يان فان زيبروك*

منذ الإعداد لـ “الربيع الأفريقي”، الذي نظمه الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري في أغسطس/آب 2014 لإستمالة الأنظمة الأفريقية التي تدور في المحور الأمريكي، كان رئيس الكونغو السابق، جوزيف كابيلا، تحت المجهر، على الرغم من أربع محاولات لإحداث “ثورة ملونة”. فلقد وقف بوجه العقوبات الأمريكية، المفروضة بالتواطؤ مع الإتحاد الأوروبي، التي استهدفت عدة شخصيات مقربة من الرئيس، ما دفعه إلى إجراء انتخابات رئاسية ونيابية، في 30 ديسمبر/كانون الأول 2018.

في وقت سابق، اتخذ كابيلا خطوات لم تكن تصب في المصالح الغربية منها إقرار قانون جديد للتعدين (الذي أقر في أوائل العام 2018)، حيث أجبر عدداً من الشركات، وأهمها شركة “غلينكور” المتعددة الجنسيات، على دفع ضرائب جديدة على عمليات استخراج المعادن. هذا القانون جاء بمثابة استعادة للحقوق الدولة في ثرواتها، كما أمن مبالغ ضخمة أمنت إجراء الإنتخابات، حيث قدرت بحوالي 1.25 مليار دولار.

بالتالي، تم تنظيم هذه الإنتخابات من قبل الشعب الكونغولي بعيداً عن مساعدة “الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية – USAID” أو الإتحاد الأوروبي. فإذا قامتا هاتان بالإنفاق عليها عادة ما يقومان بإرسال “مراقبين” لهما، ويحددان معايير وآليات انتخاب خاصة، وبالتالي سيكون الرئيس المنتخب تحت السيطرة. ولكن ما حدث، هو قيام الرئيس كابيلا “بسحب البسط” من تحتهما بتمويل الدولة للعملية الإنتخابية، كما أنه لم يدعو أياً من المراقبين التابعين لهما واكتفى بدعوة آخرين من الإتحاد الإفريقي. هذا الإجراء المتخذ من قبله، ترك تداعيات سلبية على العديد من الدول، مثل فرنسا والولايات المتحدة وبلجيكا، التي سنتحدث عنها فيما بعد.

فمنذ العام 2014، كان كابيلا الرجل الذي سبب “الأذى” لواشنطن من خلال سياسته بالتقرب إلى كل من روسيا والصين وكوريا الشمالية. لفهم أكثر للرهانات الغربية على هذه الإنتخابات مع البدء بقيام “حرب باردة” جديدة بين محور روسيا – الصين في مقابل الإمبرياليين الغربيين، فإن الكونغو يعتبر محوراً “جيو – سياسي” نظراً لموقعه في القارة السمراء، فـ “من يسيطر على الكونغو يمتلك أفريقيا” نظراً لغناها بثروات ضخمة تفوق فيها على جيرانها ومثيلاتها الأفريقية، كبوروندي ورواندا ومنطقة البحيرات الكبرى.

مرشحو الإنتخابات

لعبت الولايات المتحدة دوراً مركزياً في زعزعة استقرار الكونغو، حيث ضغطت على المحكمة الجنائية الدولية لإطلاق سراح جان بيير بيمبا، أحد نواب الرئيس الأربعة في الحكومة الإنتقالية والمسجون لديها بحكم يصل إلى 20 عاماً بتهمة الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية.

إضافة إلى ذلك، ظهر مرشحان آخران وهما موسي كاتومبي، رجل الأعمال الغني المدعوم فرنسياً، وفيليكس تشيلومبو تشيسيكيدي، “المستوطن البلجيكي” وابن ايتيان تشيسيكيدي، الذي كان مقرباً من الرئيس الكونغولي الأسبق، موبوتو سيسي سيكو، لمدة 20 عاماً قبل أن يصبح خصمه السياسي. بعد وفاته، بذلت عائلة تشيسيكيدي كل ما في وسعها لإبقاء رفاته في بلجيكا في قاعة الجنازة التابعة لبلدية أوكلي، والواقعة في العاصمة بروكسل، وهو ما أفقده المعركة السياسية ضد كابيلا.

