إبراهيم ناصر*
بين الحين والآخر، تخرج أحد القيادات والشخصيات السياسية في دول القرن الإفريقي، العضو في منظومة الجامعة العربية، بتصريحات مستغربة وغير معهودة، إذ تدعو فيها للإعتراف بدولة الكيان الصهيوني “إسرائيل”، وترى أن الفرص مواتية لنسج علاقات طبيعية معها. بالرغم من أن البعض يعتبرها تصريحات تدفعها قناعات شخصية ولا تمثل إرادة سياسية وطنية لهذه الدول، الإ أن هناك بعض البواعث التي دفعت هذه الشخصيات للإدلاء بهذه التصريحات.
مؤخراً، لفت موقع “تايمز أوف إسرائيل” إلى موقف مفاجئ للصومال بعدم التصويت ضد إسرائيل في محفل أممي كبير، وذلك تزامناً مع إطلاق دبلوماسي صومالي رفيع دعوة علنية للتطبيع مع إسرائيل. ووصف الموقع امتناع الصومال، في 22 مارس/آذار 2019، عن التصويت على مشروع قرار تحت عنوان “حقوق الإنسان في الجولان السوري المحتل” في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بجنيف، بأنه “صنع التاريخ” حيث “يعتقد أن هذه هي المرة الأولى التي تفوت فيها دولة عضو في جامعة الدول العربية الفرصة لإدانة الدولة اليهودية في محفل دولي.”
قبلها بشهور، كان هناك تصريح لوزير الإستثمار السوداني السابق، مبارك الفاضل غريب، يدعو فيه التطبيع مع تل أبيب، حيث يرى بأن المصالح العليا للسودان تقتضي ذلك، وأن القضية الفلسطينية أخرت العالم العربي، فضلاً عن أن هناك بعض الأنظمة استغلتها كذريعة وتاجرت بها.
الغريب والمثير للدهشة بأن كلا التصريحان سبقتهما إجراءات أمريكية حول القضية الفلسطينية؛ إذ سبق تصريح الدبلوماسي الصومالي الرفيع، إعتراف الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، غير القانوني بأن الجولان السوري أرض للكيان الصهيوني الغاصب، وتصريح الوزير السوداني السابق سبقه قرار الرئيس ترامب بنقل مقر السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس الشريف. وبالتالي، هذا ما دفعنا للبحث حول الدوافع الذي حثت هؤلاء للإدلاء بتصريحات جرئية، والتي نستقرؤها خلال الفرضيات التالية:
– فرضية الدافع شخصي: التسريبات المتواترة في وسائل الإعلام العربية والعالمية عن تغير قناعات بعض الدول الخليجية من القضية الفلسطينية، وبأن هناك توجهات سياسية جديدة لقياداتها للتطبيع مع دولة الكيان الصهيوني، وأن هناك لقاءات وزيارات سرية وعلنية لبعض القيادات السياسية والأمنية في تل أبيب عاصمة الكيان الغاصب، قد تحفز الشخصيات السياسية والبروقراطية الصومالية والسودانية، بجانب رغباتهم الشخصية التي دفعتهم للإدلاء بتصريحات دون خجل يغازلون فيها الكيان الصهيوني الغاصب للأراضي الفلسطينية، من أجل أن يكونوا رجال المرحلة.
– فرضية تغير قناعات الرأي العام في السودان والصومال حيال القضية الفلسطينية: تجاهل الدول العربية الغنية، بعض دول الخليج البترولية، للمشاكل والأزمات الإقتصادية والسياسية والإجتماعية التي تعانيها دولتي السودان والصومال وعدم تقديمها الدعم والسند اللازم، قد يكون له إسهام في تغيير قناعات الرأي العام في تلك الدول، وخلق شريحة “مثقفة” تنادي بالتطبيع مع دولة الكيان الغاصب. ولذلك، قامت هذه الشخصيات بالتلفظ بتصريحات غايتها استعطاف هذه الشريحة او استمالتها لمشروعها السياسي خصوصاً أنها تتزعم أحزاب سياسية، كالوزير السوداني مبارك الفاضل المهدي رئيس حزب الأمة – الإصلاح والتجديد.
– فرضية التأثير الخارجي على قناعات القيادات السياسية في هذه البلدان: كما أشرنا أعلاه، أن التصريحات التي تنادي بالتطبيع مع دولة الكيان الغاصب تتزامن مع إجراءات تتخذها إدارة الرئيس الأمريكي حيال القضية الفلسطينية. هذا التوافق الزمني يدعم فرضية التأثير الخارجي على قناعات هذه الشخصيات؛ وبالتالي، يمكن القول بأنها تأثرت بالتيار الأمريكي الذي يفرض الأمر الواقع بقرارته القانونية الجائرة، الذي يعطي دولة الكيان الغاصب ما لا تستحقه.
حاصل القول، كل شخصية عامة تنادي بالتطبيع مع دولة الكيان الصهيوني من دول الشرق الإفريقي العربية ما هي إلا “مغامرة” تسعى لتحقيق مصالحها الضيقة متناسية معاناة ونضالات الشعب الفلسطيني، منجرة وراء الإنهزامين المباركين للمساعي الأمريكية لتصفية القضية الفلسطينية، إلا أن شعوب المنطقة ستلفظ أمثال هؤلاء مهما تكاثرت أعدادهم.
*متخصص في الشؤون الإفريقية وباحث في مركز أنقرة لدراسة الأزمات والسياسات – “أنكاسام”
مصدر الصورة: وكالة شهاب.