يارا انبيعة
يعد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، نفسه رجل صفقات أسطوري نجح خلال فترة حكمه في إبرام العديد منها، والتي كان من شأنها إحداث طفرة في مسيرة الإقتصاد الأمريكي. في الوقت ذاته، يحاول تسويق نفسه للأمريكيين ليقنعهم بمنحه أربع سنوات جديدة في البيت الأبيض لتكون مليئة بالأحداث، متخذاً من سلاحي البطالة والإزدهار الاقتصادي، الذي عاشته أمريكا خلال فترة حكمه، ذريعة قوية لإقناع الجماهير لإنتخابه مجدداً.
هذا ويتوقع عدد من خبراء الإقتصاد وقوع تهديدات متزايدة، بما فيها ارتفاع الدين العام بشكل كبير، لا سيما بعد التداعيات الإستراتيجية العدائية التي اتبعها الرئيس ترامب في التبادلات التجارية، مع الصين تحديداً، كما لم يتردد الرئيس في الإنخراط بحرب تجارية مطالباً برفع نفقات الحلفاء في ميزانية حلف الأطلسي – الناتو، وإعادة التفاوض حول اتفاق التبادل الحر “نافتا” مع المكسيك وكندا.
إتفاقية جديدة
أصبحت المكسيك أول دولة تصدق على إتفاقية التجارة الحرة الجديدة لأميركا الشمالية، التي تحل محل اتفاقية “نافتا”، حيث وافق مجلس الشيوخ عليها بأغلبية 114 عضواً مقابل رفض 4 أعضاء وإمنتاع 3 أعضاء عن التصويت. مارتي باتريس، رئيس مجلس الشيوخ، قال “إن قرار مجلس شيوخ الجمهورية سيساهم في منح المكسيك موقفاً قوياً في الظرف الدولي الراهن.”
هذا وتتضمن الإتفاقية الجديدة قواعد أشد صرامة على صادرات السيارات المعفاة من الضرائب ومنتجات الحليب إلى الولايات المتحدة، بما فيها إجبار المكسيك على تعزيز حقوق العمال. في الوقت نفسه، لم يمنع التوقيع على الإتفاقية الرئيس ترامب من التهديد بفرض رسوم على كل المنتجات المكسيكية إذا لم تتحرك المكسيك لوقف تدفق المهاجرين عبر أراضيها، وقد توصلت الدولتان إلى اتفاق بشأن هذه النقطة في اللحظة الأخيرة لتجنب فرض الرسوم الأميركية.
للعلم، وقعت الولايات المتحدة وكندا والمكسيك الإتفاقية التي أطلقت عليها الولايات المتحدة اسم “يو إس إم سي إيه” في نوفمبر/تشرين الثاني2018 .
ننافس العالم
بعد عام على خلافهما خلال “مجموعة السبع” في كيبيك، أكد الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، اتفاقهما على الدفع قدماً بالإتفاق التجاري الثلاثي، مع المكسيك، الذي يتردد الديموقراطيون الأميركيون في المصادقة عليه. وقال ترودو بعد اللقاء “بتجارة حجمها مليارا دولار (يومياً) بين البلدين، لا يمكننا تجاهل مدى أهمية التجارة الحرة للعلاقات بين كندا والولايات المتحدة”، وأضاف “هذا يعني الكثير من الوظائف لبلدنا وثروة كبيرة للدول الثلاث.”
وتابع رئيس الوزراء الكندي بالقول إن “هذا يجعلنا في موقع لا نتنافس فيه مع بعضنا، نحن ننافس العالم”، مؤكداً على أن ملايين الأشخاص والأعمال تعتمد على شراكة اقتصادية متينة بين البلدين.
من جهته، قال الرئيس الأمريكي “إن الاتفاق التجاري الذي وقعته الولايات المتحدة وكندا والمكسيك هو أكبر صفقة تجارية على الإطلاق”، داعياً الكونغرس إلى اقراره. وأضاف الرئيس ترامب “اتفاقية (يو إس إم سي إيه) ستكون أكبر صفقة تجارية على الإطلاق واعتقد ان الكونغرس سيوافق عليها بسرعة وستحظى بقبول الحزبين”، وتابع “إن هذه الإتفاقية “رائعة” للزراعة والصناعة والنقابات في الولايات المتحدة وكندا والمكسيك.”
كما لفت الرئيس ترامب إلى أن أطراف الإتفاقية الجديدة يتنافسون مع الإتحاد الأوروبي ومع الصين، مشيراً إلى أن ذلك يعطي “مساحة ومنصة أكبر للحوار”.
