ابراهيم شير*

 

 

منذ اندلاع ما بات يعرف بالربيع العربي أخذت التيارات الراديكالية التي ترتدي عباءة الإسلام راية هذا الحراك وبات يوم الجمعة هو منبر هذه المظاهرات ودخلت الشعارات الدينية هي المحرك الأول لها. وجدت هذه الحركات نفسها الأبَ الشرعي لهذا الحراك واعتبرت أنه قد حان الوقت لتنتقم أو تصفّي حساباتها مع الأنظمة العربية وذلك بحسب أدبيات هذه التيارات الراديكالية.

بعد انقشاع الغبار عن أحداث الربيع العربي واتضاح الصورة لدى العامة بات هناك شارعان الأول مؤيد للحركات الرديكالية التي تتبنى العمل المسلح كوسيلة لتحقيق أهدافها السياسية والتي تحولت بمعظمها إلى العمل العسكري حيث أن أغلبها كان يمتلك مشروعا مسلحا ولكن في السر، وشارع آخر إلى جانب الدول أو الحكومات كسلطة تؤمن بنوع من التعددية الفكرية والدينية والإثنية والقومية. ولكن بين الموقفين هناك شريحة مهمة في المجتمع وهي غير المهتمة بالشأن السياسي ومتدينة تديناً وسطيا معتدلا وهذه الفئة تمثل أكثر من 50 بالمئة من الشارع في مختلف الدول وبعيدة عن السياسة.

المشكلة التي واجهت العالم ولتكن سوريا مثال عنها، حيث أن الشارع المؤيد للدولة آمن وصدق أن الطرف الآخر يمثل التوجه الديني وبدأ يهاجمه ولكن دون أن يشعر أكد على أنه لا يمثل الإسلام أبدا بل يمثل نفسه وأفكاره الإرهابية المتطرفة. ومع الوقت بدأنا نسمع مطالبات بمنع الحجاب وإلغاء المواد الدينية بالمدارس ومنع الصلاة جهرا وأمور كثيرة طالب بها إعلاميون ومثقفون وقعوا ضحية الدين الخرافي وبنوا كل شيء عليه واعتبروه أنه الدين الإسلامي الصحيح وهم ضده، والدين الخرافي هو الدين الذي يقوم على الجبرية في العقيدة، والشكلية في العبادة، والسلبية في الأخلاق، والجمود في الفكر، والنفاق في السياسة، وهو الدين الذي يعلم الناس التواكل وإهمال الحياة والسنن الكونية.

وعندما بنى هؤلاء المثقفون نظرتهم عن الدين لما سبق، اعتبروا أن الدين هو شيء متخلف إرهابي وعبء على المجتمع ويجب التخلص منه، وربما نسوا أن الدين الصحيح هو عقيدة جوهرها التوحيد، وروحها الإخلاص، وأخلاقها الخير، وعملا الاتقان، وشريعة روحها العدل، وحضارة روحها التوازن والتكامل. فإذا نظرنا إلى الدين بهذه الطريقة سنكسب الفئة المهمة بالمجتمع وهي التي لا رأي سياسيا واضحا لها، إضافة إلى أنه قد نكسب الطرف المعارض لنا لأنه في ذلك الوقت سنكون قد احترمنا أفكار الدين الأساسية وعملنا على تنقيتها من الشوائب التي زرعها الفكر الراديكالي لأنه وجد فيها مساحة للحياة.

التاريخ يشكل مصدرا مهما لفهم الدين ويعكس تعريفا لمفهومه وخصائصه ودوره، إلا أنه في نفس الوقت يضم أحداثاً تكشف عن كيفية تحريفه وتزييفه وتبديل قيمه ورسالته. والجماعات الراديكالية وجدت ببعض مفاصل التاريخ مساحة عيش مهمة، لأنه منذ اكثر من 7 قرون بات العقل العربي مكوَّن وليس مكوِّن، وعندما يهرب أصحاب الفكر المنحرف دينيا إلى التاريخ فهم يريدون أن يجدوا انجازات يتباهون بها أمام التطور الغربي إضافة إلى طاقةِ أمل لهم.

للأسف هناك من يعتبر أن العلمانية هي ضد الدين ومنافسة له، ولكن من ينظر إلى سوريا وخصوصا منذ بداية الألفية الثانية ومع بداية حكم الرئيس بشار الأسد، يرى أن العلمانية والدين كانا يكملان بعضهما البعض، وكان هناك عملية فكرية كبيرة، ولكن الفكر الديني المتطرف هو الذي وقف بوجه هذه العملية وأراد قتلها. لذلك يجب علينا أن نصحح الأخطاء في الفكر العلماني والديني ونعيد بناء مجتمع صحيح بعيد عن التطرف لهذا الفكر أو ذاك.

الدين كالطريق أو الصراط والعقل كالمصباح والدلالة على الطريق وباتحادهما يتطور الإنسان ويظهر جوهره، ولكن يجب أن يخرج فكر ديني حديث ناقد للأفكار الخاطئة والمغلوطة ولابد أن تتبناه مرجعية دينية ذات ثقل مهم حتى نستطيع النهوض، وخصوصا دمشق التي كانت ولاتزال منارة علمية ودينية في العالم العربي والإسلامي والمؤسسات الدينية فيها ليست أقل من الأزهر في القاهرة.

كاتب وإعلامي سوري*

 

مصدر الصور: موقع أس بي أس