إعداد: يارا انبيعة
في زيارة ينظر إليها على أنها محاولة لتخفيف التوتر بين البلدين العضوين في حلف شمال الأطلسي – الناتو، وصل رئيس الوزراء اليوناني، ألكسيس تسيبراس، إلى تركيا في رحلة تهدف إلى تحسين العلاقات التي شابها قرنين من التوترات بسبب نزاعات على الأراضي، والطاقة، والتوترات في بحر إيجه، ومسألة قبرص، وتدفق اللاجئين.
تأتي زيارة تسيبراس هذه بعد أيام قليلة من الذكرى الـ 23 لأزمة دبلوماسية خطيرة حدثت في العام 1996 كادت أن تؤدي إلى حرب بين الدولتين بسبب السيادة على جزر صخرية صغيرة تطلق عليها أنقرة تسمية “كارداك”، فيما تطلق عليها أثينا “إيميا”. وتأتي الزيارة أيضاً بعد 20 عاماً من بدء تقارب في العلاقات، في العام 1999، عندما سارعت اليونان إلى تقديم المساعدة لتركيا في أعقاب زلزال مدمر ضرب اسطنبول.
طروحات مختلفة
خلال الزيارة، يبدو أن الملفات المهمة تطرح نفسها بين الطرفين، لا سيما قضايا الهجرة والنزاعات الحدودية، إذ قال إبراهيم كالين، المتحدث بإسم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن “تسيبراس سوف يلتقي أيضا نائب الرئيس التركي فؤاد أوكتاي”. وفي مقابلة مع وكالة أنباء “الأناضول” التركية الرسمية، قال تسيبراس إنه يريد مواصلة الحوار الصعب لكن الصريح الذي بدأه مع الرئيس أردوغان، في إشارة إلى زيارة الأخير لأثينا في ديسمبر/كانون الأول 2017 والتي كانت الأولى التي يقوم بها رئيس دولة تركي لأثينا منذ 65 عاماً.
إلى ذلك، أشاد تسيبراس بتركيا لإستضافتها 4 ملايين لاجئ قائلاً إن هدف البلدين هو بناء علاقة تفيد كلا من شعبينا ومنطقتنا، فيما قال المتحدث بإسم الحكومة اليونانية، دميتريس تزاناكوبولوس “نمر في مرحلة صعبة في علاقاتنا مع تركيا، لهذا السبب يجب مواصلة النقاش”، مضيفاً “قد تساهم هذه الزيارة في تخفيف التوتر بين البلدين.”
في المقابل، قال الرئيس التركي إنه لا بد من تحديث “معاهدة لوزان” لعام 1923، التي حددت حدود تركيا مع جيرانها بعد الحرب العالمية الأولى، وتنظم مناطق السيادة المتنازع عليها بينهم في بحر إيجة، كما لا تزال قبرص، المقسمة إلى شطرين يوناني وتركي منذ العام 1974، نقطة شائكة بين البلدين إذ انتهت محاولة العام 2017 لإعادة توحيد الجزئين المختلفين من الجزيرة دون التوصل إلى اتفاق، حيث دعا الرئيس أردوغان آنذاك مراراً إلى تسليم ثمانية جنود فروا إلى اليونان في مروحية عسكرية بعد محاولة الإنقلاب الفاشلة، في يوليو/تموز 2016.
الغاز والنفط
في مقدمة الخلافات الرئيسية بين البلدين تأتي مسألة التنقيب عن النفط والغاز في جزيرة قبرص التي باتت تطمح لدور رئيسي في قطاع الطاقة، غير أن أنقرة ترى بأن تلك اكتشافات تحرم القبارصة الأتراك من الإنتفاع بتلك الموارد، وتطالب بتعليق العمليات الى حين التوصل لحل دائم للمشكلة القبرصية.
في هذا الشأن، قال ابراهيم كالين إن تركيا لن تسمح بـفرض أمر واقع في شرق المتوسط، بل ستدافع عن تقاسم “متساوٍ وعادل” للمصادر، مشيراً إلى أن “محاولات القبارصة اليونانيين خلق أمر واقع هي جهود عقيمة. لن تقبل بها تركيا.”
