إعداد: مركز سيتا
لا يزال فيروس “كورونا” المستجد يعبث بالإقتصاد العالمي حتى أصابه بالشلل، فقد عرقل الإنتاج والإمداد والنقل الجوي عبر العالم، وأضعف الطلب العالمي، وعزل دولاً ووضعها تحت الحجر الصحي، وأخرى تحت حظر التجول، وأصاب قطاعات المال والطيران والنقل والسياحة بخسائر فادحة.
فعلى ما يبدو هناك توقعات بتراجع النمو في الصين وحدوث انكماش في اليابان وركود في فرنسا، وإغلاق للمناطق الصناعية في شمال إيطاليا، وخفض طارئ لأسعار الفائدة إلى حدود الصفر في بريطانيا والولايات المتحدة رغم ضخ سيولة هائلة لإنقاذ القطاعي المالي ودعم الإقتصاد فيها وفي منطقة اليورو.
القاتل الصامت
إن الإقتصاد العالمي مقبل على تراجع إن لم يكن انكماشاً حاداً، والتوقعات الأولية تشير إلى انخفاض النمو بحدود 0.9-0.5% إلى 1.5% هذا العام، 2020، وقد يصل إلى أدنى مستوى له منذ الأزمة المالية العالمية، العام 2008، بحسب منظمة التعاون. أيضاً، وقد يشهد العالم أسوأ أزمة اقتصادية منذ “الكساد الكبير”، في ثلاثينيات القرن الماضي، بحيث تعتمد هذه الإحتمالات على مدى الإنتشار الزماني والمكاني للفيروس، وعمق الأزمة التي سيتسبب فيها، ومتى تضع الحرب معه أوزارها.
إلى ذلك، من الواضح بأنه كلما طال أمد الصراع ضد الجائحة العالمية، كلما أدى ذلك إلى ارتفاع حالات الإفلاس بين الشركات والبطالة في المجتمعات، وستكون الفئات الأضعف وذوو الدخل الأقل هم الأكثر عرضة، وستكون هناك تبعات اجتماعية كبيرة وضغوط هائلة على الحكومات لتعزيز الإستقرار الإقتصادي والإجتماعي من خلال برامج الإنقاذ والدعم المختلفة وخفض الضرائب.
ستتأثر مداخيل تلك الحكومات بسبب شلل الإقتصاد المحلي والعالمي وسيشكل “كورونا”، مع انهيار أسعار النفط بسبب حرب الأسعار السعودية وروسيا، أثراً سلبياً مزدوجاً على دول الشرق الأوسط، وتحدياً كبيراً للدول التي تعاني من هشاشة أوضاعها الإقتصادية والإجتماعية بالأساس.
إنتكاسة إقتصادية
كانت معظم التوقعات الإقتصادية لعام 2020 تتنبأ بسنة من النمو الثابت إن لم يكن بالنمو المتزايد، فقد شهد تحديث توقعات صندوق النقد الدولي لشهر يناير/كانون الثاني ارتفاعاً في النمو من 2.9% في العام 2019 إلى 3.3% في العام 2020، وكانت هناك أسباب كثيرة تدعو للتفاؤل منها الإتفاق على المرحلة الأولى من التبادل التجاري بين الصين والولايات المتحدة، وخفض تأثير خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي.
جاء تفشي الوباء ليسبب صدمة كبيرة للإقتصاد العالمي، فقد خفضت منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية توقعاتها لنمو 2020 إلى النصف، من 2.9% إلى 1.5%، في حين ذكرت صحيفة “فورين أفيرز” أنه قبل الوباء كانت العديد من الإقتصادات الكبرى، بما في ذلك ألمانيا وإيطاليا واليابان، غير مجهزة بالفعل للتعامل مع حتى الصدمات الخارجية الصغيرة. فالإجراءات التي اتخذتها الدول لمكافحة تفشي المرض، مثل إغلاق الحدود والعزلة والحجر الصحي، مهمة لإنقاذ الناس لكنها ستجعل الأمور أسوأ بالنسبة للإقتصاد، وأنها ستغلق القطاعات الإنتاجية واحدة تلو الآخرى.
