يارا انبيعة

تعد صناعة الدواء من الصناعات المستدامة لأنها مرتبطة بحياة الإنسان وغير قابلة للكساد، ولكنها في نفس الوقت من الصناعات المرتفعة التكلفة نظراً للمواصفات الخاصة التي تتطلبها وارتفاع تكلفة التقنية المستخدمة في صناعتها، فكان على المنطقة العربية تجاوز كل هذه التحديات للصعود بصناعة الدواء العربية وتحقيق الأمن الدوائي لمواطنيها.

في الخليج، يعلم المواطنون جميعاً بأن النفط لا يغنيهم عن كل شيء، وإنما يمكنهم الآن من فعل اي شيء لإنقاذ المستقبل الغامض من دون نفط وغاز. هذا الدرس تنبهت اليه العديد من دول تلك المنطقة واهمها الكويت التي بدأت منذ فترة غير قليلة بإنشاء صناعات مهمة، كالأدوية، مدعومة بعملة نقدية هي الأقوى في العالم.

معوقات الصناعة

لمواجهة احتكار شركات الأدوية العالمية لصناعة الدواء والحد من الإرتفاع الجنوني في الأسعار (الذي يعتبر فقراء العالم والدول النامية أولى ضحاياه)، عقد في العاصمة الكويت فعاليات مؤتمر “أخلاقيات صناعة الدواء” الذي تقيمه “المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية”، حيث أكد الدكتور باسل الصباح، وزير الصحة الكويتي في كلمته التي ألقاها نيابة عنه الدكتور فاضل البدر وكيل الوزارة، أن الدول الغنية يمكن أن تتحمل عبء الإرتفاع الكبير في أسعار الأدوية، ولكن المواطنين في الدول الفقيرة لن يتمكنوا من الحصول عليه للإرتفاع الباهظ فيها، إذ ينعكس ذلك سلباً على التنمية بصفة عامة والتنمية المستدامة بصفة خاصة، كما ستبقى الدول الفقيرة في القاع غير قادرة على النهوض بمواطنيها، ومن هنا تأتي أهمية البحث عن حلول للمشكلة من جانب العلماء والخبراء لوقف النزيف المجتمعي من أبناء الدول النامية بسبب عدم قدرة المجتمعات على الحصول على الدواء اللازم وهو من المتطلبات الرئيسية لحقوق الإنسان.

إلى ذلك، تناول الشيخ ميرزا الصايغ، عضو مجلس أمناء هيئة آل مكتوم الخيرية، بالأرقام والإحصائيات مدى التأثيرات التي تنتجها مشكلة ارتفاع أسعار الأدوية، مؤكداً أن البحث عن حلول لها يمثل طوق النجاة للفقراء وذوي الحاجات والمحرومين والعاجزين عن الحصول على أقل القليل من الدواء، وكذلك الشفافية في كشف خبايا صناعة الدواء من حيث أساليب التصنيع ومكوناته وأساليب الغش في مكونات التصنيع والتدليس والتزوير، ومحاربتها جميعاً ليصل الدواء لمحتاجيه متوافقاً مع المواصفات العالمية مع ضرورة توافر الأمن والأمان والفعالية والجودة وبأسعار معقولة وهذا ما يجب أن تناقشه كل المنظمات العالمية وتتفهمه وتتحرك معه بإيجابية جميع حكومات الدول الغنية والفقيرة على السواء.

كما انتقل الشيخ ميرزا للحديث عن تأثير المشكلة فى الدول الإسلامية قائلاً “معظم الدول الإسلامية تقع تحت خط الفقر بدخل لا يتجاوز 630 دولاراً للفرد في العام ونصيبه من الدواء لا يتعدى دولارين فقط، ومن الغريب أن يتحمل الفرد في الدول الغنية من 0.6% إلى 25% من تكلفة الدواء بينما في الدول النامية يتحمل الفرد من 50% – 90% من دخله”، مختتماً كلمته بالقول إن المشكلة أصبحت فى غاية الخطورة حيث تتضافر فيها العديد من العوامل التي تلعب فيها العوامل البشرية دوراً كبيراً فيها خاصة الجوانب الأخلاقية فى عالم يسيطر فيه 10% من أغنياء العالم على 90% من موارد العالم، بينما 90% من السكان لا يملكون سوى 10%. وهذه العلاقة العكسية تؤكد أن الغالبية العظمى هم من الفقراء، وسيظل هذا الفارق موجوداً ما لم تكون هناك مبادرات عالمية قوية تنحاز للمحتاجين للأدوية ويتحرك العالم لتصحيح الأوضاع.

