د. ياسين العلي*

لم يعد بإمكان أحد منا اليوم أن يعتزل المشاكل العامة والخاصة، وبالذات في هذه المرحلة التاريخية التي نعيشها اليوم في بلدنا سوريا.

واقع مر “مأزوم” نعيشه في هذه الأيام؛ لكنه من الخطأ أن نتحول إلى أناس مأزومين نفسياً وعقلياً؛ فتؤثر الأزمة في تفكيرنا، وفي حياتنا العامة، وعلاقاتنا مع الآخرين، وفي طريقة تناولنا للأشياء.

إن الاستغراق في المشكلات والأزمات وإخراجها من سياقها، ونسيان تيار الحياة وعدم التطلع للمستقبل بإيجابية، واختصار الوطن في أزمة يحوله إلى أزمة شعورية وداخلية ونفسية، وينسيك هذا كله أن الحياة مكتظة بالفرص والإيجابيات، وأن الحكمة والذكاء تكمن في مدى قدرتنا على تحويل الأزمة إلى فرصة.

إن التعامل السلبي مع أية أزمة هو تجاهل للواقع العام، واحتكار له في أحداث أو جوانب معينة. وكل ذلك أو بعضه، يكفي بجدارة لصناعة عقلية مأزومة وفكر مشوه مريض، وهذا للأسف ما أصبح يصبغ السمة العامة لبلدنا.

فمأزوم الفكر يغيب عنه، في لحظة الحدث بل في حياته العامة، التفكير المنطقي السليم، ويتهرب من الإعتراف بقانون السببية. فيفعل ذلك وتلك لردم أخطائه ومشاكله وتبقى مظاهر الخلل والتخبط والظلم في منطقه وتفكيره، هذا من الناحيتين العلمية والفكرية. وتغلب عليه سمة الأنانية والإستئثار والتفرد بكل ما يصنعه، والكيل بالمكيالين في الناحية التربوية السلوكية، وتحيله هذه المشاكل إلى عامل من عوامل ضياع ثروات الأمة البشرية والمادية والإقتصادية، والإخفاق في إدارة الأزمات الشخصية فضلاً عن المجتمعية من الناحية الإدارية، وهي تجعل الفرد فاشلاً على مستواه الشخصي والعملي والوظيفي، وربما تجده مع هذا كله متحدثاً جيداً عن مشكلات العالم كله من غير أن يطرف له جفن أو تهدأ له عين.

وبعد، فإن هذه الأزمات كلها شيء وأن تكون في الفكر المأزوم قناعة الرضا بالذات، واعتقاد عدم وجود الخطأ أزمة أخرى؛ لأن معنى هذا الأخير هو عدم وجود القابلية للتصحيح والمراجعة، ومعناه – بإختصار – فقدان الخطوة الأولى في طريق التصحيح وهو “الجهل المركب”.

دعونا نعترف ونوصف واقعنا اليوم بأننا بتنا نمارس تسلطاً واستبداداً في الرأي بحسب وسعنا وطاقتنا، ونمارس ترفعاً على النقد والمراجعة والتصحيح والإعتراف بالخطأ، وإعجاباً بالرأي وأحادية في الفكر ومصادرة لآراء الآخرين، وانشقاقاً ذاتياً أصبح معه شبه مستحيل أن نتعايش أو نتفاهم أو نتفق على عمل مشترك أو برنامج مشترك؛ حتى عجزنا عن رد الظواهر لأسبابها، والمشاكل لعللها في كسل عن التفكير المنطقي الطبيعي، وتباطؤ عن العمل البحثي أو العلمي. وأضحينا لا نرى الألوان الرمادية، فإما معنا أو ضدنا؛ أبيض أو أسود، لا نرى مناطق الوسط والحلول الوسطية، إما حكم بالبراءة أو الإعدام، ومجتمع الملائكة أو الشياطين، قعر الجحيم أو قمة الفردوس.

إن عنصر الزمن يعطي المشكلة حجمها الحقيقي، ويكشف الفرق بين تخيلنا وبين واقع الحال؛ والغالب في الأزمات أن نتائجها وآثارها السلبية أقل مما نظن، وأن التحليلات الإعلامية تعطي بعداً إضافياً للأزمة، وأن الخيال يجنح ويجمح في تطوراته المستقبلية، وقد قال أبو الطيب المتنبي:

كُلُّ ما لَم يَكُن مِنَ الصَعبِ في الأَنـ         ــفُسِ سَهلٌ فيها إِذا هُوَ كانا.

*رئيس اللجنة الإقتصادية في حزب التنمية الوطني السوري

مصدر الصورة: الحرة.