إعداد: يارا انبيعة
لم تقتصر العقوبات الإقتصادية الأميركية ضد إيران على صادراتها النفطية الهائلة لكنها تعدتها إلى قطاعات إنتاجية أخرى، كالسجاد والفستق والزعفران والكافيار. فهذه المنتجات تعتبر من الأفضل عالمياً في السوق بين مثيلاتها، والرقم الصعب في استيرادات الولايات المتحدة منها، فلا تزال إيران الأولى في العالم في مجال إنتاج أهم مكونين اقتصاديين كالزعفران والكافيار.
قيمة تاريخية
لقد وجد الزعفران سبيلاً له في السجادات الحريرية الإيرانية في مختلف العصور السالفة، وذاع صيتها في شتى بقاع المعمورة ونالت شهرة عالمية حيث استخدم الفنانون الإيرانيون لون الزعفران بإعتباره لوناً طبيعياً ذا ثبات في حياكة السجاد إلى جانب ألوان طبيعية أخرى. كما اعتمد عليه الخطاطون كمبحرة قيمة قوية في كتابة وتحرير المخطوطات إذ كان بعض الملوك والسلاطين، ممن يعتقدون باليُمْن والبركة التي يحظى بها، يصدرون مراسمهم الملكية والقوانين والقرارات المهمة مكتوبة بالزعفران. بالإضافة إلى ذلك، فقد كان هناك إعتقاد شعبي مترسخ في أذهان عدد كبير من الناس فيما يخص الإستفادة منه في كتابة الأدعية والإبتهالات على الجلود والأقمشة المختلفة.
الذهب الأحمر
الزعفران الإيراني أو “الذهب الأحمر”، كما يطلق عليه، هو من أغلى التوابل والأكثر طلباً في العالم، وتعتبر إيران الدولة الأكثر إنتاجاً له بلا منازع. ويعود تقليد زراعة الزعفران إلى أكثر من ثلاثة آلاف عام، وتعد زهرته رمزاً يتوارثه الإيرانيون من حيث زراعتها أو العناية بها. وتتصدر إيران قمة الدول الأكثر إنتاجاً بما يزيد عن نسبة 90%، أي حوالي 250 طن سنوياً على مستوى دول العالم.
أما عن الإيرادات السنوية، فيتوقع نائب وزير الجهاد الزراعي لشؤون المحاصيل النباتية، ناصر توكلي، أن تصدر إيران، في العام 2019، 135 طناً من الزعفران عالي الجودة حيث سيدر عليها نحو 400 مليون دولار من العملة الاجنبية. وتابع توكلي قائلاً “إن إيران صدرت 122 طناً من الزعفران إلى دول العالم في العام المنصرم (2018) وبلغت قيمته 366 مليون دولار”، مضيفاً “أن الدخل الايراني من تصدير الزعفران زاد بنسبة 13% من حيث كمية التصدير مقارنة بالعامين الماضيين كما زادت قيمة هذه الصادرات بنسبة 10%.”
بالنسبة إلى زراعته، تبقى جذور عشبة الزعفران بين 5 و7 سنوات في الأرض، وتتحمل البرودة حتى 18 درجة تحت الصفر، وتتفتح الأزهار كل سنة بين 15 إلى 25 يوم في فصل الخريف، إذ لا بد من قطف الزهرة خلال ثلاثة أو أربعة أيام من تفتحها، وذلك قبل طلوع الشمس بسبب حساسيتها للحرارة. وللحصول على غرام واحد من الزعفران المجفف يتطلب قطف 150 زهرة تقريباً.
إلى ذلك تشتهر إيران بزراعة الزعفران النباتي المستخلص من الفصيلة السوسنية، وإن سعر الغرام الواحد من توابل الزعفران ذو الجودة العالية بـ 65 دولاراً، ما يمكن أن تفوق قيمته قيمة المعادن النفيسة كالذهب الأمر الذي يدر أرباحاً كبيرة بالنسبة لإيران ومصدراً مهماً من مصادر العملة الصعبة التي تدخل البلاد.
أما أحد أبرز الأسباب التي تجعل قيمة الزعفران مرتفعة جداً فتتمثل بطرق الحصاد التي تعتمد على العمالة اليدوية المكثفة حيث يتطلب جمع 500 غرام حوالي 200 ألف خيط من خيوط الزعفران الدقيقة التي تقطف يدوياً من حوالي 70 ألف زهرة. فالزعفران لا يقاس بالكيلو أو بالغرام ولا بالمليمتر أو الأمتار بل مثله كمثل الذهب يوزن بالمثقال لذا إستحق بجدارة لقب “الذهب الأحمر” داخل دولة إيران لأنه أغلى أنواع التوابل على الإطلاق.
