إبراهيم ناصر*

التشابه بين المجتمعين السوداني والإثيوبي، من حيث التنوع الإثني والديني والثقافي والتاريخي والسياسي، وتشابه الشخصية القومية للشعبين، في العراقة والتمتع بإمكانيات النهوض والتطور، يدفعنا إلى القول بأن الشعب السوداني يمكن أن يتجاوز المرحلة المعقدة التي تمر بها البلاد منذ أن أُسقط حكم الرئيس عمر البشير وأنهى حقبة الرئاسية، بإنتفاضة شعبية مباركة، حرست بدم شهدائها، وفطنة ووعي شبابها، طبقاً لما تجاوز الشعب الإثيوبي أزماتهِ الداخلية.

وكما هو معلوم، منذ أن جلس رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، على كرسي رئاسة وزرائها، تشهد أديس أبابا تحولات سياسية وإجتماعية إيجابية، وطفرة إقتصادية نالت إعجاب الكثير من المتابعين والمهتمين. مؤخراً وفي إطار المساعي التي تبذلها حكومة آبي أحمد في توحيد الصف الداخلي، تمكنت من توحيد كلمة مسلمي إثيوبيا من خلال منع إنفراد أقلية به، وكذلك رفع يد الدولة القابضة من المجلس الأعلى الإسلامي، والذي كان مُسيطراً عليه من قبل الأنظمة التي تعاقبت على حكم إثيوبيا.

ومنذ أن تأسس المجلس الأعلى الإسلامي بمبادرة ودعم من نظام منغستو هيلا مريام، في منتصف السبعينات من القرن الماضي، تفرض الدولة سلطتها عليه بهدف خلق توازن في القوة بين المكونات المسلمة والمسيحية في إثيوبيا بعد سقوط النظام الملكي الأثيوبي.

وبينما تسعى الحكومة الإثيوبية بقيادة رئيس وزرائها آبي أحمد إلى تقوية تماسك شعبها من الداخل، نلاحظ بأن الساحة السودانية تشهد حالة من الإنقسام السياسي الشديد، بين عسكريين ومدنين، بسبب خلاف في كيفية إقامة نظام جديد يخلف نظام الإنقاذ السابق.

أما حالة التشظي القائمة في المشهد السياسي السوداني، فهي لا تنحصر بين العسكريين والمدنيين، بل نراها قائمة بين القوى الفاعلة التي حركت الشارع، إذ نشب خلاف حول الوثيقة الدستورية التي تقدمت بها “قوى إعلان الحرية والتغيير” للمجلس العسكري، حتى دفعت بعض القوى السياسية الى عدم الإعتراف بها، فضلاً عن ذكر البعض للنواقص التي تعتريها حسب رأيهم.

وفي آخر إجتماع صحافي عقده الباشمهندس عمر الدقير، رئيس حزب المؤتمر السوداني، أعطى إيماءات بأن هناك خلاف بين القوى المكونة لكيان إعلان الحرية والتغيير، ودعا إلى إحتواء الإختلافات في الرؤى والتصورات في دوائر النقاش الضيقة، دون الإضرار بوحدة وتماسك الكيان، حتى تتجاوز البلاد المرحلة المعقدة.

وبالتالي، يتوجب على جميع القوى السياسية الفاعلة بالساحة السودانية، سواء كانت عسكرية أم مدنية، أن يحيدوا مشاكلهم الصغيرة ويقدموا عليها مصالح وإستقرار البلد لأن المرحلة الحالية تحتاج من الجميع تقديم التنازلات بحيث يتجنب السودان سيناريو الفوضى الذي رسمته القوى المناهضة للتحول الديمقراطي بالبلاد.

وبالعودة إلى التغيرات الإيجابية التي تشهدها جارة السودان الشرقية – أي إثيوبيا – هي عبارة عن مثال في كيفية إدارة التحولات المفاجئة التي تشهدها البلاد دون ضرب استقرارها، وعليه نوصي الفاعليين السياسيين والعسكريين بالإحتذاء بهذا النموذج، في بناء جسور الثقة بين مكونات الشعب المختلفة، حتى يُنتشل السودان من أزمته الماثلة بسلام، وتأسيس نظام ديمقراطي يحقق شعارات الثورة “حرية – سلام – عدالة”.

*متخصص في الشؤون الإفريقية وباحث في مركز أنقرة لدراسة الأزمات والسياسات – “أنكاسام”

مصدر الصورة: The Economist.