط بل حتى على النخب السياسية التي لها دور كبير في كلتا الدولتين، وتوجههم من الممكن أن يحدد طبيعة العلاقة مستقبلاً.

في العلاقات الدولية، من الجيد أن نرحب بالتناقضات في المصالح والأهداف ما دام هناك قدر معين من التعاون والتوافق، فالصين دولة ذات نظام شمولي ولا تنوي التوجه نحو الديمقراطية، بينما الولايات المتحدة نظام ديمقراطي شرس يدعم الديمقراطية داخلياً و خارجياً، فهي تعتبر أن حقوق الانسان قضية محورية وأساس الفكر الليبرالي الغربي على عكس الصين، التي لا تهتم أبداً بحقوق الانسان ولا تضعها ضمن أجندتها السياسية لا داخلياً ولا خارجياً بل تعتبرها خط يهدد نظامها.

أخيراً، يؤكد فلدمان أن كون الدول متناقضة في الأفكار لا يعني بالضرورة وصولهم إلى مرحلة الصدام العنيف، وفي نفس الوقت ليس مطلوب منهم أيضاً أن يتوافقوا أو يتعانوا بشكل عميق؛ فالسلام أمر منطقي قد تنقسم الولايات المتحدة والصين بالثقافة السياسية والمعتقد، لكنهما أيضا مرتبطان معاً بالمصلحة الذاتية المتبادلة. إن “الحرب الهادئة” ستجعل من قضية التعاون التنافسي السبيل الوحيد للمضي قدماً والذي يمكن له أن يحافظ على السلام ويجعل الفائزين من كلا الجانبين.

المراجع:

1. نوح فلدمان. 2016. الحرب الهادئةتكوين للدراسات والأبحاث.
2. نظام الحكم في الصين. بي.بي.سي عربية. على الرابط التالي:
https://www.bbc.com/arabic/specials/1733_china_ruled
3. أنظر:
Baijia Zhang /Understanding changes in Sino-U.S. relations from a historical perspective/ China International Strategy Review2 pages 1–13 (2020)/ springer link / Published: 05 August 2020
4. أنظر:
Kathleen J. McInnis / The Competitive Advantages and Risks of Alliances / heritage / Oct 30, 2019
https://www.heritage.org/military-strength/topical-essays/the-competitive-advantages-and-risks-alliances

عنوان الكتاب باللغة الإنجليزية: Cool War: The Future of Global Competition
المؤلف: نوح فلدمان
المترجم: هشام سمير
إسم دار النشر: تكوين للدراسات والأبحاث.
سنة النشر: النسخة الاصلية 2013 / النسخة المترجمة 2016.
عدد الصفحات: 226.

مصدر الصور: NPR – فورين أفيرز – مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية.

موضوع ذا صلة: القمة الأمريكية – الصينية: تبريد للملفات الساخنة؟!

شروق مستور

طالبة ماجستير علاقات دولية تخصص دراسات أمنية وإستراتيجية – الجزائر.