محمد نبيل الغريب البنداري*

لقد عادت الولايات المتحدة الامريكية لاستخدام سياستها التقليدية مع النظام الايراني مجددا، ومع تقلد الرئيس الامريكي ترامب الحكم برزت معالم تلك السياسة في تعامله مع ايران، واتخذ طريقا اكثر تشددا حيال الملف النووي الايراني وانسلخ عن شركائه الاوروبيين ومجموعة الدول الموقعة على الاتفاق النووي 5+1 في منتصف عام 2015 حيث وضع ترامب جملة من العراقيل امام استمرار هذا الاتفاق وسياسة ايران، حيث تريد الولايات المتحدة الامريكية اعادة صياغة هذا الاتفاق بحسب ما يقتضيه الامن القومي الامريكي، وهذة هي وجهة نظر الساسة في امريكا والادارة الامريكية الجديدة. عندما ننظر الى الاتفاقية يمكن القول بأنها ليست اتفاقية احادية كي تقرر الولايات المتحدة وحدها مصيرها، بل هي اتفاقية دولية جماعية اتفقت عليها مجموعة من الدول وحتما سيتطلب ذلك من الولايات المتحدة سياسيا ودوليا العمل بها، ومن ثم ان خروجها من هذا الاتفاق هو خروج من معايير ابسط الاتفاقيات الدولية. وعلى الصعيد الاخر، لم تلتزم ايران بمقررات الاتفاق النووي وبنوده، فلقد اجريت ايران تجاربها الباليستية بين الحين والاخر في رسالة سياسية الى دول العالم بأنها غير ملتزمة بالاتفاق، وهذة اشارة واضحة تشير الى الاخلال ببنود الاتفاق، وما تم عام 2015، وهو ما يجعل الولايات المتحدة تعيد النظر مرة اخرى بهذا الاتفاق، وهو السبب ذاته الذي جعل ترامب يتحدث قائلا “ان هذا الاتفاق هو الاسوء على مر تاريخ الولايات المتحدة”.

ومن الجدير بالذكر هنا ان الرئيس ترامب عازم على اتخاذ هذا المسار السياسي التصعيدي ضد ايران منذ ان بدأ حملته الانتخابية حيث قال “سنواجه ايران وتحركاتها في المنطقة، وان ايران هي دولة راعية للارهاب.”

وعليه، اتخذ ترامب منهج السياسة التصعيدية تجاه ايران والنظام “الروحاني” حتى قبل تسلمه الحكم بشكل فعلي.

لقد كانت تلك المقدمة هي “تداعيات” اساسية لطلب “ترامب” الخروج من هذه الاتفاقية او ادخال التعديل عليها. فما هي الانعكاسات السياسية علي الولايات المتحدة اذا عزم الرئيس ترامب الخروج من الاتفاق النووي الايراني؟ وما تأثير ذلك خاصة على الامن القومي الامريكي؟ لقد القى الرئيس ترامب “الكرة” الان في ملعب الكونجرس الامريكي حيث لم يصدق هو على المرسوم الذي يصدره الكونجرس كل 90 يوما والذي ينص على مدى التزام ايران بمقررات الاتفاق النووي. لذلك، اعطى ترامب للكونجرس 60 يوما لوضع استراتيجية جديدة للاتفاق النووي.

انعكاس واثار الاتفاق النووي علي العلاقات الامريكية – الدولية

  1. العلاقات الاوروبية – الامريكية: سياسية متدهورة مستقبليا في حال الخروج

عندما اشار ترامب بأن الخروج من هذا الاتفاق او التعديل عليه من متطلبات الامن القومي الامريكي، وجد اعتراضا اوروبيا ودوليا برمته في وجه هذا المسار حيث صرحت المسؤولة عن السياسة الخارجية للاتحاد الاوروبي فيدريكا موغريني انه لا داعي لمناقشة الاتفاق النووي الايراني وان الاتفاق النووي انجاز قام به الاتحاد الاوروبي. هذا التصريح، جعل الاتحاد الاوروبي يصطف الى جانب الحلف الايراني الروسي والصيني ضد سياسة ترامب بهذا الخصوص وهي ليست هذه المرة الاولى التي يعترض فيها الاتحاد الاوروبي على سياسة الادارة الامريكية، بل هي المرة الثانية على التوالي. فمنذ ان تسلم الرئيس الامريكي الحكم، اعترضت المانيا وفرنسا على جملة من العقوبات الامريكية اقرها الكونجرس الامريكي يوم 12/7 من نفس العام الحالي علي روسيا حيث وصف الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والمستشارة الالمانية انجيلا ميركل هذه الخطوة بغير المفيدة والضارة بسياسة المصالح التجاربة الاوروبية مع روسيا، ووصفوا هذا القرار بالخاطئ. لذا فهناك امتعاض اوروبي من سياسة الولايات المتحدة الامريكية الاخيرة تجاه عدد من القضايا والملفات المشتركة بالاضافة الى هذا الاعتراض الاوروبي على خروج ترامب بإستراتيجية خاصة بالاتفاق النووي. لقد وضع تصريح الوكالة الدولية للطاقة الذرية، عن مدى التزام ايران بالاتفاق، هذه الاستراتيجية الجديدة امام حرج دولي وعدم وجود من يؤيدها كما توقع ترامب من الشركاء الاوروبيون، وعلى هذا ما هي السيناريوهات المتوقعة اذ اخرجت امريكا من هذا الاتفاق واستمرت على تلك السياسة البرجماتية؟ هل ستخسر الولايات المتحدة الطريق الاوروربي والشريك الغربي؟ ام ان العلاقات فيما بينهم ستتعدى حاجز تلك الخلافات؟ يبدو ان امريكا ستستمر في انتهاج تلك السياسة حيث ستجد نفسها في عزلة دولية واقليمية غير مسبوقة من قبل، لذا يقتضي على الادارة الامريكية اتخاذ خطوات عملية فعالة اكثر حرصا على مصالح الشركاء تجنبا للتصادم معهم في اي وقت ولعدم تعارض المصالح المشتركة.

