إعداد: يارا انبيعة
بعد إعلان الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، عدم ترشحه لولاية رئاسية خامسة وإرجاء الإنتخابات، التي كانت مقررة في 18 إبريل/نيسان 2019 إلى أجل غير محدد، بدأ القلق المتزايد يساور العديد من الأوساط الدولية لا سيما الأوروبية منها نظراً لوجود العديد من الروابط المشتركة بين الطرفين، سواء لجهة الإقتصاد أو وقف الهجرة غير الشرعية أو مكافحة الإرهاب.
إمدادات الغاز
بدأت الهزات الإرتدادية، التي خلفها حراك الشارع الجزائري، تصل إلى الضفة الشمالية من البحر الأبيض المتوسط حيث أبدت بعض عواصم الجنوب الأوروبي، بالتحديد، قلقها من تأثير إنسداد الأفق السياسي التي تشهدها البلاد على إمدادات الطاقة لكونها أحد الممونين الرئيسيين لها بالغاز الطبيعي، فيما تسعى هذه الأخيرة لإرسال تطمينات لزبائنها.
أولى المخاوف جاءت من باريس، التي لا تزال تلتزم الصمت رسمياً حيال تطور الأوضاع في الجزائر، إذ كشفت مجلة “لو نوفيل أوبسرفاتور” الفرنسية، ضمن عددها الصادر في 28 فبراير/شباط 2019، على لسان مسؤول في قصر الإليزيه أن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، جد قلق مما تعيشه الجزائر لعدة أسباب منها احتمال تضرر جنوب فرنسا خاصة، من اضطرابات في إمدادات الغاز.
إضافة إلى فرنسا، تعد إسبانيا ثاني بلد أوروبي مستفيد من الغاز إذ أنها بدأت تبدي مخاوفها من احتمال انفلات الأوضاع الأمنية في الجزائر وتأثير ذلك على تدفق الغاز إليها، إذ كشفت عدة صحف، في مقدمتها “الباييس” ضمن عددها الصادر في 2 مارس/آذار 2019، عن وجود مخاوف لدى السلطات الإسبانية من تضرر العلاقات التجارية والإقتصادية والطاقة بين البلدين في حال سقوط البلاد في مستنقع الفوضى، أو التغيير المفاجئ للنظام، فالجزائر تعد ثالث مستورد من إسبانيا وأول ممون للدولة الأوروبية بالغاز الطبيعي.
لكن صحيفة “الموندو” الإسبانية، ضمن عددها الصادر في 4 مارس/آذار 2019، نقلت عن فرانسيسكو ريناس، رئيس الشركة الإسبانية لتوزيع الغاز – “ناتوريجي” قوله إنه لا خطر على إمدادات الغاز القادمة من الجزائر إلى إسبانيا عبر الأنابيب، وقال ريناس “مهما سيحدث بشأن الرئاسيات في الجزائر، فإن عقد توريد الغاز من طرف المجمع الوطني للبترول والغاز سوناطراك سيستمر الالتزام ببنوده.” كما أشار إلى أن إمدادات الغاز الجزائري غطت نحو 51.3% من الحاجات الإسبانية خلال العام 2018، منها 47% عبر خط أنابيب الغاز “ميد غاز” المغاربي الذي يمر عبر المغرب وصولاً إلى إسبانيا، والبقية عبارة عن كميات من الغاز الطبيعي المسال، علماً أن “سوناطراك” تحوز على 4% من أسهم شركة “ناتوريجي” الإسبانية ولها عائدات من تسويق الغاز في الشبكة الداخلية الإسبانية.
كما كتب الممثل السامي للسياسة والأمن الأوروبي السابق، خافيير سولانا، مقالاً طويلاً نشر في المواقع الغربية، 4 مارس/آذار 2019، حول ما تعيشه الجزائر واحتمال تضرر دول جنوب القارة الأوروبية من تطور الأحداث قائلاً “الجزائر بلد جد مهم لفرنسا وإسبانيا وحتى إيطاليا، فهي على بعد 130 كيلومتراً عن مدينة ألميريا جنوب شرق إسبانيا على البحر المتوسط، والأهم أن هذه البلدان الثلاثة لديها تبعية في الغاز للجزائر”، وتعتبر الجزائر من أهم مموني القارة الأوروبية بالغاز الطبيعي، إذ تستورد القارة العجوز قرابة 30% من حاجاتها من الغاز من الجزائر عبر ثلاثة أنابيب.
