حوار: سمر رضوان
إن تعزيز واشنطن وجودها العسكري في منطقة الخليج، يرجع وبحسب تقارير استخباراتية لصد وردع أي هجوم إيراني محتمل، في حين رفض الرئيس حسن روحاني هذه التهديدات مبينا قدرة إيران على مواجهة أي تهديد وتخطي هذه المرحلة الصعبة، بينما الأوروبيون يحاولون تخفيف القلق عبر إطلاق التحذيرات لكلا الطرفين والبحث عن التهدئة.
عن مآلات التصعيد بين الولايات المتحدة وإيران، وتأثير ذلك على ملفات المنطقة، سأل مركز “سيتا” الأستاذ محمد الرميزان، الباحث في قسم البحوث بمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في الرياض، عن هذا الموضوع.
جدية في التعامل
بالحديث عن موضوع العقوبات الأمريكية والدولية على إيران، ينبغي التركيز على أن الدول الفاعلة في هذا الأمر جادة في التعامل مع طهران، وعلى رأس هذه الدول الولايات المتحدة لا سيما بعد وصول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض ومن ثم الإنسحاب من الإتفاق النووي.
بالنسبة إلى تصفير الصادرات النفطية، فهو سعي وضع النظام الإيراني على المحك كي يعلم أن سياسة الولايات المتحدة، والدول الفاعلة في هذا الأمر والحلفاء في مختلف دول العالم، في مرحلة عالية من الجدية تجاه سياسات إيران ونشاطها النووي وتدخلاتها في دول الشرق الأوسط، لا سيما في العراق واليمن، كما تشير العديد من المصادر الأمريكية والعالمية.
وفي هذا الشان أيضاً، ربما يوجد بعض الإختلافات السياسية بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين وكذلك بين الأوروبيين أنفسهم، لكن يجدر الذكر هنا أنه ورغم اتسام الموقف الأوروبي بالتمسك بالإتفاق النووي ظاهرياً، إلاَ أن الأوروبيين يظلون قريبين أكثر إلى الموقف الأمريكي في نهاية المطاف.
مواجهة محتملة
ويمكن الخروج بخلاصة أنه في ظل الإحتدام الحاصل بين الولايات المتحدة وإيران وفي حال وقوع مواجهة عسكرية خصوصاً بعد إرسال بوارج أمريكية عملاقة لمنطقة الشرق الأوسط، فمن الصعب أن نتوقع أن الموقف الأوروبي سيكون مع إيران لظروف علاقات أوروبا مع الولايات المتحدة، فضلاً عن المستجدات الأخيرة حول الأعمال التخريبية التي تعرضت لها بعض الناقلات البحرية، والتي كانت من ضمنها ناقلة نرويجية وناقلتين سعوديتين، كما أشارت بعض المصادر الإخبارية.
هذا الهجوم التخريبي الأخير يعزز فكرة أن الدول الأوروبية، ومعها الدول الصناعية الكبرى التي تعتمد على النفط في سياستها الإقتصادية وعلاقاتها الخارجية، لن تحتمل أي توتر أو تهديد لناقلات النفط أو الممرات الإقليمية والدولية للطاقة وذلك لسبب مهم أن مصالحها تتطلب سيولة وأمان تصديره.
كذلك، إن الهجوم التخريبي على مضخات النفط لشركة “أرامكو” في السعودية عبر طائرات بدون طيار، ما هو إلى محاولة فاشلة لخلق توتر في مسألة إمدادت النفط. فلقد أكدت الشركة، في تصريح لها، أن نتائج هذا الهجوم محدودة، وقالت إنه لن يؤثر على تعهداتها النفطية. كل هذه الحقائق تدل على أن هذه الهجمات والتهديدات لا تهدد دولة بعينها ولكن تهدد إمدادات الطاقة العالمية والتي تعتبر شأن دولي لا يمكن التعرض له لا سيما من قبل مجموعات أو ميليشيات إرهابية، وبالأخص تلك المدعومة من إيران.
تمرد جزئي
بالنظر إلى الموقف الإيراني، فهو بدون أدنى شك يتسم بالضعف من ناحية ومن ناحية أخرى يميل إلى الحيرة في كيفية التعامل مع المستجدات والتطورات السياسية لا سيما العلاقات الخارجية وبالتحديد مع الولايات المتحدة أولاً، ومع أوروبا ثانياً. يتضح حالياً أن إيران فقدت الثقة بالولايات المتحدة وبدأت بالتخاطب مع الأوروبيين والذين قد عبروا سابقاً عن تمسكهم بالاتفاق النووي السابق، إذ أبدى الموقف الأوروبي، تجاه الأزمة، رغبته في أن تلتزم إيران بالاتفاق النووي المبرم سابقاً رغم انسحاب الولايات المتحدة منه، ولكن الموقف الإيراني أعلن عن عدم إلتزامه الكامل بالإتفاق.
