حوار: سمر رضوان
دأبت روسيا على حماية مصالحها التي بنتها خلال عهد طويل من المساعي الجادة لكبح جماح الولايات المتحدة خاصة في موضوع العقوبات، في ظل بناء روسي متين مع دول كثيرة، إذ يرى العديد من المراقبين بأن واشنطن تعمل على تخريب هذه الأساسات إن كان في الشرق الأوسط، أو أمريكا اللاتينية، وليس انتهاء بأوكرانيا وشبه جزيرة القرم. هذا الأمر، يضع موسكو أمام خيارات “مجبر أخاك لا بطل”، إن كان في السودان أو فنزويلا او سوريا.
عن الدور الروسي في الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية في ظل التصعيد الأمريكي، وتأثيراته على السياسة الخارجية الروسية، سأل مركز “سيتا” الأستاذ دينيس كوركودينوف، المتخصص في العلاقات العامة والتعبئة الجماهيرية في الشرق الأوسط وجنوب القوقاز وأمريكا اللاتينية ورئيس تحرير قسم التحقيقات في مجلة “المجتمع العالمي” الروسية، عن تفاصيل هذه الأوضاع.
شرعية الإنقلاب
العلاقات الروسية – السودانية، بشكل عام، لم تشهد تغييرات كبيرة بعد الإنقلاب العسكري في الخرطوم. إذ لم تقم الحكومة المؤقتة الجديدة، التي حلت مكان الرئيس السابق عمر البشير، بمنعطفات جادة فيما يتعلق بموسكو اذ ما زالت تلتزم بالإتفاقيات الحكومية الدولية المبرمة سابقاً في المجالات العسكرية والطاقوية وكذلك الزراعية.
أما القيادة الروسية، فلقد اعترفت بسرعة كبيرة برئيس الحكومة المؤقتة في الخرطوم، الجنرال عبد الفتاح برهان، وأعلنت دعمه. لقد تأثرت موسكو بشدة بحقيقة تتمثل في ان الإنقلاب في السودان الذي نفذته قوات الجيش الوطني بدعم مطلق من السكان المحليين. بالنسبة لروسيا، هذا بحد ذاته يعد علامة على الشرعية. على عكس فنزويلا، على سبيل المثال، حيث لم يعترف الكرملين بالزعيم المعلن للبلاد فقط لأنه لا يحظى بدعم غالبية الجيش، فقد كان السودان محظوظًا للغاية في هذا الصدد.
تحالف أفريقي
بناء على ذلك، من المحتمل أن تطور موسكو حواراً مع الخرطوم، مما يخلق أساساً قوياً بما فيه الكفاية لمحاولة إبعاد الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن العلاقات بين روسيا والسودان محددة سلفاً إلى حد كبير من أجل إنشاء تحالف قوي معادٍ للولايات المتحدة في القارة الأفريقية. بالإضافة إلى ذلك، فإن روسيا مهتمة للغاية بإدراج جمهوريتي إفريقيا الوسطى وزمبابوي في هذا الإتحاد، الذي تربط موسكو به علاقات حميمة للغاية. اما الخرطوم فيمكن لها أن تعمل كشريك على قدم المساواة ضمن هذا التحالف.
في الوقت نفسه، فإن الجانب السوداني بحاجة الى الدعم الدبلوماسي من موسكو، خاصة بعد الإنقلاب العسكري. الآن، ليس للسودان اية فرصة للتجول مع الأصدقاء القدامى في الساحة الدولية، وروسيا هي مجرد صديق. على المدى الطويل، قد تتغير العلاقات بين الدول لكن هذا لن يحدث إلا عندما يتم تشكيل حكومة مدنية كاملة في الخرطوم، أي قبل فترة لا تتجاوز عامين.
صمت وترقُّب
على الرغم من الدعم الرسمي للرئيس فنزويلا نيكولاس مادورو وارسالها المساعدات الإنسانية والمتخصصين العسكريين إلى كراكاس، فإن لدى موسكو مجموعة محدودة للغاية من الطرق لتأمين الجمهورية البوليفارية في حالة التدخل العسكري. في الوقت الحالي، لا يمكن للكرملين العمل إلا على مراقبة حالات الأزمات في منطقة أمريكا اللاتينية، لكن لا يمكنه التأثير عليها بشكل مباشر. يتضح هذا ببلاغة من حقيقة أن موسكو سبق وأعلنت عدم تدخلها في الأحداث الفنزويلية، 30 أبريل/نيسان 2019، عندما قام أنصار خوان غوايدو بإنقلاب عسكري. لكن من المتوقع فعلياً عدم التزام روسيا الصمت في حال قيام اي تحالف دولي، برعاية الولايات المتحدة، هدفه التدخل العسكري ضد الجمهورية البوليفارية.