وحسب بيانات رسمية، تحوز إيطاليا أكبر حصة من الغاز الجزائري بنحو 60%، تليها إسبانيا بنحو 20%، وفرنسا 12%، ثم البرتغال 7%، وسلوفينيا 1%. ووسط توالي المخاوف الغربية من مستقبل إمدادت الغاز نحو الجنوب الأوروبي، تسعى السلطات الجزائرية إلى طمأنة الدول المستوردة، وخاصة أنه لم يمض سوى أشهر معدودة على تجديد أغلب العقود، لا سيما إسبانيا وفرنسا.
وقال مصطفى بنحمودة، المسؤول في شركة “سوناطراك”، إن بلاده تلتزم بإحترام كل ما جاء في العقود المبرمة مع شركائها وزبائنها، مضيفاً أنه لا خوف على تدفق الغاز، وأوضح بنحمودة “الحقول تقع في الجنوب الجزائري، وهي مؤمنة جيداً من حيث الإنتاج والظروف الأمنية، كما أن مصافي التكرير في الشمال، التي تعد آخر محطة قبل وصول الغاز إلى أوروبا، مؤمنة أيضاً وتقع خارج المناطق السكنية وتسهر الشركة على حمايتها جيداً”، كما أشار إلى أن إنتاج الجزائر يصل إلى 135 مليار متر مكعب سنوياً، وأن الحكومة تسعى إلى زيادته، العام 2019، بعد دخول الحقول الجديدة حيز الإستغلال.
تجدر الإشار هنا أنه وفي العام 2018، خاضت الجزائر العديد من المفاوضات لتجديد عقود بيع الغاز لبلدان جنوب أوروبا، وكانت أولى العقود التي جرى تجديدها تلك المرتبطة بإسبانيا، حيث قامت شركة “سوناطراك”، بتوقيع اتفاقيات مع مجمع “غاز ناتورال فينوزا” لتجديد عقود بيع وشراء الغاز الطبيعي ستمتد من العام 2019 لغاية العام 2030 بقيمة تقارب 30 مليار يورو، كما جددت الجزائر عقود التموين مع فرنسا لغاية العام 2025، ومع إيطاليا عبر اتفاق يمتد حتى العام 2026.
الهجرة والديموغرافيا
تعد الهجرة غير الشرعية من الأمور التي تخشاها أوروبا إذ أن أي اضطراب في الجزائر سيؤثر مباشرة على تدفق المهاجرين غير النظاميين إليها سواء من الجزائر نفسها، التي تحصي أكثر من 42 مليون نسمة، أو من الدول الأفريقية الأخرى، إذ تتشدد الجزائر في منعهم من الوصول إلى الضفة الأخرى من البحر المتوسط، وتعيدهم إلى بلدانهم وفق اتفاقيات ثنائية.
في هذا الخصوص، يواجه الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، حيرة في التصرف حيال الحراك الشعبي في الجزائر، فبينما يحاول الحفاظ على خطى بلاده في دعم المسارات الديمقراطية، يصطدم بالمصالح الإقليمية والدولية المشتركة مع نظام الرئيس بوتفليقة، والتي تنبئ بسيناريوهات ربما تبدو مرعبة بالنسبة للجانب الفرنسي حال انهيار النظام في الجزائر.
ومن أخطر السيناريوهات التي تخشاها باريس تصاعد موجة الهجرة غير الشرعية إلى أراضيها، بما يهدد مصالحها المستقبلية وأمنها، حيث أن تدهور الأوضاع سيؤدي إلى انفلات موجات من الهجرة غير الشرعية بإتجاه أوروبا من جنوب البحر المتوسط إلى شماله عن طريق الجزائر. هذا ولم تخف الأطراف السياسية الفرنسية مخاوفها من الأمر حيث دعت مارين لوبان، الأمينة العامة لحزب “التجمع الوطني” وهو الإسم الجديد لحزب “الجبهة الوطنية” اليميني المتطرف، الحكومة الفرنسية إلى التوقف عن منح الجزائريين تأشيرات دخول لتدارك “تدفق أفواج المهاجرين” في حال ما تدهور الوضع في البلاد.
يأتي ذلك في وقت بدأت نسبة البطالة في الإنخفاض في مؤشر على بدء التحسن في نسب النمو، حيث سجل معدل البطالة تراجعاً مقداره 0.3 نقطة إلى 8.8% ممن هم في سن العمل في فرنسا بإستثناء جزيرة مايوت، في الربع الأخير من العام 2018، في أدنى مستوى له منذ العام 2009، حسب أرقام مؤقتة نشرها المعهد الوطني للإحصاء. فتدفق المهاجرين إليها سيكون له انعكاسات سلبية كبيرة وخطيرة على الإقتصاد، لا سيما مع موجات الإحتجاجات الأسبوعية وأشهرها حراك “السترات الصفراء”.