واجه المرشحان بيمبا وكاتومبي عقبات قانونية تمثلت في تهم بإرتكاب جرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية. إضافة إلى ذلك، تمت مقاضاة كاتومبي بسبب محاولة انقلاب، بالتعاون مع بعض المرتزقة، وتهم أخرى، كالإحتيال والتزوير، حيث قامت الحكومة البلجيكية بمصادرة أحد جوازات سفره المزورة.

لذلك، نظمت الولايات المتحدة، في جنيف مع شركة “غلينكور” المتعددة الجنسيات، طاولة مستديرة جمعت مختلف التيارات السياسية من أجل إيصال مرشح واحد وهو مارتن فيولو، إذ أن عشيرة تشيسيكيدي لم تتقبل الأمر.

طلب التأجيل: إرهاب وشغب

قبل أسابيع من إجرائها، طالبت أحزاب المعارضة تأجيل الانتخابات، إذ طالب بعضها بإشراف “القبعات الزرق” على العملية، وكل ذلك من أجل إخفاء فسادهم المدعوم من بعض الحكومات الغربية. بالتزامن مع ذلك، وقعت أحداث عنف مأساوية، وهذا أمر مقلق جداً بسبب وجود 3 تيارات سياسية متعايشة فيما بينها، ولكل تيار منطقة يسيطر عليها. أهم تلك الأحداث وقعت في مدينة كيكويت، حيث قتل 16 شخصاً بينهم 4 من ضباط الشرطة في مقاطعة فيولو، والثاني في كيسانغاني حيث اضطر الجيش للتدخل في أعقاب محاولة اغتيال أحد المسؤولين المحليين من “المفوضية الوطنية المستقلة للانتخابات – CENI”، كما تم استهداف وتدمير بعض المستودعات التي تتواجد فيها ماكينات الإقتراع الإلكترونية وهو ما شكل هاجساً لدى المسؤولين من أن تخلف هذه العمليات هلعاً وفوضى تعيق العملية الإنتخابية.

الإنتخابات والنتائج

أعلنت المفوضية الوطنية المستقلة للإنتخابات فوز حزب الرئيس كابيلا في المجالس التشريعية الإقليمية وهذا يعني أن أغلبيته بقيت كما هي، خصوصاً وأن النظام السياسي في الكونغو يشبه إلى حد كبير النظام الموجود في الولايات المتحدة لجهة اختيار الرئيس.

بمجرد الإعلان عن نتائج انتخابات المجلس الوطني الإنتقالي، بدأت أصوات المعارضة تعلو، بتشجيع من الأساقفة الكونغوليين، حتى وصل الأمر إلى الدفع بعدم قانونية العملية الإنتخابية. وكان أول المشككين، بالطبع، فرنسا وبلجيكا، حيث طلبت الأخيرة، وهي العضو غير الدائم في مجلس الأمن، بمعاودة فرز الأصوات، وهو الأمر الذي رفضته كل من روسيا والصين اللتان هددتا بإستخدام حق النقض “الفيتو”.

هنا، ظهرت تهديدات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بإرسال عدد من الوحدات الخاصة الموجودة في الغابون إلى الكونغو في حال وقوع أعمال شغب فيها، وهو ما يمكن اعتباره محاولة متعمدة لتقديم تعهدات للإرهابيين ومثيري الشغب من عشيرة “فيولو”.

الأمم المتحدة: أحد عوامل اللا إستقرار

فيما سبق، طالبت حكومة الرئيس كابيلا من قوات “القبعات الزرق” المتواجدة على الحدود بالإنسحاب، التي تم إدخالها إلى المنطقة بقرار من الأمم المتحدة تحت غطاء “الممر الإنساني”، لتكون قادرة على تعقب الميليشيات المسلحة التي أنتجتها الصراعات في البلدان المتحاذية معها. فهذه الميليشيات قد تستطيع إدخال الأسلحة والأمتعة العسكرية إلى داخل الدولة، وهذا يعني السماح لها بترويع السكان في أي وقت.

