تعريب وتعليق: مركز سيتا

يشير الكاتب براكاش ناندا، رئيس تحرير مجموعة Indian Century Media Group والمحرر الاستشاري لدى EurAsian Times، في مقال بعنوان “كيف وضعت قوانين البحار غير المتكاملة رباعية حلفاء الهند والولايات المتحدة في مسار تصادمي” بالقول أنه وعلى الرغم متانة العلاقات بين كل من الولايات المتحدة والهند، إلا أن الدولتين ليستا مستعدتين لتغيير تفسيراتهما لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار – UNCLOS فيما يتعلق بحقوق والتزامات “الدول البحرية” الأجنبية في المنطقة الاقتصادية الخالصة.

على سبيل المثال، يقول الكاتب إن الأمر ظهر إلى العلن بعدما قامت السفينة الحربية الأمريكية “يو.إس.إس جون بول”، التابعة للأسطول السابع الأمريكي، بإجراء “مناورات عسكرية” اعتبرها “عمليات بحرية للملاحة” بالقرب من لاكشادويب، في المنطقة الاقتصادية الخالصة للهند (والتي تقع في الجزء الجنوبي الغربي للبلاد)، دون موافقة نيودلهي؛ هذا الحدث، استدعى صدور بيان من وزارة الخارجية يشير إلى بعض “المخاوف”، في وقت لم تكترث فيه البحرية الأمريكية للأمر حيث قالت إن ذلك لا يحتاج إلى موافقة مسبقة كونه لا يتعارض مع القوانين الدولية وحرية الملاحة. هذه ليست المرة الأولى، فقد سبق وحدث أمر ممثال في مارس/آذار 2001.

في هذا الخصوص، تجدر الإشارة إلى أمر مهم وهو أن القانون الدولي أعطى الحق للدول باستثمار الموارد ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة، لكنه لم يعطها حق السيادة عليها.

تأكيداً للفكرة، يشير الكاتب إلى أن الولايات المتحدة جادلت حينها – 2001 – بأنه على الرغم من أن الأمر يتطلب موافقة الهند على البحث العلمي البحري داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة الخاصة بها، فإن الأنشطة البحرية التي يمكن إجراؤها فيها خارج البحر الإقليمي لا تخضع للوائح الدول الساحلية، إذ لا تستطيع تنظيم المسوحات الهيدروغرافية أو المسوحات العسكرية التي تجري خارج بحرها الإقليمي، ولا يمكنها المطالبة بالإبلاغ عن مثل هذه الأنشطة.

في هذا الصدد، يشير ناندا إلى أن السبب الرئيسي في هذا التناقض يعود إلى الغموض الذي إكتنف صياغة المادة 58 من قانون البحار، ما يجعل الأمر قابلاً للعديد من التفسيرات المختلفة. لكنه يرى بأن الدول الساحلية تتمتع – داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة ووفقاً لما تسمح به اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار – بحقوق سيادية لغرض “استكشاف واستغلال وحفظ وإدارة” الموارد الطبيعية الحية وغير الحية، فضلاً عن الولاية القضائية على معظم المنشآت والهياكل البحرية والبحث العلمي البحري وحماية البيئة البحرية والمحافظة عليها.

من هنا، يعود ناندا ويؤكد ما أوردناه عن مسألة السيادة، فيشير إلى أن الدول الساحلية لا تمارس سيادتها على المنطقة الاقتصادية الخالصة كما تفعل في مياهها الإقليمية، حيث تم اختيار مصطلح “الحقوق السيادية” – في المادة 56 – بشكل متعمّد للتمييز بوضوح بين حقوق موارد الدولة الساحلية والولاية القضائية المحدودة ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة، وبين سلطة الدولة الساحلية في البحر الإقليمي التي لها عليه حق سيادة حقيقي مطلق.