وللزعفران الكثير من الفوائد كونه يشتمل على العديد من العناصر الغذائية المهمة للجسم مثل الكالسيوم، الحديد الفوسفور وغيرها، إضافة إلى أنه يحارب الاكتئاب، ومفيد لمرضى السكري وصحة القلب، ويحمي من السرطان، كما أنه مفيد للمخ والعين والضعف الجنسي.
صعوبات مستقبلية
منذ القدم، یفتقد قطاع إنتاج الزعفران في إيران للآليات الحديثة للتغليف والتعليب الفاخر، إذ يصدر مجمل إنتاج الزعفران كمواد خام إلى بعض الدول التي تتولى تغليفه بـشكل جذاب وتصدره إلى مختلف الدول بإسمها وبأسعار باهظة. فلقد نقلت بعض وسائل الإعلام بأن 77% من الزعفران يصدر إلى ثلاث دول هي إسبانيا والإمارات وهونغ كونغ ليباع الزعفران الإيراني، مثلاً، تحت علامة تجارية إسبانية بأسعار مرتفعة وتغليفة جذابة.
في شق آخر، يعبر الكثير من مزارعي الزعفران عن قلقهم من مستقبلهم بسبب المشاكل التي يعانونها، إذ تهدد العوامل الطبيعية، كالتغير المناخي للأرض والصقیع والجفاف المتوالي مع ارتفاع درجات الحرارة، المستقبل الزراعي لهذه العشبة الثمينة رغم تحملها للجفاف، حيث لا تحتاج للري سوى خمس إلى سبع مرات في السنة.
أما التهديد الحقيقي لهذه الزراعة فيكمن في تهريب جذور الزعفران من إيران وزرعها في أفغانستان المجاورة لخراسان مما أسهم في ازدهار زراعتها في أفغانستان بمعدلات إنتاج عالية، بمساعدة شركات هولندية، وذلك بحسب ما صرح به رئيس لجنة الزراعة بغرفة التجارة في طهران كاوه زركران.
أيضاً وبسبب المشاكل السياسية، ارتفعت التعريفة الجمركية على استيراد الزعفران الإيراني من قبل العديد من الدول، حيث وصلت إلى 38% في الولايات المتحدة والسعودية والهند والصين. أجبر ذلك بعض التجار على إرسال الزعفران إلى أفغانستان وتصديره بإعتباره منتجاً أفغانياً لتجنب دفع الضريبة، بحسب تصريح رئيس اتحاد بائعي الزعفران في مشهد غلام رضا میري.
كما يواجه قطاع الزعفران في إيران مشاكل أخرى تتعلق بالنظام البنكي في البلاد، بسبب العقوبات الإقتصادية وعدم استقرار سعر الصرف المحلي وصعوبة التحويلات المالية، مما أدخل مستقبل هذا القطاع الثري في حالة من الغموض، إذ يناشد كثير من المزارعين الدولة لشراء مضمون لمحصول الزعفران بسبب قلة أرباحهم في عمليات البيع مقارنة مع التجار، إذ يبلغ سعر كيلو الزعفران بين 800 إلى 1300 دولار تقريباً في السوق المحلية الإيرانية، حسب النوعية والجودة.
اللؤلؤ الأسود
يعد الكافيار أحد أغلى الأطباق في العالم؛ ورغم أنه مصنوع من بيض السمك، فقد يجد البعض سعره المرتفع مبالغاً فيه إذ لا يدرك معظم المستهلكين السبب الحقيقي وراء ارتفاع سعره وذلك بحسب نوعه وجودته ونوعية الأسماك التي يستخرج منها.
فالأسماك النادرة التي تستغرق وقتًا طويلًا لتطوير البيض، مثل سمكة الحفش، يعتبر ما تنتجه من كافيار الأغلى، في حين الأسماك الشائعة التي تنتج البيض خلال مدة زمنية قصيرة وبشكل أكثر وفرة تنتج كافياراً أقل ثمناً. أضف إلى ذلك، أن طريقة استخراج الكافيار تزيد من ثمنه، فعملية استخراج البيض تحتاج إلى خبراء ورعاية متخصصة للحصول على نوع ناعم. هذه العمليات كفيلة بزيادة التكلفة عن باقي أصناف المأكولات البحرية، لكن العامل الأكثر تأثيراً بالسعر يبقى ندرة الأسماك التي يستخرج البيض منها.
