إعداد: يارا انبيعة
كانت إنكلترا أول من استخدم السكك الحديدية لأول مرة في التاريخ، العام 1789، حتى عم استخدام القطارات في جميع البلاد. كانت القطارات الأولى تشتغل بالفحم أو الديزل، كمصدر للطاقة، ومع التقدم العلمي والتكنولوجي بدأ استخدام القطارات الكهربائية، التي تعمل بمحركات موجودة في القاطرة، التي باتت منشرة في جميع أنحاء البلاد إذ تصل سرعته إلى ما يفوق 500 كلم/س.
لم تعد القطارات السريعة وسيلة نقل سريعة فحسب وإنما رمزاً للشركات والدول المصنعة ودلالة على مواكبتها للتكنولوجيا الحديثة. فقبل ثلاثين عاماً، كان الألمان هم الأسرع، أما اليوم فتراجعت ألمانيا عن المنافسة في هذا السباق.
هنا، يمكن الإشارة إلى أن الملياردير إيلون موسك، مؤسس شركة “سبيس إكس” للرحلات الفضائية وشركة “تيسلا” للسيارات الكهربائية، يطمح إلى تشييد قطار يسير في أنبوب مُفرغ من الهواء يطلق عليه تسمية “هيبرلوب”. ويمكن الكبسولات التي تستخدم الطاقة الكهربائية والتي تنطلق في هذا الأنبوب السير بسرعة تصل إلى 1225 كلم/ساعة، إذ تجري الإختبارات عليه حالياً ما بين الولايات المتحدة وفرنسا.
ما بين “يوروستار” و”شانغهاي”
عندما انطلق قطار “يوروستار”، في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 1994، برحلته الأولى بين باريس ولندن، مخترقاً النفق تحت مياه البحر الفاصل بين فرنسا وبريطانيا حيث استطاع تحقيق سرعة بلغت حوالي 170 كلم/س، وكانت تلك سرعة مميزة للقطارات الأوروبية في ذلك الوقت. أما اليوم، فإن الجيل الجديد من قطارات “يوروستار” يمكن أن يبلغ ما معدله 320 كلم/س.
ومع ذلك، فإن قطار “يوروستار” الجديد ليس الأسرع في العالم حتى الآن، فالصين سبقت جميع الدول المتقدمة صناعياً في تطوير قطار أطلقت عليه إسم “شانغهاي” القادر على تحقيق سرعة تصل إلى 431 كلم/س. وتسعى اليابان إلى تحطيم هذا الرقم القياسي إذ أنها تعكف حالياً على تطوير قطار سريع جداً سيكون جاهزاً قبيل الألعاب الأولمبية التي تستضيفها، في العام 2020. ومع أن الكثيرون لا يعرفون تحديداً سرعة القطار الياباني الجديد، إلا أنه حكماً سيكون أسرع من قطار “شانغهاي”.
سمينز “تغزو” تركيا
بفضل عقد تشغيل جديد، أصبح بحوزة تركيا قرابة 17 قطاراً من صنع الشركة الألمانية متعددة الجنسيات “سيمنز” التي تعمل في شبكة القطارات عالية السرعة. وفي خطوط هذه الشبكة، سجل عمل نحو 10 قطارات أخرى تكفلت بتصنيعها شركة “كاف” الإسبانية لبناء ودعم السكك الحديدية.
فلقد أعلنت شركة السكك الحديدية الدولية التركية عن توقيع عقد مع شركة “سيمنز”، العام 2018، وتمثلت الصفقة في تزويدها بـ 10 قطارات عالية السرعة، وقد نجحت شركة الألمانية في الظفر بالعقد، لأنها قدمت العرض الأفضل من نوعه خلال طرح مناقصة التركية حيث بلغت قيمة الصفقة قرابة 340 مليون يورو. كما صرحت الشركة بأن قيمة الصفقة تتضمن كذلك تكاليف الصيانة، والإصلاح، وتنظيف القوافل لمدة ثلاث سنوات كاملة، وقد جعلت هذه الصفقة من شركة “سيمنز” صاحبة أكبر عدد قطارات من طراز “فيلارو”، ضمن الأسطول التركي للقطارات السريعة.
في الوقت الراهن، تضع تركيا لمساتها الأخيرة على خط جديد يربط أنقرة مع أزمير، إذ من المقرر أيضاً افتتاح هذه الشبكة خلال العام 2019، وقد بلغت تكلفة هذا المشروع قرابة 4.9 مليار ليرة تركية، أي ما يعادل مليار يورو تقريباً. وبفضل هذا المشروع، يمكن السفر بين الوجهتين خلال ثلاث ساعات ونصف فقط، علماً أن الرحلة تستغرق أكثر من ثماني ساعات بالسيارة و14 ساعة بالقطار العادي.
القطارات “غير المدمجة”
في سباقها الدائم نحو التطور والقمة، ستقوم الهند بإطلاق أول مجموعة من تصميمات القطارات غير المدمجة وتصنيعها بالكامل داخلياً، التي تشبه القطار السريع. ويمتلك القطار ذو الـ 16 عربة أحدث وسائل الراحة، ويمكنه تقليل وقت السفر بنسبة 10-15٪. ويتمتع القطار بسرعات أفضل من القطارات التقليدية، حيث يتمتع بقدرة أكبر بنسبة 50٪، ومجهز بنظام كبح ذكي يتألف من فرامل تجددية وكهرو-هوائية.
