حوار: سمر رضوان
في هجوم هو الثاني من نوعه على سفينتين في بحر عُمان، بعد تعرّض أربع سفن بينها ثلاث ناقلات نفط قبالة سواحل ميناء الفجيرة وتوجيه أصابع الإتهام نحو إيران وهو ما تنفيه الأخيرة، وضع جديد ومعقد يفتح عدد من السيناريوهات، أبرزها الحرب.
للوقوف على مستجدات هذا الهجوم والتداعيات المحتملة في منطقة إستراتيجية تربط العالم ببعضه إقتصادياً ومن حيث تأمين مصادر الطاقة والآثار المترتبة من جرّاء ذلك، سأل مركز “سيتا” العميد اللبناني المتقاعد ناجي ملاعب، الخبير العسكري والإستراتيجي، عن التطورات المحتملة لهذا الموضوع.
رسالة نارية
نحن أما حرب لا تماثلية تجيدها إيران لإعتمادها في الأساس على قوات الحرس الثوري أكثر الجيش النظامي. فاليوم، نرى أن تسليح الحرس الثوري، ودوره الإقتصادي القوي جداً، بدأ مع الثورة الإسلامية ولا يزال يقوى هذا الدور الى الآن، وهذه القوة بعيدة عن السياسة والديبلوماسية لا بل تتحكم بهما.
إن ما شهدناه، سواء في ناقلات النفط الأربعة في ميناء الفجيرة التي جرى فيها التحقيق الدولي، وأعلنت نتيجته التي اكدت ان التفجيرات سببها الغام بحرية. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: من يستطيع أن يزرع ألغام بحرية في هذا المكان؟
طبعاً لا الإمارات ولا السعودية ستقوم بزرع ألغام تستهدف مصالحها وسفنها، في حين يذهب الإحتمال الأكبر نحو إيران، خصوصاً وأنها بارعة فيها ولديها تقنية ليس فقط في زراعتها بل القدرة على إطلاقها عبر التوربيدات بشكل يوجه إلى السفينة مباشرة.
لذلك، من الوارد جداً أن يكون هذا الحادث رسالة إيرانية، وانا اؤيد هذا الإحتمال.
ورقة أمنية
عملياً، إن الأوراق التفاوضية بيد إيران، بعد الدعوة الأمريكية للتفاوض، باتت قليلة جداً فهي تخضع لضغط إقتصادي كبير، حيث ألزمت واشنطن الدول التي تستورد النفط من إيران على وقف إستيراده، بعد إنهاء فترة السماح، بما فيها الدول التي لم تتجاوب في البداية عادت وأوقفت شحناتها النفطية. من هنا، لم يعد لدى إيران سوى الورقة الأمنية من أجل تحسين موقعها.
بدأت إيران باللعب في هذه الورقة الأمنية عبر وكلائها حيث شهدنا دور الطائرات المسيّرة “الدرونز” التي تزود بها قوات عبد الملك الحوثي وضربت في الداخل السعودي مصفاتي نفط، وكذلك شاهدنا قيام الجهاد الإسلامي في غزة بتوجيه ضربات من خلال توجيه صواريخ على شكل صليات قوية وكثيفة أحدثت هلع في الداخل الإسرائيلي، بعدما حصلوا على التقنيات اللازمة من طهران.
إقتناص الفُرص
إن ما حصل من ضرب لناقلتي النفط، الأولى قادمة من السعودية والثانية من الإمارات المشغلة من قبل شركة يابانة، قد يكون رسالة إيرانية. من جهتي، أنا أؤيد هذا الرأي لعدة أسباب أبرزها عدم تدخل الولايات المتحدة في مجريات الأحداث وهي لن تقوم بأي رد عسكري ما لم تتضرر مصالحها، وهذا الموقف صدر عن قائد القيادة الوسطى الأمريكية.
من هنا، إن تحميل وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، يهدف إلى أمرين:
الأمر الأول: تحميل إيران المسؤولية عما حدث من أجل كسب حشد دولي – أممي، من داخل الأمم المتحدة ليس فقط من خارجها، يتم توجيهه ضد أعمال طهران العسكرية – الأمنية، بالوكالة عبر أذرعها أو مباشرة عبر الحرس الثوري. بالتالي، يمكن الحصول على موقف ما، أو دعم ما، أو حتى تحويل الأمر إلى مجلس الأمن واتخاذ قرار تحت الفصل السابع بسبب تكرار عملية استهداف ناقلات النفط. لذلك، يمكن تشكيل دوريات بحرية لحماية التجارة في تلك المنطقة، التي يمر فيها خمس بترول العالم عبر مضيق هرمز. هذه الدوريات، سوف تقوم بحراسة السفن القادمة من هذه المنطقة، ما يعني انتزاع النفوذ الإيراني عن المضيق.
الأمر الثاني: وقف تهريب إيران لنفطها وهو ما تسعى إليه واشنطن، وهو ما قد يتسبب في حرب إقليمية. لذلك، تطمح الولايات المتحدة إلى أن تكون هذه الخطوة تحت الفصل السابع ومن ضمن الأمم المتحدة. برأيي، لن تكون العديد من الدول، كاليابان وكوريا وروسيا حتى، بعيدة عن هذا الأمر خصوصاً وأنه يعتبر تهديداً للإقتصاد العالمي.
إكتفاء ذاتي
لم تعد الولايات المتحدة تعتمد كثيراً على النفط العربي خصوصاً بعدما أصبحت دولة مصدرة للنفط، فهي تعتبر ثاني دولة موردة بعد السعودية، وتناور مع روسيا من أجل الإستحواذ على السوق الأوروبية وإرغام دول الإتحاد الأوروبي النفط والغاز الأمريكي كبديل عن الروسي. لذلك، لن تقوم الولايات المتحدة بفتح نزاع مباشر لأنها لم تتضرر إقتصادياً.
من وجهة نظري، لا أريد القول بأن الولايات المتحدة تبارك ما حدث، ولكن يمكن القول بأن حادثة الناقلتين تصب في سياستها النفطية. وبالتالي، يكون أمام دول أوروبا ودول الشرق الأقصى حل من اثنين؛ إما الخضوع للإقتصاد الأمريكي، أو القيام بحراسة ناقلات النفط. وفي هذه الحالة، سيتم كشف الناقلات التي ستقوم بتهريب النفط الإيراني لكونها لن تخضع لحماية أممية.
لذلك، الوضع ليس معقداً كثيراً لكن توقعي أن تزداد العلميات على هذا الصعيد، أي أن نرى أكثر من عملية لتبرير وجهة النظر الأمريكية، حيث ان واشنطن لن تتدخل ما لم تتضرر إحدى سفنها، على غرار ما حدث في ثمانينات القرن الماضي، آواخر الحرب العراقية – الإيرانية، أن ضربت ناقلة نفط أمريكية فكان الرد قوي جداً على ميناء بإيران.
اليوم، نحن أمام دولة منتجة للأسلحة والصواريخ، أي إيران، ولديها قوة عسكرية قوية تستطيع أن تحارب بتقنيات حديثة، ولديها الكثير من الأسلحة ضد السفن دقيقة التصويب، كصواريخ بعيدة وقصيرة المدى، ولديها في المنطقة أذرع قوية ووجودها قوي، وهذا الوجود لن تخرج منه إيران لأنه في قلب عقيدة الجمهورية الإسلامية. فإذا أرادت واشنطن لي ذراع طهران من خلال وقف نفوذها في المنطقة، فهذا “أضغاث أحلام” أمريكية.
مصدر الصور: مونتي كارلو – الوطن العربي – موقع بزنس كلاس.