وبسبب ندرتها، بدأت العديد من الجهات المنتجة للكافيار بتربية أسماك الحفش في مزارع خاصة لتوفير احتياجات المستهلكين، ما انعكس على أسعار الكافيار بسبب التكاليف الباهظة لتربيته في المزارع السمكية، والعناية الخاصة للكافيار خلال تجهيزه.
أما من حيث شكل الإنتاج، فإن الكافيار، الأندر والأغلى في العالم، هو عبارة عن مبايض أو بطارخ بعض الأنواع من أسماك الحفش التي تعيش في بحر قزوين بوفرة قبالة الشواطئ الإيرانية حيث تعتبر طهران من أكثر الدول وأشهرها انتاجاً ومحافظةً لهذه الثروة الطبيعية، فهي تنتج وحدها كمية تعادل الكمية التي تنتجها جميع الدول المطلة على بحر قزوين الذي توفر بيئته 90% من الكافيار المنتج في العالم.
ولإنقاذ سمك الحفش، تقوم إيران بالعمل على عملية استزراع صغار هذه الأسماك بصورة متصلة في مرائب خاصة، حيث يعود هذا المشروع إلى العام 1997، وقد بدأ بقرابة ألف فرخ يزن الواحد منها عشرين غراماً تم نقلها من بحر قزوين في صهاريج زودت مياهها بكميات إضافية من الأوكسجين. وقد بدأت التجربة في حوض مساحته خمسة آلاف متر مربع حفر في أرض صحراوية بيضاء على بعد 100 كلم من مدينة “يزد”، التي تمتد بين اثنتين من صحاري الهضبة الإيرانية وأطلق عليها اسم “ماهي كافيار” أي سمك الكافيار، حيث يعمل فريق من الإخصائيين على الطريق المؤدية إلى مدينة “بافغ”، على بعد حوالي 100 كلم جنوب شرق يزد، على تكييف أفراخ الحفش مع المياه المالحة في الصحراء ومع المناخ الجاف والحار غير المناسب في هذه المنطقة.
مردود كبير
ترتفع صادرات الكافيار الإيراني إلى مستويات كبيرة من 750 كيلوغراماً إلى 1700 كيلوغراماً، حيث يصدر الكافيار إلى دول الغربية والأوروبية بمقدار 60% (مثل: ألمانيا وبريطانيا وأفغانستان وبلجيكا وكوريا الجنوبية واليابان والنرويج)، كما أن لبعض الدول العربية دور مهم في زيادة صادرات أيران منه من الكافيار إذ إن دولة الإمارات العربية المتحدة وحدها زادت وارداتها من الكافيار 40% في سنتين فقط.
إضافة إلى ذلك، ارتفعت قيمة الكافيار الإيراني المصدر ضعفين، من 700 ألف دولار إلى 1.7 مليون دولار والخطوة التالية هي الوصول إلى 2 مليون دولار، حيث تصل قيمة الكيلوغرام الواحد منه إلى 5000 دولار. أما “الكافيار الماس”، الذي هو عبارة عن بويضات ذات لون ذهبي يميل إلى البياض، فإن سعر الكيلوغرام الواحد منه يقدر بحوالي 25 ألف يورو.
في هذا المجال، بدأت بعض الدول بإقامة مشاريع لتربية سمك الحفش لمنافسة إيران، وروسيا أيضاً. ففي العام 2016، انتشرت زراعة سمك الحفش في دول مثل سويسرا وصولاً إلى فيتنام والولايات المتحدة والإمارات والسعودية. وقال فيليب شوفان، رئيس سلسلة كومتوا دو كافيار نقلاً عن بيانات لرابطة مستوردي الكافيار الدولية، إن الإنتاج العالمي، الذي لم يزد على 100 طن قبل نحو خمس سنوات، أصبح أكثر من 250 طناً، ومن المنتظر أن يبلغ 500 طن بحلول 2020.
في الختام، يمكننا القول إن التطور التكنولوجي الكبير في الزراعة والإنتاج المائي ساهم في انخفاض طفيف على أسعار كافيار أسماك الحفش مع تطور وسائل تربيته وازدهار إعداده في المزارع، لكن ذلك لا يعني أن الكافيار أصبح في متناول الجميع، فأسعاره لا تزال باهظة مقارنة مع أسعار المأكولات البحرية الأخرى.
مصدر الأخبار: وكالات.
مصدر الصور: Brussels Diplomatic – IFP News – وكالة مهر.