وبالنظر إلى التطورات والتصريحات الإيرانية والتقارير الدولية، لا تتسم إيران بالجدية في خروجها بشكل كامل من الإتفاق، ولكن ربما يكون هناك تمرد جزئي على بعض بنوده. وهنا يمكن الإشارة إلى أن تدهور الموقف الإيراني بدأ يتضح بسبب سياسية “تصفير” الصادرات النفطية الإيرانية، والتي كانت تبلغ من 2 إلى 2.5 مليون برميل يومياً، لكنها انخفضت بشكل كبير في العام الجاري، 2019، إلى أقل من نصف مليون. هذا الإنخفاض له تأثير لا متناهي على وضع الإقتصاد الايراني وتمويل الحكومة داخلياً وخارجياً.
أما فيما يخص التهديدات بإغلاق مضيق هرمز، فالنظام في إيران يطلق التهديدات منذ سنوات عديدة لا سيما في إغلاق المضيق وغيره، إلاَ أن ذلك لم يحصل وإيران تعي تماماً مدى خطورة الإقدام على مثل هذه الخطوة. أما إذا حصل ما حصل وتم التعرض لأمن المضيق والتأثير على ناقلات النفط، فإن ذلك لن يؤدي لتخفيف العقوبات بل ربما رفع العقوبات إلى مستويات أعلى، ورد مقابل من الولايات المتحدة وحلفائها.
إن المجتمع الدولي والدول الكبرى تعي بشكل كامل نشاطات إيران وأهدافها الداخلية والخارجية إذ ليس من ضرورة إلى أن تسعى الولايات المتحدة لتقديم أدلة “تحرج” النظام الإيراني وأنشطته التخريبية والتعدي والتدخل في شؤون بعض الدول، لا سيما العراق وسوريا واليمن. كذلك لا يمكن الجزم بأن المحور الإيراني في المنطقة انتصر لأسباب كثيرة منها التدهور السياسي والاقتصادي في الداخل الإيراني، وتقدم الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة وتصعيد العقوبات تجاه إيران، إذ لا يزال الضغط مستمر على النظام الإيراني ولا وجود لأية ظواهر لإستمراره أو استمرار تداخله سواء في دعم الميليشيات وغيرها في العراق وسوريا. إن الولايات المتحدة وحلفائها لديهم خطة استراتيجية في التعامل مع إيران، التي بدأت في التصعيد منذ تولي الرئيس دونالد ترامب إدارة البيت الأبيض؛ إذ يمكن الإيجاز بأنه في حال ازداد التمرد الإيراني، فسيكون هناك عقوبات أكثر، وكما أشار البيت الأبيض، في إعلانه، فإنه قد يسعى لوضع عقوبات لتقليل الصادرات الإيرانية في صناعة أخرى، غير النفطية.
سيناريوهات متوقعة
السيناريوهات المتوقعة تجاه التعامل مع النظام الإيراني، لا سيما بعد التطورات الأخيرة من الهجوم التخريبي لناقلات النفط في خليج عمان ووصول بوارج أمريكية عسكرية عملاقة، لا يمكن حصرها. الكل لا يريد الحرب، وإذا كانت الحرب مكلفة للولايات المتحدة، فهي مكلفة أكثر للنظام الإيراني الذي يعاني من تداعيات العقوبات الإقتصادية منذ سنوات عديدة إذا ما أخذنا بعين الإعتبار الفترة البسيطة خلال ولاية الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، والتي لحقها تطورات أضرت بالنظام الإيراني واقتصاده وعلاقاته الخارجية بعد إدارة الرئيس ترامب.
إلى ذلك، هناك الكثير من المحللين الذين يطرحون فكرة إمكانية تغيير النظام في إيران بتدخل خارجي أو بتأثير خارجي، وكلا هذين الأمرين واردين. هنا، تنبغي الإشارة إلى احتمالية تغيير النظام من داخل إيران والمقصود هناك تحرك القوى الداخلية في طهران، المتمثلة في الشعب الإيراني والقوى الحاكمة والجيش والسياسيين، والتي قد تبدأ بمطالبات تتضمن تعديل السياسة الإيرانية، وبحث فرص صلح مع الولايات المتحدة وبقية الدول العالم فضلاً عن جيرانها من العرب ودول الخليج.
يمكن القول إن بنية النظام الإيراني آيلة للسقوط لأسباب منطقية وسياسية وواقعية. فلو افترضنا أن هناك نظاماً آخراً تعرض لما تعرض له النظام الإيراني من عزلة دولية نسبياً وتقييد في الصادرات والصناعات، بل وحتى تصنيف جيش هذا النظام (الحرس الثوري الإيراني) كمنظمة إرهابية، فإن النظام لا محالة سيكون عرضة للتهميش والعزلة وربما السقوط في نهاية المطاف.
لقد حاولت إيران الصمود لسنوات في وجه العقوبات الدولية والأمريكية، خصوصاً، لكن يبقى الواقع الحالي من أقسى الأوقات على النظام الإيراني والذي بدأ يسبب لها عزلة سياسية، بالإضافة إلى فقدان صادرات النفط، والتوتر السياسي والعسكري مع دول العالم وأهمها الولايات المتحدة. كل ذلك، سيسهم في إحتمالية سقوط النظام الإيراني مستقبلاً.
مصدر الصور: سبوتنيك – روسيا اليوم.