إضافة إلى ذلك، بدأت العديد من الأحزاب الأوروبية المتشددة تتخوف مما يعتبرونه بدء تغير في الديموغرافيا الأوروبية، حيث أنهم يخشون من أن يؤدي بقاء المهاجرين وتكاثر عددهم، في ظل تناقص عدد السكان الأصليين الذي تشهده القارة العجوز، إلى خلل في التوازن الديمغرافي وهو ما يشكل خطراً، بنظرهم، على البيئة الأوروبية خصوصاً لجهة الدين كون أغلب المهاجرين من المسلمين. هذا الأمر، أدى إلى صعود غير مسبوق للأحزاب اليمينية المتطرفة، حيث وصل حزب “البديل لأجل المانيا” اليميني، على سبيل المثال، إلى مجلس النواب – البوندستاغ لأول مرة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
في هذا الشأن أيضاً، تخشى العديد من الدول الأوروبية وقوع صدامات بين المهاجرين، يضاف إليهم المهاجرين الأوائل المجنسين أيضاً، وبين الأوروبيين حيث من الممكن أن تؤدي هذه الصدامات، في حال وقوعها، إلى فوضى عارمة داخل دول الإتحاد الأوروبي مما يصعِّب من قدرة الأجهزة الأمنية على انهائها أو حتى احتوائها.
تسلل الإرهابيين
في بدايات سبعينات القرن الماضي، قد بدأت تظهر في الجزائر مجموعات وجماعات إسلامية كثيرة متعددة، وأنه بداية العام 1988 انتقلت هذه المجموعات إلى العمل العلني، ومن بينها ثلاث مجموعات، هي جماعة “الإخوان الدوليين”، بقيادة الشيخ محفوظ نحناح، وجماعة “الإخوان المحليين” بقيادة عبد الله جاب الله، وجماعة “الطلبة” أتباع محمد بو خلجة ومحمد العبد. وفي العام 1989، أعلنت “الجبهة الإسلامية للإنقاذ” بقيادة عباسي مدني رئيساً وعلي بلحاج نائباً للرئيس.
فمن خلال الوقائع الحالية، هناك خشية وتخوف من أن ترفض الجبهة الإسلامية للإنقاذ، ومعها بعض المجموعات المتطرفة، الحلول التي قدمها الرئيس الجزائري وأن تستغل حماسة بعض الشباب الذين بادروا إلى هذه الإنتفاضة السلمية لتحولها إلى مواجهات دامية تتصاعد معها الأحداث وتستعيد الجزائر ما سمي بـ “العشرية السوداء” التي بدأت في العام 1992.
في هذا الشأن، يرى العديد من المراقبين بأن هذه الحيثية واردة بالفعل وهي غير مستبعدة، حيث يرون بأنها ستواصل التصعيد لتسديد “حسابات قديمة” مع الرئيس بوتفليقة، الذي كان له الفضل في إنهاء تلك الأحداث الدامية، وغير مستبعد يقيناً أن تلجأ إلى استخدام السلاح لإغراق البلاد في الفوضى.
فيما يخص أوروبا، تخشى العديد من دولها، حال انفلات الأوضاع الأمنية، من تسلل الإرهابيين إلى أراضيها وتنفيذ عمليات أمنية فيها، خصوصاً ما يطلق عليهم تسمية “الذئاب المنفردة”. لذلك، تخشى فرنسا، الأقرب إلى الجزائر، من أن تتحول إلى هدف لتلك العناصر، وهي التي شهدت العديد من الأحداث لا سيما تلك في العام 2016، بل وتمتد لتصبح محطة ينتقل عبرها الإرهابيون إلى أوروبا والعالم.
أضف الى ذلك، أن باريس، وبرلين، منهمكة في الحرب على الإرهاب وقتال المسلحين في مالي، التي تحد الجزائر من الجنوب والجنوب الغربي. وبالتالي، إن حصول أية اضطرابات داخل الجزائر قد تستفيد منها الجماعات الإرهابية ما قد يشكل خطراً حقيقياً على المصالح والقوات العسكرية الفرنسية في تلك المنطقة. يأتي ذلك في وقت يسعى فيه الرئيس ماكرون استعادة النفوذ الفرنسي في القارة السمراء من خلال الزيارات المتكررة لدولها وتوقيع الإتفاقيات معها.
مصدر الأخبار: سيتا + وكالات
مصدرالصور: سبوتنيك – موقع الرؤية – جريدة الآن – عربي 21.