مشكلة اللاجئين
تشكل مسألة الهجرة موضوعاً ساخناً إضافياً، إذ تستضيف تركيا أكثر من 3.5 مليون لاجئ سوري، شكّل فرار الكثير منهم أزمة مع الإتحاد الأوروبي الذي عاد ووقع اتفاقية مع أنقرة، في مارس/آذار 2016 منع تدفق طالبي اللجوء من أراضيها مقابل تعويض مالي وإعادة استئناف مفاوضات خاصة بإنضمام تركيا إلى الإتحاد.
وبالرغم من الإتفاق، إلا أن مئات المهاجرين واللاجئين ما زالوا يصلون يومياً إلى الجزر اليونانية، إذ وصل عددهم إلى نحو خمسة آلاف شخص، بين سبتمبر/أيلول وديسمبر/كانون الأول 2018، ما يفاقم الضغط على مخيمات اللاجئين المكتظة. كما ارتفع أيضاً عدد الأشخاص العابرين للحدود البرية بين الدولتين بشكل كبير، من 5400 في 2017 إلى 14 الفاً، بحسب سلطات الهجرة اليونانية.
تبعات الإنقلاب
اصطدمت مساعي الرئيس أردوغان في ملاحقة معارضيه حول العالم لإرجاعهم إلى البلاد بالتحايل على القانون أو بالخطف، حيث رد تسيبراس بالتأكيد على أن بلاده “ستحترم القضاء”، إذ أشار بأن “المشتبه في تورطهم بالانقلاب غير مرحب بهم، لكن يجب احترام القضاء.”
وكان أردوغان قد طالب أثينا بأن تبدي “مزيداً من التعاون” في إعادة 8 جنود أتراك فروا إليها عبر مروحية إثر محاولة الإنقلاب التي تتهم أنقرة الداعية فتح الله غولن بالوقوف وراءها. وقال اردوغان “أثق في إمكانية حل جميع القضايا العالقة بين تركيا واليونان استناداً إلى حقوق الطرفين وعبر الوسائل السلمية”، مضيفاً “ناقشنا إطلاق رحلات بحرية لنقل الركاب والسلع بين أزمير وسلانيك، وإنشاء خط حديدي سريع بين اسطنبول وسلانيك، وتطوير معبر ايبسالا – كيبي الحدودي.” كما عبر أردوغان عن أمله في ألا تصبح اليونان ملاذاً آمناً لأعضاء تنظيمات إرهابية مثل تنظيم غولن، وحزب العمال الكردستاني.
من جانبه، قال رئيس الوزراء اليوناني إنه اتفق مع أردوغان بخصوص تعزيز التعاون الثنائي في القضايا الأمنية، مشيراً إلى “تطابق وجهات نظر اليونان مع تركيا بخصوص الحد من التوترات في بحر إيجة واتخاذ خطوات لزيادة الثقة، مضيفاً “لا نريد أن نكون أسرى للمشاكل في منطقتنا ونسعى لإيجاد حلول لها عبر الحوار. مرتاح جداً من بقاء قناة الإتصال مفتوحة مع الرئيس أردوغان ومن خلال ذلك يمكننا اتخاذ خطوات بناءة أكثر.”
زيارة غير مثمرة
يقول مدير مكتب أنقرة في “جيرمان مارشال فاند”، أوزغور أونلوهيساجيكلي، إن مواقف البلدين بعيدة جداً للتوصل إلى حلول ملموسة، والهدف هو “تقييم إذا كان هناك مساحة لحوار في المستقبل”.
من جانبه، يعتبر مدير مركز الدراسات الدولية والأوروبية في جامعة “قادر هاس” في اسطنبول، ديمتريوس تريانتافيلو، أنه وبالرغم من أن هذه المحادثات لن تفضي إلى أية نتيجة لكن وجود حوار هو أمر مهم، مضيفاً أن النتيجة الملموسة ستكون صورة تجمع رئيساً ورئيس وزراء مبتسمين، تعزز إرادتهما على الإبقاء على علاقات حسن الجوار.
مصدر الأخبار: وكالات.
مصدر الصور: رويترز.