سمر رضوان*

توقعات العام الجديد 2019، أن يكون عام حسم الكثير من الملفات العالقة، وتسوية الأزمات المحتدمة خاصة في منطقة المشرق، في ضوء قرارات دولية ذات وقع كبير، كالإنسحاب الأمريكي من سوريا، على الرغم مما يلفه من غموض، لكن المرجح أن يكون بداية لمرحلة جديدة قد تحمل مفاجآت سلبية أو العكس.

يأتي الإعلان الأمريكي عن الإنسحاب من سوريا بعد تصريحات رسمية تفيد بأنه تم القضاء على “داعش”، كتنظيم إرهابي، وبالتالي المهمة في سوريا قد أنجزت ولكن من دون ذكر أو خوض في التفاصيل.

خيارات “قسد”

بدا هذا الأمر وكأنه ضوء أخضر من واشنطن لأنقرة لجهة السرعة في تحقيق مكتسبات عديدة في الشمال والشرق السوريين، بعدما تُرِك الكرد لوحدهم، يواجهون نتيجة اعتمادهم على الأمريكي، وهم الذين لا يريدون تسليم مناطق نفوذهم للدولة السورية؛ وفي الوقت ذاته، يتخوفون من اقتراب المعركة مع تركيا التي قد تبدد حلمهم الذي راهنوا عليه طيلة ثمان سنوات من عمر الحرب، فباتوا بين فكي كماشة، وأفضل الحلول بالنسبة لهم مؤلمة، إذ لم يحصدوا سوى الخيبة والفشل.

ومع ورود معلومات عن أن الدولة السورية قد أعدت عدتها لإستعادة المناطق المسيطر عليها أمريكياً، بعد إتمام الانسحاب، تتصدر مدينة منبج باكورة هذه العمليات، يقابلها تعزيزات تركية غير مسبوقة، في ريف حلب الشمالي، استعداداً، كما يبدو، لعملية عسكرية بإتجاه المدينة التي تسيطر عليها “وحدات حماية الشعب الكردية”، حيث أكدت مصادر متقاطعة أن قوات “قسد” قد تلجأ للتعاون مع الدولة السورية لقطع الطريق أمام الجيش التركي، والفصائل المعارضة المنضوية تحت إمرته، في مسعى الهدف منه كسب أفضل النتائج الممكنة.

خلاف أمريكي – تركي؟!

من الواضح بأن التحركات التركية مفهومة بالنسبة للولايات المتحدة وروسيا وإيران، حيث يقول الدكتور عمرو الديب، المتخصص بشؤون الشرق الأوسط – روسيا، حول هذه النقطة، في تصريح خاص لمركز “سيتا”، إن تلك القوى تلتمس العذر للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في احتلال الشمالين السوري والعراقي بسبب المسألة الكردية. ففي الفترة القادمة، سيسيطر الأتراك على مناطق منبج، فإستراتيجية أنقرة تجاه الكرد تتمحور في ثلاث مراحل:

أولاً: السيطرة على مدن الباب ودابق والراعي في سعي لعدم اتصال جناحي الكرد في منبج وعفرين.

ثانياً: السيطرة على مناطق عفرين.

ثالثاً: السيطرة على مناطق منبج بعد خروج الأمريكيين منها، وبالتالي ستدخل القوات التركية لمناطق منبج.

من هنا، الجيش السوري هو الوحيد الذي يملك حق الإعتراض على الإحتلال التركي في الشمال، إذ يجب على القيادة السورية فعل كل ما تستطيع لطرد القوات التركية، حيث لن يكتب مستقبل سياسي سوري مع وجود قوات أجنبية على أراضيها.

ومن المعلوم أن مدينة منبج، غرب نهر الفرات، شكلت خلافاً بين الجانبين التركي والأمريكي، بزعم أن واشنطن لم تلتزم بالإتفاق المبرم مع أنقرة، في 4 يونيو/حزيران العام 2018، حيث كان من المفترض أن تنهي وجود الوحدات الكردية في المدينة؛ إذ وقفت الولايات المتحدة في وجه أنقرة لأكثر من مرة، ومنعتها من التقدم في محيط المدينة للقضاء على “الخطر” الكردي.

الآن، هناك حالة من الترقب حول ماذا ينتظر منبج. هل سيبرم الجانب الكردي صفقة ما مع الجانب السوري الرسمي ويسلمه المدينة؟ أم سيختار المواجهة مع التركي، كما حدث في عفرين وخسر المدينة والجانب السوري معاً؟

يبدو أن التوقعات ما تزال غامضة حتى الآن، لكن الأقرب إلى المنطق هو العودة إلى الكنف السوري بعدما تيقن الكرد من أنهم ليسوا أكثر من “كبش فداء”، لتجنب معركة نتائجها محسومة لصالح الجانب التركي؛ وبذلك، ينحسم هذا الملف بخروج المكون الكردي، بشقيه السياسي والعسكري، من معادلة الصراع على استحواذ مناطق حيوية سبق وأن راهن عليها بعد أن منح ثقته للأمريكي.