ومع ذلك، فمن الخطأ القول إن إمكانيات موسكو في فنزويلا تساوي “صفر”. على سبيل المثال، تشارك روسيا بنجاح مع قادة نظام “تشافيستا” للمعلومات الإستخباراتية الفعلية، وتدرب الحرس الوطني والخدمات الخاصة لتحييد تهديدات الإضطرابات الاجتماعية. نتيجة لهذا، لم تبدأ واشنطن وشركاؤها حتى الآن بعمليات عسكرية ضد كاراكاس الرسمية. لذلك، لعبت موسكو دور “الأخ الأكبر ” لفنزويلا، وهو ما يخشاه الخصوم.
“أستانا كاريبي”
إذا حدث تدخل أجنبي في كاراكاس، فإن روسيا ستكون بالتأكيد إلى جانب الرئيس مادورو. لكن من المحتمل ألا يكون هذا فعلاً حقيقياً، بل عملاً رمزياً. المشكلة هي أن منطقة أمريكا اللاتينية بأكملها تقريباً تقع ضمن منطقة الدفاع الجوي الأمريكية، ولهذا السبب يصعب للغاية على الطيران الروسي العمل فيها دون خوف. من بين أمور أخرى، لا يمكن للبحرية الروسية تحقيق اي اختراق بسهولة في مياه البحر الكاريبي. ومع ذلك، يمكن لروسيا، كما في حالة سوريا، أن تتصرف بالوسائل الدبلوماسية، ومنها توفير الأسلحة للحكومة الشرعية. في الوقت نفسه، لا يتم استبعاد إدخال المعضلة الفنزويلية في قالب إتفاقيات على شاكلة “أستانا”، حيث يمكن لكوبا والمكسيك، بالإضافة إلى فنزويلا، المشاركة. حينها، ستستطيع روسيا لعب دور رئيسي كمحكم.
هنا يمكن القول أيضاً إنه ومن غير المحتمل أن تكون موسكو قادرة على القضاء بشكل كامل على التهديد الأمريكي، لأن واشنطن مصممة بطريقة أو بأخرى على بدء الحرب مع كاراكاس، لكن الجانب الروسي قادر على تأجيل تنفيذ هذه الخطة.
حجر بين سندانين
تحافظ روسيا على التزامها بسياسة حماية الرئيس السوري، بشار الأسد. لذلك، من غير المرجح أن تكون موسكو أبداً مستعدة لرفض “شقيقها السوري”. في الوقت نفسه، فإن تل أبيب في حالة شراكة إستراتيجية مع موسكو، الأمر الذي يضع الأخير في وضع دقيق للغاية لسبب أنه لا يمكن الإختيار من بين صديقين يفضلانها أكثر. فمن ناحية، تتمتع روسيا بعلاقات صداقة طويلة الأمد مع إسرائيل، ويتم تمثيل اليهود في جميع السلطات الروسية تقريباً. لكن من ناحية أخرى، لا يمكننا خيانة مصالح دمشق التي لدينا اتفاقات معينة معها لا سيما في مجال الدفاع.
لذلك، فإن المخرج الوحيد في مثل هذا الموقف هو التظاهر بعدم حدوث أي شيء إذا قرر صديقا موسكو التشاجر فجأة. من حيث المبدأ، هذا ما تفعله موسكو الآن “عندما تشن إسرائيل هجمات بالقذائف الصاروخية على الأراضي السورية، فإن روسيا مجبرة على منحها قيمة ضئيلة أو معدومة.”
في الشأن السوري أيضاً، من غير المرجح أن يكون الإعتراف الأمريكي بهضبة الجولان من قبل أراضي إسرائيل قادراً على تغيير موقف موسكو. بطبيعة الحال، يعارض الكرملين، وفقاً لمعايير القانون الدولي، احتلال تل أبيب للجولان، لكن موسكو ربما لن تذهب أبعد من سياسة الإدانة العامة لأنها لا تريد إفساد العلاقات مع إسرائيل.
شكر خاص للدكتور عمرو الذيب – موسكو.
مصدر الصور: سبوتنيك – يورو نيوز.