يوجد في عربات القطار عدد من المقاعد التي يمكن أن تدور بزاوية 360 درجة، ما يمنح الركاب خيار الإستمتاع بالمنظر المباشر للمشهد. ولأول مرة، سيكون الركاب قادرين على دق أبواب السائق وإلقاء نظرة على اللوحة، حيث أن القطار لديه تقنية الـ “جي.بي.إس”. ويقول مسؤولون إن اختبار سرعة القطار سيجري على امتداد موراداباد باريلي وكوتا ساواي مادهوبور في أقرب وقت.
ترى الهند بأن تفعيل هذا القطار والتوسع في تصنيعه سيقضي تماماً على حوادث القطارات المستمرة فيها، والتي تنتج عن حالة القطارات المتهالكة أو التي تدار بنظام قديم لا سيما في القطارت العابرة للبلاد، كما قررت الحكومة أن تكون أسعار تذاكر القطار الجديد مقاربة للسعر الحالي لتذكرة القطارات. وهذا المشروع يعتبر الأضخم في الهند، بالإضافة إلى أنه محط طموح الحكومة لزيادة معدلات النمو الإقتصادي تحت شعار “صنع في الهند”، الذي يتبناه رئيس الوزراء الهندي نانيدرا مودي.
ما بين الإقتصاد والسياسة
ويبدو أن مشاريع تطوير خطوط السكك الحديدية في العديد من دول العالم تحظى بأولوية في خطط التنمية الإقتصادية، ولذلك نشهد برامج واسعة في إيطاليا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وهولندا وبلجيكا، ناهيك طبعاً عن الصين واليابان والولايات المتحدة الأميركية.
هذه المشاريع والخطط لم تأتِ من فراغ، كما أنها لم تنشأ فقط لإعتبارات اقتصادية محضة. فهناك تخوف من أن تقوم الدول المصنعة بإستخدام مثل هذه الصناعات من أجل مد نفوذها السياسي حيث ستتمكن من ان تبقي “قصبة” المواصلات في يدها بحيث تستطيع التحكم فيها وقت تشاء خصوصاً لجهة البرمجيات التكنولوجية التي توفرها، قطع الغيار، وغيرها من الأمور اللوجستية.
بالعودة مرحلة الحرب العالمية الثانية، كان استراتيجية المانيا مد سكك الحديد للوصول إلى العديد من دول العالم، حيث نفذت آلاف الكيلومترات من خطوط السكة الحديد في شرق آسيا. وخلال الحرب، كانت السياسة الألمانية تقضي بإيجاد طرق مواصلات سريعة، طبعاً عبر القطارات، حيث استطاعت التنقل بسهولة وسرعة ضمن الداخل الأوروبي. وعند التوجه لغزو الإتحاد السوفياتي، قام الجيش الألماني بتغيير سكك الحديد في بولندا، بعد احتلالها، لأنها أقل عرضاً ولا تستطيع القطارات الألمانية السير عليها. كان ذلك ضمن خطة تقوية “القوة البرية” التي تسهل التغلغل في البلدان واحتلالها من الداخل بحيث يسهل إسقاطها.
وفي الأمثلة السلمية الحديثة، يمكن الإشارة إلى أن الصين أقدمت على تسيير رحلة بالقطار من بكين إلى أوروبا، في سياق مشروعها التجاري الطموح المعروف بإسم “طريق الحرير”، غير أن هناك نوع من “الإمتعاض” لدى بعض الدول الأوروبية الكبرى لناحية قيام بكين بتنفيذ عدة مشاريع من هذا النوع في دول أوروبا الشرقية ما يعتبرونه نوع من مد النفوذ إلى داخل الإتحاد الأوروبي.
على المقلب الآخر، تثير مشاريع الصين المشابهة “الريبة” لدى الولايات المتحدة فيما يخص القارة اللاتينية، التي تعتبرها واشنطن “مجالها الحيوي”، لا سيما التفاوض مع كولومبيا من أجل ربط المحيطين الأطلسي والهادئ بعضهما البعض عبر مشاريع سكك الحديد (ناهيك عن قناة نيكاراغوا) وهو ما يؤثر مباشرة على مصالح الولايات المتحدة فيما يخص قناة بنما. فخلال زيارته الى القارة اللاتينية في يوليو/تموز 2014، طرح الرئيس الصيني، شي جين بينغ، مفهوم “خط سكك حديدية يربط بين المحيطين” ليربط ساحل المحيط الأطلسي في البرازيل إلى موانئ المحيط الهادئ في البيرو، حيث وقعت الدول الثلاث، الصين والبرازيل والبيرو، بياناً مشتركاً لتعزيز التعاون في مجال السكك الحديدية وبناء خط للسكك حديدية تربط بين المحيطين الأطلسي والهادئ.
في نفس السياق، يشير محضر اجتماع اللجنة الحكومية المشتركة بين الروسية – السودانية، عن إمكانية مشاركة موسكو في بناء خط سكة حديدية يربط القارة الأفريقية الذي سيمتد من داكار إلى بورتسودان وكيب تاون إذ أعلن الجانب الروسي جاهزيته للمشاركة شريطة الحصول على تأكيدات رسمية من جانب الدول ذات العلاقة بتقديم نماذج مالية وتنظيمية وقانونية مفصلة للمشروع. ويمثل المشروع جزءاً من خطة الاتحاد الأفريقي لربط ميناء داكار، في إفريقيا الوسطى، بميناء جيبوتي، في شرق إفريقيا، وسيمر عبر 10 دول، حيث تقدر كلفة المرحلة الأولى منه بـ 2.2 مليار دولار.
مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.
مصدر الصور: الجزيرة – Wikimedia Commons