  1. “سياقات صدامية ” صفحات جديدة من التوتر بين ايران والولايات المتحدة الامريكية .

ليس من المستغرب وجود رد ايراني على هذه الخطوات الامريكية حيال هذا الملف حيث صرح وزير الخارجية الايراني جواد ظريف يوم 15/ تشرين الاول من العام الحالي (2017) ان الاتفاق النووي غير قابل للتفاوض مرة اخرى وان تصريحات الرئيس ترامب وامريكا ليست لها مصداقية مؤكدا ان الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي هي المفصل والركيزة، وهي الجهة المخولة تأكيد التزام ايران من عدمه، حيث صرحت الاخيرة بأن ايران ملتزمة بالاتفاق النووي. وهنا معضلتين:

– المعضلة الاولى: ظهر الان التناقض بين ترامب والوكالة الدولية وهذا التناقض يضع امريكا في موقف ضعيف مع حيث تنفيذ استراتيجيتها الجديدة.

– المعضلة الثانية: امتعاض الاتحاد الاوروبي من السير على نهج الادارة الامريكية والتي تحاول تقويض الاتفاق النووي مما يضع الاتحاد الاوروبي ايضا في مرمي تهديد المصالح الاوروبية (السياسية – العسكرية – التجارية).

عندما نقرأ هذه التصريحات جيدا يتضح في مكمنها الرد الايراني غير الموافق على تلك الخطوات الامريكية الرامية لانهاء الاتفاق النووي، فلقد توالت التهديدات الايرانية وابرزها:

– تهديد طهران باعادة العمل على تخصيب اليورانيوم في مدة لا تقل عن خمس ساعات والاستمرار في انفتاح البرنامج النووي وتكنولوجيا النووي.

– تهديد من نوع اخر وهو تهديد وكلاء ايران في المنطقة للقوات الامريكية المتواجدة في الشرق الاوسط وخاصة في العراق وسوريا ومنطقة الخليج العربي حتي بعد الخطوة المرهونة من قبل الكونجرس الامريكي بتصنيف حزب الله والحرس الثوري الايراني كجماعات ارهابية ومن ثم توقيع عقوبات عليهم. وبالفعل، منذ اسبوعين، وقع الكونجرس الامريكي مجموعة من العقوبات على حزب الله الايراني فيما تحفظت قوات الحرس في العراق على تلك التصريحات والقرارات واشارت الى ان فرض اية عقوبات جديدة او في حال ما اذا تم تصنيفها ضمن المجموعات الارهابية، فإنها ستوجه ضربات الى القوات الامريكية حيث انها توجد في:

– العراق: قوات فيلق القدس الايراني بقيادة اللواء قاسم سليماني قائد الحرس في العراق بالاضافة الى الحشد الشعبي.

– سوريا: توجد عصائب اهل الحق بالاضافة الى قوات اخرى افغانية تابعة لايران بجانب قوات النظام وتقاتل في صفوفه.

– الخليج العربي: يوجد زوارق ايرانية في الخليج تقوم بمضايقة القوات الامريكية الموجودة هناك وكان اخر تلك الاحتكاكات فيما بينها منذ شهر مض يحيث اطلقت اعيرة نارية تحذيرية

كل تلك القوات يمكن، ومن السهل، ان يتم استغلالها لتهديد القوات الامريكية المتواجدة في منطقة الشرق الاوسط.

عسكرة الانخراط: اخطاء سياسة وعسكرية ارتكبتها الادارة الامريكية الجديدة في الاشهر الاولى من توليها.

  1. عسكري: اتخاذ طريق اكثر تشددا تجاة كوريا الشمالية مما انتهي الامر بالتلويح العسكري فيما بينهم وهذا التصعيد لم يطفو على السطح الا حينما اتى ترامب الى السلطة حيث ربط ملف كوريا الشمالية بايران بالقول انها تساعد الاخيرة على تطوير التكنولوجيا النووية مما فتح عىي الولايات المتحدة اكثر من جبهة قتال، فإزداد الامر سوءا.
  2. سياسي: اتخاذ قرارات دون التأكد من انها ستضر بحلفائها (حلفاء الولايات المتحدة) للتماشي مع مبدأ “امريكا اولا” كما حدث في الاتفاق النووي.