من هنا، يعود الكاتب إلى نص الفقرة 1/58 في جزئها الذي يقول “وغير ذلك مما يتصل بهذه الحريات من أوجه استخدام البحر المشروعة دولياً”. بحسب وجهة النظر الأمريكية، إن ما قامت به سفينتها يقع ضمن هذا البند؛ وبالتالي، ليس هناك حاجة لموافقة نيودلهي. من هنا، يقع ضمن هذه “الأنشطة المشروعة” – بحسب وجهة نظر واشنطن – مجموعة واسعة من الأنشطة العسكرية أيضاً (مثل: عمليات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع – جمْع البيانات البحرية العسكرية والمسوحات الأوقيانوغرافية البحرية – مناورات حربية وتدريبات عسكرية – التزود بالوقود والتجديد الجاري – اختبار واستخدام الأسلحة – عمليات طيران حاملة الطائرات وعمليات الغواصات – العمليات الصوتية والسونار – المراقبة البحرية وحماية الشحن – إنشاء وصيانة المنشآت الاصطناعية ذات الصلة بالجيش – عمليات الدفاع الصاروخي الباليستي ودعم اختبار الصواريخ الباليستية – عمليات الاعتراض البحري – اختبار الصواريخ التقليدية والباليستية – التحقق من تحديد الأسلحة الاستراتيجية – عمليات الأمن البحري – مراقبة البحر).

لذلك، تريد الهند – كما هو الحال مع 29 دولة أخرى كالبرازيل والصين وإيران وماليزيا وغيرها – تنظيم أو حظر الأنشطة العسكرية الأجنبية في المنطقة الاقتصادية الخالصة مستندة إلى أن الروحية خلف صياغة اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار ككل، لا سيما المادة 88، هي “تخصيص أعالي البحار للأغراض السلمية”.

من هنا، يشير ناندا إلى أن هذا الاختلاف في المنظور المتعلق بشرعية الأنشطة العسكرية الأجنبية ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة (بين دول مثل الهند، من جهة، والولايات المتحدة، من جهة أخرى) لم تتم قولبته وضبطه بسبب العديد من العوامل الجيو – سياسية المتغيرة. لذا، إن الوتيرة السريعة للعولمة، والزيادة الهائلة في التجارة العالمية، والارتفاع في حجم ونوعية القوات البحرية للعديد من الدول، والتقدم التكنولوجي لاستغلال المناطق المحيطية، كلها يشكّل عوامل أساسية من شأنها التأثير على الجيوش الرائدة في العالم.

لكن أبرز ما يخشاه الأمريكيون، بحسب الكاتب، هو أن يتم تبني المعيار الهندي دولياً؛ بالتالي، إن ما يقارب على الـ 38% من المحيطات في العالم – التي كانت تعتبر ذات يوم أعالي البحار ومفتوحة للاستخدام العسكري غير المقيد – ستخضع لتنظيم وسيطرة الدول الساحلية. وبمجرد التسليم بهذا الأمر، يمكن لتلك الدول منع الوصول العسكري إلى بحرَي الصين الجنوبي والشرقي وبحر اليابان والبحر الأصفر جميعاً، والتي تعد موطناً للعديد من خطوط الاتصال البحرية الأكثر استراتيجية في العالم. هذا الأمر، قد يكون وراء موقف واشنطن من أن مناوراتها العسكرية في تلك المنطقة – أو أعالي البحار – هي أنشطة عادية ولا ينبغي تفسيرها على أنها تهديدات للدول الساحلية، ولا سيما أصدقاءها مثل الهند.

في المقابل، يرى ناندا بأن الهند “مقيدة” بدعم مثل هذا الموقف علناً نظراً لحقيقة أن عليها أن تكون متسقة في موقفها المُعلن بعدم السماح بالأنشطة غير الطبيعية في المنطقة الاقتصادية الخالصة الخاصة بها، خصوصاً وأنها قد قامت، العام 2019، بطرد سفينة مسح صينية اقتحمت المياه بالقرب من جُزر أندامان ونيكوبار.

في الختام، يطرح الكاتب سؤالاً: إذا كان بإمكان الولايات المتحدة أن تتنقل بحرية في المنطقة الاقتصادية الخالصة للهند، فكيف يمكن منع الصين من ذلك؟ يبدو أن هذا هو السؤال الأكثر صعوبة بالنسبة لصانعي السياسة الهنود، الذين يفخرون باستقلاليتهم الاستراتيجية.

المصدر: The EurAsian Times.

مصدر الصور: جريدة اللواء – المنتدى العربي للدفاع والتسليح.

موضوع ذا صلة: هل تستطيع الولايات المتحدة أن تستعيد مصداقيتها في آسيا؟