فضلاً عما سبق، يمكن الإشارة إلى مسألة احتكار عدد محدود من الشركات العالمية الكبرى لهذه التقنية والشروط المفروضة على الدول والشركات التي ترغب في صناعتها، بالإضافة إلى ارتفاع كلفة المواد الخام ومراقبة الجودة، والحاجة الى مراكز للبحث العلمي لتمكين الشركات من الإبتكار المتواصل والمنافسة أمام الشركات العالمية.

من هنا، أعلن وزير الصحة الكويتي أن الوزارة قامت، من خلال لجنة تسعير الأدوية، بدراسة المستحضرات الدوائية على 4 مراحل منفصلة تم خلالها تخفيض أسعار 3126 نوعاً منها بنسب متفاوتة ما بين 5% الى 86% حسب أسعارها المعتمدة في لجنة التسعير الخليجية وتوابعها. وأشارت الوزارة إلى أن عملية تحديد الأسعار التي تقوم بها الوزارة “ديناميكية مستمرة” وعمل يومي طالماً هناك تسجيل لمواد جديدة لخلق منافسة تهدف إلى خدمة المستهلك، وشدد الوزير على أن المنافسة تؤثر إيجاباً على صحة المرضى في المرافق الصحية وترفع من مستوى الخدمة الصحية في الدولة بالحصول على دواء آمن وفعال وبجودة عالية وسعر مناسب.

تحضيرات مستقبلية

تناول تقرير صادر عن شركة ريسيرتش اند ماركتس للأبحاث الاقتصادية النظرة المستقبلية لسوق الكويت للصناعات الدوائية خلال الفترة بين عامي 2018 و2022، حيث أشار إلى أن هذا السوق يمر في مرحلة النمو مستمداً الزخم بشكل أساسي من مبادرات الرعاية الصحية الحكومية، وقد أدى ازدهار صناعة النفط والغاز والتنويع المحدود في القطاعات الأخرى إلى الحد بشكل كبير من أنشطة التصنيع في الكويت. ونتيجة لذلك، ظل الإنتاج المحلي للأدوية في البلاد منخفضاً في ظل استيراد معظم الأدوية المستهلكة نظراً لأن المستهلك يفضل، بشكل عام، المنتجات الدوائية المسجلة والعلامات التجارية المعروفة، والتي ساعدت على توسيع منظومة التمويل الحكومي.

إلى ذلك، هناك عدد من المبادرات الحكومية التي توجه سوق الأدوية في الكويت منها منح 12 شركة تصاريح طبية لبناء مصانع أدوية في البلاد بالتعاون مع الهيئة العامة للصناعة، ما ضاعف تقريباً ميزانية الإنفاق على الرعاية الصحية بين عامي 2010 و2016 لتصل نحو 2 مليار دينار في العام 2016، وهناك أكثر من 20 مشروعاً حكومياً كبيراً للرعاية الصحية قيد التنفيذ بقيمة 3.5 مليارات دينار في البلاد.

وتوفر طاقات التصنيع المحلية المحدودة أيضاً عدداً من فرص النمو لشركات الأدوية متعددة الجنسيات والإقليمية لدخول صناعة الأدوية الكويتية، ويتوقع نمو الإستثمارات الكبيرة الرامية لتطوير قطاع الرعاية الصحية عبر نظام الشراكة بين القطاعين العام والخاص في سوق الأدوية أيضاً في السنوات القادمة.

إلى ذلك، أشارت العديد من المعلومات إلى أن الكويت تلقت عروضاً من دول أوروبية في هذا المجال، إذ تستهدف الكويت إنشاء مصانع للأدوية من خلال الشراكة مع ذوى الخبرة من المصانع العالمية، في نية لتوفير حوالي 300 مليون دينار، كثمن للأدوية سنوياً، حيث تعمل هئية الصناعة الكويتية على “دراسة للتعاون مع بعض الدول المهتمة بالتطوير الصناعي، خاصة في مجال تكنولوجيا الريبوتات والبرمجيات، وسوف تظهر بوادر هذه الدراسة في الأشهر القادمة.”

ختاماً، لم ترقَ صناعة الأدوية في العالم العربي بعد إلى مستوى الصناعة الأجنبية، إذ تعاني من مشاكل كثيرة أهمها افتقار الوطن العربي لمراكز الأبحاث والتطوير التي من خلالها يتم تصنيع المادة الدوائية الخام واكتشاف أمصال جديدة للأمراض، والإعتماد على الأدوية الأجنبية، وعدم تشجيع مصانع الأدوية الوطنية بالشكل المناسب الذي يجعلها تنافس الدواء الأجنبي وتتكامل مع مصانع عربية أخرى، فضلاً عن موجة الإحتكار والإستحواذ من مصانع الأدوية الأجنبية للمصانع العربية بهدف توسيع أسواق تصريفها في المنطقة العربية.

مصدر الأخبار: وكالات.

مصدر الصور: thenational.ae – الإقتصادية.