بالعودة إلى التاريخ الأفريقي قليلاً، إن قوات حفظ السلام كانت أحد عناصر زعزعة الإستقرار، فتواجد تلك القوات في 3 أو 4 مناطق حدودية لم يمنع تلك الميليشيات من الترويع أو القتل لكنها منعت السلطة المركزية من استعادة السيطرة على حدودها والقضاء على هؤلاء الإرهابيين.

وبعد مواقفه التي اتخذها لمواجهة الهجمات الإرهابية، تعرض كابيلا لحملة ضخمة من قبل المنظمات غير الحكومية الغربية التي تأتي كات تشير في تقاريرها وجود اتنهاكات لحقوق الإنسان، وأن الرئيس لم يعد يمثل الشعب، مما دفعه إلى تعيين خلف له وهو إيمانويل رامزاني شادري.

الدور السلبي لبلجيكا والفاتيكان

يعود لبلجيكا الحنين إلى أيام حكم الملك ليوبولد الثاني، أول رموز الدكتاتورية الأوروبية في حينه. فلقد كان من أوائل الأوروبيين، قبل أودولف هتلر حتى، الذين أنشؤا معسكرات اعتقال في منطقة جنوب أفريقيا، والكونغو بالتحديد، حيث مارس أبشع أنواع التعذيب بالسكان، مثل بتر اليدين والقدمين أو التقييد بالسلاسل الحديدية. هذا وتقدر الدراسات التارخية مقتل أكثر من 9 مليون شخص كونغولي. من الواضح أن بلجيكا وشبكاتها، من الأحزاب الليبرالية، استعادت “الحنين” للسيطرة على الكونغو مجدداً.

إضافة إلى ذلك، لعب الفاتيكان دورا مهماً من خلال حملات التبشير، التي جابت معظم البلاد، تمخض عنها سيطرة كاملة على الكونغوليين، لا سيما بعد أن أصبح دولة، بموجب اتفاقية لاتران 1929، على أرض إيطالية يحرسها جنود سويسريون.

أما ما تجدر الإشارة له هنا، أن الأساقفة الكونغوليون التابعين للفاتيكان تحت اسم “المؤتمر الأسقفي الوطني للكونغو – CENCO”، ليسوا أساقفة للكونغوليين بل هم في خدمة مصالح الفاتيكان فقط، وأحد أعداء للرئيس كابيلا، ويشكلون أداة ضغط قوية من خلال تدخلاتهم في الشؤون السياسية، من باب رفض الرئيس اتباع مذهب الكثلكة البلجيكية، إلى حد استخدام تابعيهم لإشاعة الفوضى في البلاد.

في مقابل ذلك وما بين العامين 1920 و1930، قام الكونغوليون بإنشاء كنيسة مسيحية مخصصة للأفارقة أطلق عليها اسم “كنيسة كيمبانغو”، نسبة إلى سيمون كيمبانغو الذي سجن وعذب بتهمة الفتنة إلى حد أطلق عليه السكان لقب “النبي الأسود”، حيث يبلغ عدد تابعيها حوالي 30 مليون شخص، بما في ذلك الرئيس كابيلا وعائلته، وشكلت نواة الحركة المناهضة للإستعمار في الخمسينات من القرن الماضي. وهذا ما قد يبرر أيضاً الهجمة الغربية على الرئيس كابيلا.

ختاماً، لقد أظهر جوزيف كابيلا أنه كان رجلاً استراتيجياً كبيراً، تمكن من تنجب 4 محاولات للإطاحة به تحت شعار “الثورات الملونة”، كما أظهرت نتائج الإنتخابات الأخيرة أنه لا يزال يشكل ثقلاً عند الكونغوليين. وانتهت معركة كابيلا مع الغربيين بنتيجة 5 لكابيلا وصفر للغرب.

*باحث في مركز “سيتا”

مصدر الصور: lalibre.be – رويترز – المنار.