إبراهيم ناصر*
منذ أن أختير آبي أحمد رئيساً لوزرائها، تتبع إثيوبيا سياسة خارجية تشكلت على أسس متنوعة تتسم بالتعددية، حيث تدعم مساعي تسوية النازعات الدولية والإقليمية بطرق سلمية، وتحترم مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، إذ تهدف بذلك إلى تحقيق موقع متميز لها على المستوين الدولي والإقليمي. ومن أجل ذلك، سخّرت سياستها الخارجية لتحسين الأوضاع الداخلية وتحسين صورتها في الخارج، واعتمدت في سبيل ذلك جملة من الإستراتيجيات والأدوات للوصول إلى تلك الأهداف حيث نجد فيها توظيفاً لـ “القوة الناعمة”، وبناء تحالفات دبلوماسية مع دول تختلف وتتعارض في المصالح.
وعلى الرغم من المعارضة الداخلية، انتخب أبي رئيساً لـ “الجبهة الديمقراطية الثورية” للشعب الإثيوبي، وبعدها أصبح رئيس وزراء جديد للبلاد. ومنذ ذلك اليوم، يقوم آبي بتغيرات جذرية في السياستين الداخلية والخارجية حيث نالت إجراءات التحرر الليبرالي إعجاب دولي وإقليمي وكذلك الداخل الإثيوبي على حد سواء معطياً وعوداً بتنظيم أول انتخابات حرة ونزيهة في العام 2020.
ومن أكثر الأمور شيوعاً، وأحيانًا الأكثر رواجاً، بين الباحثين والمحللين السياسين أن آبي أحمد شعبوي في قالب ناريندرا مودي، رئيس الوزراء الهندي، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهذا تشبيه يستحق التأمل.
إن المتابع للسياسية الخارجية التي يتبناها آبي أحمد في نسج علاقاته مع جميع القوى الإقليمية والدولية بصورة متزنة دون التأثر بحالة الإسقطاب “polarization” في منطقة القرن الإفريقي والقارة الإفريقية، وإتباعه لسياسة “صفر مشاكل” مع الجيران، المستوحاة من النموذج التركي خلال الفترة الماضية، دفع توم غاردنر بتسميته، في تحليل نشره بموقع “فورين بولسي”، بـ “أردوغان إفريقيا”.
ووفقاً لجان فيرنر مولر، أستاذ بجامعة برينستون، فأن الشعبوية هي شكل محدد من أشكال سياسات الهوية التي تتميز بالهجمات على المؤسسات الديمقراطية بإسم “الشعب”. وبالتالي، الشعوبية هي في الأساس أسلوب للسياسة يقف ضد عدو واحد وعادة ضد النخبة، أو في الشعوبية القومية بوجه المهاجرين. وغالباً ما يكون السياسي الشعبوي عدائياً ومثيراً للخلاف ومعادي للتعددية، ولأنه يمثل الأغلبية يحتقر حقوق الأقليات، وهذا التوصيف لا يتناسب مع سياسات آبي أحمد، لأسباب كثيرة، لا مجال لحصرها هنا.
وتأسيساً على ما تقدم، يجوز القول بأن سياسة آبي أحمد الخارجية تخلوا من أية نزعة شعبوية لأن إثيوبيا تعاني من مشاكل الإثنيات بالأصل، فضلاً عن النزاعات العرقية التي تندلع بين الحين والآخر. إن مسألة شعبوية سياسة آبي أحمد أمرغير صحيح فسياسة ليست محل إجماع لكل المكونات السياسية الإثيوبية.
من هنا، تسعى أديس أبابا إلى أن تصبح مركز الثقل في القارة الأفريقية، بشكل عام، وفي محيطها الإقليمي ومنطقة القرن الأفريقي، بشكل خاص. وهذا الطموح ارتبط بعدد من المحددات الداخلية والإقليمية والدولية التي أسهمت في صياغة السياسة الخارجية الإثيوبية منذ صعود ملس زيناوي، رئيس وزراء اسبق، إلى الحكم نهاية ثمانينيات القرن الماضي. وعقب وفاة زيناوي، سارت حكومة هايلي مريام ديسالين، رئيس وزراء اسبق، على نهجه.
ومنذ تسلم آبي لمقاليد الحكم، تحاول السياسة الإثيوبية قلب المعادلة الإقليمية التقليدية في شرق أفريقيا. وعليه لا يجوز إعتبار السياسة الخارجية الإثيوبية في ظل التغيرات الخارجية ذات نزعة شعبوية، بل هي سياسة خارجية تحركها رغبات جيو – سياسية.
*متخصص في الشؤون الإفريقية وباحث في مركز أنقرة لدراسة الأزمات والسياسات – “أنكاسام”
مصدر الصورة: الشرق الأوسط.