كل تلك الاخطاء الامريكية ستجعل علاقاتها المستقبلية مع شركائها متدهورة، وليس كما يتوقع البعض بالنجاح الكبير للسياسة الامريكية. ولكن في نهاية المطاف هي سياسة اغضاب الشركاء في ظل التخبط الذي يتجول داخل اروقة الادارة الامريكية.

“سيناريوهات” متوقعة لادارة ترامب حيال الملف النووي بعد احالته للكونجرس الامريكي .

  1. في 15/ تشرين الاول لم يصادق الرئيس الامريكي على مدى التزام ايران بالاتفاق النووي ام لا،

بل احال الامر الى الكونجرس الامريكي تاركا امامه مدة 60 يوما لوضع استراتيجية جديدة لهذا المسار النووي ومن ثم هناك حكمة من هذا وهي الضغط على ايران من اجل جعلها تنسحب من الاتفاق بدل الولايات المتحدة.

  1. عل غرار الاتفاق النووي، من الممكن حدوث مناوشات صغيرة قريبا ما بين وكلاء ايران وامريكا.
  2. الاستمرار بالتمسك بإدخال تعديل على بعض البنود والخاصة بالصواريخ الباليستية.
  3. الضغط على روسيا او الشركاء الاوروبيين من اجل الاصطفاف بجانب الصف الامريكي (احتمال صعب التحقيق)

خاتمة

ان ما تقدم به الرئيس ترامب من تغيرات في إرث الاتفاق النووي هو (لازاحة) سياسة اوباما الخاصة بالاتفاق والتي وجدها ترامب بأنها اعطت مساحة لايران للتحرك اقليميا في دول الجوار، مما سمح لها بتهديد المصالح الامريكية في الشرق الاوسط، وهو ما جعل الرئيس الامريكي يفكر مجددا في مجمل هذا الاتفاق بل والحاجة الى اضافة بنود اضافية عليه.

*كاتب وباحث سياسي

الهوامش

  1. ttp://ar.mehrnews.com/news/1876878/موغريني-يجب-الحفاظ-على-الاتفاق-النووي-رغم-تهديدات-ترامب
  2. (تصريح جواد ظريف) والخارجية الإيرانية حول الاتفاق النووي

‎‏http://ar.farsnews.com/iran/news/13960721001186

  1. (تصريحات الحرس الثوري ضد القوات الامريكية)

‎‏https://arabic.cnn.com/middle-east/2017/10/08/iran-threatens-us-army?amp

  1. تصريح ترامب عن الاتفاق النووي

‎‏https://www.google.com.eg/amp/s/amp.france24.com/ar/20171012-أمريكا-ترامب-اتفاق-نووي-إيران-سيء-تهجم

  1. فرنسا تحث أمريكا عدم الخروج من الاتفاق النووي

‎‏https://www.google.com.eg/amp/s/amp.france24.com/ar/20171014-فرنسا-الكونغرس-اتفاق-نووي-إيران-الولايات-المتحدة

  1. بريطانيا وألمانيا يتفقان علي الالتزام تجاة الاتفاق النووي

‎‏https://arabic.sputniknews.com/world/201710151026781816-بريطانيا-ألمانيا-الاتفاق-النووي-الإيراني/

  1. هجوم ترامب علي الاتفاق النووي منذ ايّام حملته الانتخابية

‎‏https://www.google.com.eg/amp/s/amp.france24.com/ar/20161111-%25D8%25AA%25D8%25B1%25D8%25A7%25D9%2585%25D8%25A8-%25D9%2588%25D8%25B9%25D9%2588%25D8%25AF-%25D8%25A7%25D9%2586%25D8%25AA%25D8%25AE%25D8%25A7%25D8%25A8%25D9%258A%25D8%25A9-%25D8%25AD%25D9%2585%25D9%2584%25D8%25A9-%25D8%25A5%25D8%25B3%25D9%2584%25D8%25A7%25D9%2585-%25D8%25A5%25D9%258A%25D8%25B1%25D8%25A7%25D9%2586-%25D8%25A3%25D8%25AC%25D8%25A7%25D9%2586%25D8%25A8-%25D8%25A5%25D8%25B3%25D8%25B1%25D8%25A7%25D8%25A6%25D9%258A%25D9%2584-%25D8%25B3%25D9%2588%25D8%25B1%25D9%258A%25D8%25A7-%25D8%25AA%25D9%2586%25D8%25B8%25D9%258A%25D9%2585-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AF%25D9%2588%25D9%2584%25D8%25A9-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25A5%25D8%25B3%25D9%2584%25D8%25A7%25D9%2585%25D9%258A%25D8%25A9

 

مصدر الصور: سبوتنيك