غير أن هناك أمر مهم يكمن في أن القوات الأمريكية، التي أُعلن عن انسحابها، لا تزال موجودة في منبج، حيث لا تزال تركيا تنتظر الإشارة من حليفها الأطلسي للتحرك والتقدم بإتجاه الخطوة التالية.

 

الصراع على منبج

“إن وصول القطعات العسكرية التركية إلى محيط مدينة منبج يدلل على أن هذه المنطقة ستشهد صراعاً متعدد القوى للسيطرة عليها، في ظل إصرار من قبل المعارضة المسلحة للإستحواذ عليها بأي ثمن، الأمر الذي قد يفتح النار من جبهات عدة ما لم تتبلور تفاهمات سياسية جديدة، تحسم هذا الملف، بدلاً من مواجهة عسكرية مفتوحة الإحتمالات.

في هذا الخصوص، يرى الدكتور فراس شبول، المحلل والخبير العسكري السوري، أنه إذا ما نظرنا إلى الأطراف التي تطلب وستطلب منها أمريكا “ملء الفراغ”، في سوريا بعد خروجها، فسنجدها أطرافاً تركية وكردية ومن لف لفيفهما، مع محاولات ضغط أمريكي- تركي في شمال العراق، نجد أن هذا الاختيار ليس عبثي وتلك الأطراف هي متصارعة وصراع قديم فكيف سيتم تلاقيها على الأرض السورية إلا لتقول امريكا إن تلك الفوضى بسبب انسحابها وننتظر ما هو أسوأ من ذلك بكثير وهذا ما نتوقعه من تحضير لتلك المنطقة في غياب العقل الكردي وحلمهم بالاستقلال كمحاولة استقلال كردستان العراق عن الوطن الأم، وتمرد الرئيس أردوغان”.

ويرى الدكتور شبول أن الإعلان التركي عن معركة وشيكة، قد يقود إلى انتقال عسكرة أردوغان من شرق الفرات إلى نهر الساجور، قرب جرابلس، وأجزاء من منبج لملاقاة الكرد، الأعداء الحقيقيون له، واجتماع الإثنين على العداء للدولة السورية.

إستعدادات للمعركة

في إطار الإستعداد لهذه العملية، تفيد مصادر عسكرية من “الجيش الحر” أن فصائل “الجيش الوطني” بدأت بإرسال أسماء مقاتليها، الذين سيشاركون في العمليات العسكرية، إلى تركيا، مشيرة إلى رفع مستوى جاهزية الفصائل في مجمل مناطق “درع الفرات”، إضافة إلى تكثيف عمليات الإستطلاع من جانب “الجيش الوطني” والجيش التركي على طول الحدود السورية – التركية، المحاذية لمناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد”.

كما قالت مصادر محلية إن منطقة منبج، خصوصاً، تشهد تحليقاً متواصلاً للطيران التركي، فيما تستمر التعزيزات العسكرية التركية بالوصول إلى المناطق الحدودية؛ ولم يقتصر الأمر على ذلك، فأنقرة تقوم بتغطية الحدث إعلامياً عبر دعوة وسائل الإعلام العالمية للمشاركة بهذه التغطية وإعطائها أذونات دخول إلى منطقة العمليات عند انطلاقتها.

الأهداف التركية

تتجه أنظار المراقبين والمتابعين، اليوم، إلى المناطق الحدودية التركية – السورية خصوصاً بعد أيام من اجتماع مجموعة العمل التركية – الأميركية حول سوريا، والتي كان من مهامها الحديث عن الإتفاق الأميركي – التركي حول منبج ومستقبل مناطق شرق الفرات. لكن إعلان الرئيس التركي إطلاق المعركة يشي بأن هناك خلافات كبيرة وكثيرة مع الأمريكيين حيال تلك المنطقة ومستقبلها، الأمر الذي يدل على أن هناك أهدافاً لأنقرة من وراء ذلك، وأبرزها:

أولاً: ان العملية العسكرية تأتي في إطار رفع سقف التفاوض حول الدور التركي في سوريا.

ثانياً: الإنتخابات التركية المحلية المقبلة وتطوراتها.

ثالثاً: مصير الإتفاقات الجديدة مع أميركا والمساحات المستهدفة في العملية، فهناك حالة ترقب لعملية توقيتها مجهول، لكنها قادمة لا محالة.

في الخلاصة، يبدو أن تركيا تريد استباق كل الخطوات الأميركية لفرض أمر واقع يصعب الرجوع عنه، كما حصل في شمال العراق.

*المدير التنفيذي في مركز سيتا

مصدر الصور: وكالة الأناضول – عربي برس.