د. هشام حمدان*

كلنا نعلم خطورة وشراسة العدو المتربص بنا. فهذا العدو، ينتظر الفرصة السانحة للإنقضاض على كل منا بعد أن نجح في سياسة “فرّق تسد”. لقد أمكن تدمير سوريا، قلب العروبة النابض، عندما خرجت من عروبتها، وأمكن تدمير العراق عندما اتجهت مطامعه نحو الكويت، وأمكن تدمير القضية القومية العربية عندما سادت الإيديولجيات الدينية. نجحت إسرائيل، وحلفائها، بتحويل العالم العربي من وحدة قومية إلى أوطان طائفية. لا يكذب أحداً علينا، فالشعارات لا تولد الحقائق التاريخية بل هي الوقائع على الأرض.

إن لعبة التخوين خطيرة جداً. ولطالما كان الأقدمون يقولون “مئة عدو خارج العتبة ولا عدو داخل العتبة”. وعليه، لا أفهم لماذا هذا الإصرار على خلق الأعداء داخل البيت الواحد؟ من جهة، الخلاف السياسي أمر صحي وضروري. ومن جهة أخرى، التخوين يخرج الأمور إلى منطق آخر، ويذكرنا بما حصل عامي 2004 و2005 وما أدى إليه في حينه، من سلسلة اغتيالات لم تنته مفاعيلها حتى الآن، بل هي مستمرة.

منذ فترة، قام الأمين العام للأمم المتحدة، انطونيو غوتيريس، بتذكيرنا بالقرار الأممي 1559 والمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، مطالباً بسحب سلاح حزب الله. بإعتقادي، أن مثل هذا التصريح يحمل في طياته بداية تنفيذ خطة يتم الإعداد لها، إذا أمكنهم ذلك. وفي هذا المجال، أذكر أنه عندما أرادت إسرائيل الإنسحاب من لبنان، سارعت الدول الحليفة لها، وأمين عام الأمم المتحدة في حينه، بالتذكير أن القرار 425 يقع تحت أحكام الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، وذلك تمهيداً لإجبار لبنان على الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع إسرائيل بحجة أن ذلك الفصل يتحدث عن حلول سلمية تفترض موافقة الطرفين.

أتى ذلك في وقت كثرت فيه المحاولات لتغطية العدوان، ومنح إسرائيل دعماً في موقفها، بأن احتلالها للبنان جرى ضمن إطار مبدأ “الدفاع عن النفس” وليس احتلالاً مخالفاً لقواعد وأحكام القانون الدولي ومبادئ الأمم المتحدة، وبالتالي تحميل لبنان جزءاً من مسؤولية ما جرى منذ اعتماد ذلك القرار. حينها، قمنا بالتصدي لهذه المحاولة شارحين أن ذلك القرار يخضع للمادة 40 من الفصل السابع، وأن الوجود الإسرائيلي في لبنان هو فعل احتلال، وعلى إسرائيل الإنسحاب من الأراضي المحتلة كما دخلتها.

أقول ذلك لأذكر أننا في خضم حالة مخيفة لا تسمح بمراهنات بل تفترض التعاطي المنطقي مع الأمور. فالإعتماد على عامل القوة ليس دائماً هو الحل. على الجميع أن يتذكر واقع قوة منظمة التحرير الفلسطينية قبل أحداث العام 1975. ورغم ذلك، انزلق لبنان إلى حرب داخلية مخيفة أنهت وجود المنظمة في لبنان، وخلقت متغيرات ما زالت آثارها مستمرة حتى الآن. إن المطلوب وقف التحديات المتبادلة، ولكن مع الحفاظ على حرية الرأي والتعبير.

في الواقع، علينا أن نقرأ بدقة المتغيرات الدولية فيما يعتبر جزءاً من استراتيجية عمل الولايات المتحدة مع المنطقة ومن بينها لبنان. فعهد الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، اختلف كليا خلال عهد الرئيس دونالد ترامب. فالرئيس أوباما، كان ينحو نحو حلول تمنع اللجؤ إلى استخدام أميركا للقوة، وكان يميل إلى تسويات كان يمكن أن تمنع المواجهة بين بعض القوى الإقليمية والمحلية اللبنانية مع إسرائيل. فيما يخص المنطقة، أيد الرئيس اوباما مبدأ حل الدولتين في فلسطين المحتلة، في وقت كانت علاقته مع رئيس وزراء إسرائيل، بينامين نتنياهو، سيئة. وعلى الصعيد الدولي، امتلك الرئيس اوباما رؤية ومفاهيم للعلاقات الإقتصادية الدولية قائمة على أساس التكامل وليس المنافسة. كل ذلك تبدل الآن، فالرئيس ترامب لا تهمه التسويات بل يريد فرض حلوله مستعيداً منطق “الحرب الباردة”.

وعليه، فعلى القوى الإقليمية والمحلية أن تقرأ سياساته بوضوح خصوصاً وأنه يتماشى كلياً مع ما يرغب به نتنياهو، بل حتى أن أحد كبار مذيعي محطات التلفزة الأميركية قال صراحة “إنه (أي ترامب) يساعده (أي نتنياهو) في إقامة إسرائيل الكبرى، وأنه مستعد للذهاب حتى حرب عالمية جديدة من أجل إسرائيل.”

لقد باتت المفاهيم العقائدية والدينية والمصالح السياسية والإقتصادية تطغى على الفكر الإستراتيجي للمسؤولين في الولايات المتحدة، وقد حذرت عند زيارة وزير الخارجية، مايك بومبيو، إلى لبنان قبل أسابيع، من الرسالة التي يحملها لنا ولأصدقاء لنا في العالم ولا سيما فرنسا مفادها “إما أن يكون لبنان في سفينتهم أو أنه سيدفع الثمن”. من هنا، لا يمكن للبنان أن يبقى لفترة طويلة ضمن سياسة “إجر بالبور وإجر بالفلاحة”.

ختاماً، أعود وأقول حذارِ من الفتنة. لا أحد في لبنان سيكون بمنأئ عن نتائجها. كل الذين كان لديهم مخططات وطموحات مسبقة، عليهم إعادة النظر بها، والعمل لتحصين البيت الداخلي، وتفعيل وحدتنا الوطنية.

*سفير لبنان السابق في المكسيك – باحث وأكاديمي

مصدر الصور: قناة الغد – IMLebanon.