إبراهيم ناصر*
في الأيام الماضية، تناقلت وكالات الأنباء العالمية خبر توقيع حركة طالبان الأفغانية مسودة إتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية لإنهاء حرب إستمرت لمدة 17 عاماً. وبموجب هذه التفاهم، ستنحسب القوات الأجنبية من أفغانستان في غضون 18 شهراً، بجانب ضمانات تقدمها طالبان بعدم استخدام تنظيمي “القاعدة” و”الدولة الإسلامية” لأفغانستان كقاعدة للإرهاب.
وعليه في هذا التحليل، سنقوم بإستقراء أهداف الولايات المتحدة الأمريكية من هذا الإتفاق، من خلال الإجابة على هذه الأسئلة: هل تسعى واشنطن لإعادة تأهيل حركة طالبان، والتي كانت تنعتها سابقاً بالإرهاب؟ أهي خطوة “إستباقية” لقطع الطريق أمام روسيا من التقرب من الحركة؟ أم خطوة تأتي في إطار إستراتيجية تحويط الصين بحلفاء يحدون من تحركاته الدولية؟
محاربة “العدو المشترك”
يعتبر هدف إنهاء إرهاب “داعش” و”القاعدة” في أفغانستان من الأهداف المعلنة لواشنطن، لأنه بالرغم من إنحسار نفوذ التنظيمين في كل من سوريا والعراق، إلا أنهما ما يزالان يحافظان على وجودهما في منطقة دول وسط آسيا.
وفي إطار حربها ضد التنظيمين، تحاول واشنطن إستغلال سطوة حركة طالبان على الساحة الأفغانية للقضاء عليهما مقابل تأهيل الحركة دولياً وإقليمياً، وكذلك محلياً، لأن الحركة متهمة بقتل عشرات الألاف من المواطنين الأفغان الأبرياء.
ولكن ما يثير الحيرة والإستغراب ويظهر عدم جدية واشنطن في حربها ضد الإرهاب، أن هناك تطورات جرت على الساحة الأفغانية، مؤخراً وحسب ما تواترته بعض الأوساط من أنباء، بأن صفقة غير معلنة عقدت بين واشنطن وحركة طالبان، وبموجب هذه الصفقة قدمت واشنطن فدية مقدارها 200 مليون دولار مقابل إطلاق الحركة سراح محمد أمين البشاوري، والمعروف بمحمد أمين الله والذي أصبح أغلب تلاميذه أمراء لداعش في ولاية خراسان.
وتأسيساً عليه، يمكننا القول بالرغم من إعلان واشنطن عن نيتها محاربة تنظيمي “داعش” و”القاعدة”، لكنها لا تريد تحقيق نصر يخدم المصالح الصينية والروسية في أفغانستان ومنطقة وسط آسيا. وحسب بعض التقارير الإستخبارتية، يخطط البنتاغون لحرب ضد هاتين القوتين في تلك المنطقة. فبضرب استقرار الصين، تخرج الأخيرة من دائرة أكبر الأخطار المهددة لأمن واشنطن القومي.
أمريكا وإعادة سناريو تفكيك الإتحاد السوفياتي
عندما خططت الولايات المتحدة الأمريكية لتفكيك الإتحاد السوفياتي، قامت بتجيش كل القوى المناهضة للشيوعية في العالم، حيث جمعت كل المحاربين من الكرة الأرضية، وهزمته شر هزيمة، مما عجل من إنهياره في أوائل تسعينيات القرن الماضي.
وبعد أن إعتبرت واشنطن بكين أكبر مهدد لأمنها القومي، وضعت خطة تضرب من خلالها الصين في العمق، كما وضحنا في أعلاه. فإطلاق حملة دعائية، تقوم بها الوسائل الإعلامية الأمريكية، تنشر من خلالها الفظائع التي يتركبها النظام الشيوعي الصيني ضد مسلمي الإيغور تدعم هذه القراءة.
إن السياسات القمعية والقيود الدينية التي تفرضها بكين على الأقليات المسلمة، مثل الأيغور في غربي الصين، دفعت بالمئات منهم إلى الالتحاق بتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، منذ العام 2014. من جانبها، تريد أمريكا توظيف الظلم الذي تتعرض له هذه الأقليات للتدخل في الشؤون الصينية، ما يأخذ الصراع الأمريكي – الصيني إلى بعد آخر.
داعش يتوعد وواشنطن تترقب
في العام 2017، أشارت معلومات وتقارير عالمية بالفعل إلى اتجاه بوصلة تنظيم “داعش” نحو الصين تحديداً، ودول جنوب شرقي آسيا واستراليا عموماً. ومع إصدار التنظيم تسجيل بعنوان “أولئك الصادقون”، باتت الصين الإسم الأبرز بين أهداف “الدولة” القادمة.
وحسب بعض الخبراء، إن التسجيل المصور الذي نشرته حسابات موالية للتنظيم تظهر فيه الأقلية الأيغورية “يعد أول تهديد من تنظيم داعش ضد الصين”، فـ “هذه المرة الأولى التي يعلن فيها متشددو الأيغور عن ولائهم لداعش.”
وبينما يتوعد التنظيم بكين بالقتل وسفك الدماء، تنتظر واشنطن الفرصة السانحة لتقديم الدعم للقوى الجهادية التي تعادي الصين، وخصوصاً تنظيمي “داعش” و”القاعدة” الإرهابيين؛ فمن خلال تقريب وجهات النظر مع حركة طالبان، تسعى واشنطن إلى قطع الطريق أمام الصين والقوى الأخرى المنافسة لها، كروسيا وإيران، من توسيع نفوذها في منطقة وسط آسيا والعالم بشكل عام.
وبالمجمل، إن المتغيرات الجارية على الساحة الأفغانية، من تفاهم أمريكي مع حركة طالبان إلى التحركات الإستخبارتية الأمريكية الكبيرة ضد القوى المنافسة لها في منطقة وسط آسيا وأفغانستان، تنبئ بإحتدام الصراع بين الكبار، إذ ستكون التنظيمات الإرهابية إحدى أدوات هذا الصراع.
*باحث في مركز أنقرة لدراسة الأزمات والسياسات – “أنكاسام”
مصدر الصور: تي.آر.تي عربية – وكالة مهر للأنباء.