يارا انبيعة
بهدف إغلاق الطريق أمام الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، حتى لا يلقي بمهمة تشكيل الحكومة على مرشح آخر مع انتهاء المدة الزمنية الممنوحة لرئيس الوزراء الحالي، بنيامين لنتنياهو، تعيش المحافل السياسية الإسرائيلية حالة ترقب غير مسبوقة حيث بدأ الكنيست مداولات اقتراح قانون يجيز له حل نفسه وذلك مع اقتراب انتهاء التفويض لتشكيل الحكومة. وفي حال تمت المصادقة النهائية على هذا القانون، فسيكون منتصف ليل 29 مايو/أيار 2019 اليوم الأخير للكنيست الـ 21، أي بعد أقل من شهرين على انتخابه، ومن ثم يتم توجيه الدعوة للناخبين إلى انتخابات جديدة.
إتهامات وإنقسامات
بعد انتخابات 9 أبريل/نيسان 2019، حصل نتنياهو على تفويض ريفلين لتشكيل الحكومة الجديدة، مدعوماً بأغلبية في الكنيست، مؤلفة من فصائل يمينية ودينية. لكن المحادثات الهادفة لتشكيل حكومة ائتلافية وصلت إلى طريق مسدود، وإن لم ينجح في إعلان حكومة جديدة، فإن الرئيس قد يختار نائباً آخراً لتكليفه بتشكيل الحكومة.
وقد يفتح ذلك المجال أمام إسناد المهمة إلى قائد الأركان السابق بيني غانتس، زعيم حزب “أزرق أبيض” المنتمي للوسط ومنافس حزب “الليكود”، لكن حل البرلمان وتحديد انتخابات جديدة سيلغي ذلك. هذا ودفعت الانقسامات التي ظهرت بين حزب “إسرائيل بيتنا”، القومي المتطرف برئاسة وزير الدفاع السابق أفيغدور ليبرمان، وحزب “التوراة اليهودي المتحد”، بشأن قانون للتجنيد العسكري، يتحكم في الإعفاءات الخاصة بطلاب المعاهد الدينية، محادثات تشكيل الائتلاف إلى الجمود.
التأثير على نتنياهو
بعض المعلقين وأعضاء في “الليكود”، يرون أن الدافع الحقيقي لليبرمان هو خلافة نتنياهو، فهو يستخدم قانون التجنيد وجمود محادثات تشكيل الإئتلاف لإضعافه سياسياً. في السياق ذاته حظي غانتس، الجنرال السابق بشعبية، في الإنتخابات السابقة حيث بدا منافساً سياسياً حقيقياً لنتنياهو في أول معركة سياسية يخوضها بعد تقاعدها بل أن الكثيرين يرجحون أن يحقق حزبه “أزرق أبيض” نتائج لافتة حال حل الكنيست وإجراء انتخابات مبكرة مجدد.
في الإنتخابات التشريعية الأخيرة، حصل حزب غانتس على 35 مقعداً في الكنيست، وهو نفس عدد المقاعد التي فاز بها حزب “الليكود”، الا ان نتنياهو قد تفوق بمقاعد الكتلة اليمنية داخل الكنيست خصوصاً أنه خاض الإنتخابات ببرنامج انتخابي، كانت أبرز نقاطه حكومة ليس بها فساد وتحقيق السلام والأمن.
وفيما يخص مسالة حل الكنيست، فقد يؤدي ذلك الى وقف إجراءات بدأ “الليكود” السير فيها بشأن منح الكنيست حصانة لنتنياهو من الملاحقة القضائية، وهو ما يفتح المجال أمام احتمال توجيه اتهامات إليه أثناء توليه منصب رئيس الوزراء. هذا وكان المدعي العام الإسرائيلي قال إنه يعتزم توجيه تهم فساد واحتيال لنتنياهو قبل محاكمته، المقررة في أكتوبر/تشرين أول 2019، غير أن الأخير تعهد بعدم الإستقالة، حتى إذا وجهت إليه اتهامات في وقت لا يوجد ما يلزمه قانوناً القيام بذلك.
مستعدون للإنتخابات
عضو الكنيست عيساوي فريج قال “إن حزب ميرتس سيصوت ضد اقتراح فض الكنيست الذي سيقدمه عضو الكنيست الليكودي ميكي زوهار في القراءة التمهيدية”، مضيفاً أن “فض الكنيست هو عبارة عن فشل ذريع لنتنياهو ولن نكون جزءاً من لعبته لتخليصه من مأزقه الذي وقع فيه.”
وتابع فريج بالقول “يجب أن يعلن رئيس الوزراء نتنياهو رسمياً للرئيس رؤوفين ريفلين، أنه فشل بتشكيل حكومة، وإذا فشل المرشح الآخر بتشكيل حكومة مركز يسار فلا يبقى لنا إلا الذهاب إلى انتخابات جديدة”، وختم قائلاً “نحن في ميرتس مستعدون لهذه الإنتخابات”.