أزمة طويلة الأمد
لن يكون من السهل إعادة تشغيل اقتصاد عالمي حديث مترابط بعد انتهاء الأزمة، إذ أن تعافيه سيبدأ عندما يستطيع مسؤولو الصحة التأكيد بأنه تم احتواء الفيروس، وأن الحصانة من المرض الذي يسببه قد زادت؛ فالتعافي لن يكون فورياً بل سيكون سريعاً.
ومع دراسة النتائج التي خلفتها الأزمة المالية العالمية لعام 2008 والتي إلى ظهور الوضع الجديد للإقتصاد المتمثل في استمرار النمو المتدهور والإستقرار المالي المصطنع، فمن الممكن أن تغير أزمة “كورونا” الأوضاع الإقتصادية العالمية حيث أنها قد تسرع في عملية إزالة العولمة، وإلغاء التقارب وإعادة تعريف الإنتاج والإستهلاك في جميع أنحاء العالم.
الصين مثالاً
أعطت الصين مثالاً واضحاً على كيفية إضرار الفيروس بالإقتصاد المحلي ومنه العالمي، فهي صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم، بنسبة 17% من حجم الاقتصاد الكلي، وهي أكبر مصدر للبضائع بحيث يطلق عليها تسمية “مصنع العالم” إذ تمده بثلث احتياجاته من المنتجات الصناعية، كما أنها تعتبر أكبر مستورد للنفط في العالم، وتشكل مصدراً كبيراً للطلب على السياحة العالمية.
لذلك، عندما أصيب الإقتصاد الصيني بالشلل تأثر العالم ككل؛ وإذا ما طال أمد الأزمة، فإن ذلك سيساهم في ارتفاع تكاليف الإمداد والإنتاج العالمي، وسيسهم بالتالي في تباطؤ نسب نمو الإقتصاد العالي لكون الكثير من شركات التصنيع العالمية تعتمد على سلاسل إمداد من الصين.
إن الصدمة التي سببها فيروس “كورونا” للإقتصاد الصيني أضعفت الطلب العالمي على النفط، حيث تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن ينخفض سعره إلى أدنى مستوى له في عشرة أعوام، ومن الممكن تغيير هذه التوقعات إلى ما هو أسوأ من ذلك.
خطط الإنقاذ
دفع “كورونا” العديد من الحكومات حول العالم إلى التدخل ببرامج إنقاذ ودعم ضخمة للقطاعات الإقتصادية والإجتماعية المتضررة لتعزيز الإستقرار الاقتصادي والاجتماعي، ودعم النمو لتحاشي الدخول في انكماش اقتصادي عميق. فهناك خطط وبرامج دعم وتحفيز نقدي لدعم القطاع المالي واللوجستي والإمداد والنقل لمواجهة ارتفاع معدلات البطالة والتضخم في مناطق مختلفة من العالم، كالإتحاد الأوروبي وبريطانيا والشرق الأوسط.
وفِي الولايات المتحدة، أقرت خطة دعم بقيمة 2 تريليون دولار، حيث بلغت طلبات العاطلين عن عمل مستويات تاريخية، إذ عكست هذه التدخلات قلق الحكومات من زعزعة “كورونا” للإستقرار الاقتصادي والاجتماعي فيها.
أخيراً، وبحسب شبكة “بلومبيرغ” الأميركية، فإن المؤشرات الحالية ترجح استمرار الأزمة الحالية طيلة العام الحالي،2020، كما أنها ستمتد أيضاً إلى العام المقبل، 2021، إلا أن الأمل يبقى متوقفاً على الإسراع بإكتشاف علاج يساهم في كبح جماح إنتشار الوباء، ريثما يحقق اللقاح المرتجى نتائجه المطلوبة. حتى ذلك الوقت، هناك مسؤوليات ودور على الحكومات لجهة دعم المؤسسات الصغيرة، والعمل “أونلاين”، ووضع خطط وقائية جديدة، كتحديد جداول دوام للعمال والمساهمين في دوران عجلات إقتصاد البلاد لحين السيطرة على هذه الجائحة.
مصدر الأخبار: سيتا + وكلات.
مصدر الصور: bitcoinist – سبوتنيك.
موضوع ذا صلة: فيروس “كورونا”: سلاح فتاك يقوّض الإقتصاد الصيني