شخص “مهووس”
المحلل السياسي في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، ناحوم برنياع، قال إن نتنياهو نسي فرضه انتخابات مبكرة على الدولة في المرتين اللتين جرت فيهما انتخابات هنا؛ مرة بسبب الصحيفة التي توزع مجاناً “يسرائيل هيوم”، التي تأسست من أجله، والمرة الثانية من أجل منع لائحة اتهام في قضايا الفساد المشتبه بها، لم يضع أمامه حينها مصلحة الدولة وإنما مصلحته الشخصية، المملكة مقابل الحصانة ونتنياهو “مهووس” بكل ما يتعلق به.
ولفت برنياع إلى أن ليبرمان يرى الوزراء الذين يدركون، منذ فترة طويلة، أن التهديد الحقيقي على حكم “الليكود” ليس من المعارضة ولا من الناخبين بل مصدره نتنياهو نفسه، وهم يدركون ذلك ويصمتون لديهم تطلعات للترقي، وتطلعاتهم هي الحبال التي تقيد أرجلهم، والشريط اللاصق الذي يغلق أفواههم، إنهم مهووسون.
هذا وصرح الرجل الثاني في قائمة “كاحول لافان”، يائير لبيد، أن قائمته مستعدة للإنضمام لحكومة برئاسة حزب “الليكود” شريطة ألا يكون نتنياهو رئيسها، لكن محللة الشؤون الحزبية في “يديعوت أحرونوت”، سيما كدمون، أكدت أن نتنياهو لا يحلم منح أي أحد في “الليكود” إمكانية تشكيل حكومة. واعتبرت كدمون أنه نظرياً، بإمكان “الليكود” برئاسة أي أحد آخر أن يشكل وبسرعة حكومة لم يكن هناك مثيلاً لها هنا منذ فترة طويلة، وستكون حكومة تلبي رغبات غالبية الشعب، وتوجد إمكانية لأن يبقى “الليكود” في الحكم من دون أن يكون نتنياهو رئيسه ومن دون جر الدولة إلى انتخابات أخرى وإذا لم يكن في “الليكود”، في الوضع الناشئ، أحد قادر على المضي خطوة واحدة للأمام، فإنه لا يوجد هناك أحد يستحق أن يكون الزعيم القادم.
إتجاهان متعاكسان
مع تقلص الفرصة الزمنية المتاحة لنتنياهو، فهو يعمل على مستويين متعاكسين؛ من جهة، هناك محاولات أخيرة لإستكمال المفاوضات للتوصل إلى ائتلاف حكومي. ومن جهة ثانية، يعمل على استكمال التصويت على مشروع قانون حل الكنيست، الذي قدمه زوهار وصودق عليه بالقراءة الأولى.
وفي حال لم يتمكن نتنياهو من تمرير قانون حل الكنيست، وبحسب تقديرات مقربين من ريفلين، فإن القرار بشأن تكليف مرشح آخر بتشكيل الحكومة سيصدر خلال يومين، بعد إجراء مشاورات مع رؤساء الكتل المختلفة في الكنيست. يأتي ذلك في وقت توجه فيه اتهامات بالفساد لنتنياهو، ما يجعله أكثر ضعفاً من الناحية السياسية، أمام مطالب شركاء الائتلاف المحتملين.
على الصعيد الإقليمي، قد يؤدي فشل نتنياهو في تشكيل حكومة أو الدعوة لإنتخابات مبكرة إلى تأجيل إعلان خطة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الجديدة بشأن “صفقة القرن” حيث أنه من المقرر أن يكشف فريق ترامب، بقيادة مستشاره لشؤون الشرق الأوسط وصهره جاريد كوشنر، عن هذه الخطة خلال مؤتمر استثمار دولي في البحرين، أواخر يونيو/حزيران 2019.
بالنسبة للرئيس ترامب فإنه يفضل إعلان الخطة في ظل وجود حكومة إسرائيلية، إذ أن القيام بإنتخابات مبكرة قد يعطل تشكليها، مما سينعكس على الصفقة لجهة التأجيل في وقت تضغط فيه الإدارة الأمريكية للإسراع بالكشف عنها والبدء بتطبيقها.
أما ما يستدعي التساؤل، من جهة الدول الكبرى، فهو الخوف على مستقبل نتنياهو السياسي خصوصاً بعد الدعم الأميركي الصريح له، والموافقة الروسية غير المباشرة عليه وإعطائها له “هدايا” سياسية على أبواب الإنتخابات التشريعية. فهل أن حل الكنيست أو اختيار شخص آخر غير نتنياهو سيؤثر على سريان “صفقة القرن” أم أن المهم لدى الأطراف الدولية وجود حكومة إسرائيلية بغض النظر عمن يرأسها؟
مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.
مصدر الصور: اليوم السابع – المركز الفلسطيني للإعلام – العربي الجديد.