مشاكل مربكة
في السنوات السبع الأولى، تضاعفت اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية “نافتا” ثلاثة أضعاف وتضاعفت معها الإستثمارات الأجنبية بين الدول الثلاث ما زاد من نصيبها من الإقتصاد العالمي، في العام 2001، حيث بلغت أمريكا الشمالية ذروتها.
ومنذ ذلك الحين، تباطأت التجارة بين الدول الأعضاء، وتقلصت الصناعات التحويلية، وارتفعت الهجرة غير الشرعية، والعنف المتصل بالمخدرات؛ وفي الوقت نفسه، تعثرت أوروبا، وقفزت الصين إلى الأمام.
في هذا الشأن، يوضح العالم البارز وصانع السياسة، روبرت أ. باستور، أن ولاية “نافتا” كانت محدودة للغاية لمعالجة جدول أعمال أمريكا الشمالية الجديد، فبدلاً من تقديم مبادرات جريئة، مثل الإتحاد الجمركي لتوسيع التجارة، قامت مجموعات المصالح بوقف الأفكار الصغيرة مع منع المقترحات الأكثر جرأة، و لم تنجز الحكومات شيئاً تقريباً. وللتغلب على هذه المقاومة وتنشيط القارة، يتعين على القادة أن يبدأوا بفكرة تستند إلى مبدأ الإعتماد المتبادل.
ويتساءل باستور كيف يمكن لهذه الفكرة، التي تم دمجها مرة واحدة في الوعي الوطني للبلدان الثلاثة، أن تحشد الدعم العام للحلول القارية لمشاكل مثل البنية التحتية والهجرة التي أربكت كل دولة تعمل من تلقاء نفسها، حيث أنها توفر سياقاً تاريخياً أساسياً للقراء الذين يتسمون بالتحدي لعرض القارة بطريقة جديدة، تجمع فكرة أمريكا الشمالية بين رؤية توسعية ومخطط تفصيلي لأمريكا الشمالية الأكثر تكاملاً وديناميكية وإنصافاً.
وفي فكرة أمريكا الشمالية ذاتها، يكشف باستور فشل اتفاقية التجارة الحرة تلك، حيث يرى أنه ولإعادة تنشيط اقتصاد أمريكا الشمالية يحتاج قادة تلك الدول إلى البدء بفكرة تستند إلى مبدأ “إذا فشلت دولة واحدة وأصيبت جميعها الثلاثة، وإذا نمت واحدة فإنها تستفيد جميعاً”. وبالاستفادة من التجربة المباشرة كصانع سياسات ومحلل، يوضح باستور كيف أن هذه الفكرة كانت ذات يوم تنسج في الوعي الوطني للدول الثلاثة، ومدى اهميتها في تعبئة الدعم العام للحلول القارية للمشاكل التي أربكت كل دولة تعمل من تلقاء نفسها.
“الجدار العازل”
وعود عديدة كانت للرئيس ترامب، في حملته الإنتخابية قبل ولايته الأولى، كان من أبرزها بناء جدار حدودي مع المكسيك لمنع تدفق المهاجرين، إلا أنه وحتى الآن لم يستطع إكمال هذا الوعد نظراً لإعتراضات داخلية من الدوائر السياسية وخصوصاً الديمقراطييين الذين أكدوا على أنهم سيستخدمون “كل علاج متاح” لمنع نقل مليارات الدولارات من الحكومة الفدرالية من أجل بناء الجدار الحدودي بعدما أعلن الرئيس ترامب حالة الطوارئ.
من هنا، يسعى الرئيس الأمريكي إلى حلول أخرى حتى لتحقيق غرضه بمنع تدفق المهاجرين، بعندما نشر حوالي 5 آلاف جندي على الحدود، ومهدداً بفرض رسوم جمركية عقابية على مكسيكو بسبب الهجرة، إلا أن هذا الأمر تم تعلقه بعدما تم التوصل الى حيثية مؤقتة.
وفيما يخص المهاجرين غير الشرعيين، أعلنت رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، بأن رئيس البلاد يحاول، من خلال تهديده بترحيلهم جماعياً “تخويف” المجتمع، مشيرة إلى “إن التهديد الجديد للرئيس ترامب بشأن الترحيل الجماعي للمهاجرين غير الشرعيين عمل خبيث ومتعصب، والهدف منه فقط، غرس الخوف في مجتمعاتنا.” وأوضحت بيلوسي، أنه ينبغي على الرئيس التخلي عن هذه الإجراءات القاسية، وغير الفعالة، والعمل مع الديمقراطيين لدعم الإصلاح المعقول والفعال للهجرة الذي يعكس قيم المجتمع.
أخيراً، لم يكن يعلم “الغزاة” الأوروبيون، الذين انتشروا في أصقاع الأمريكيتين، أنه سيأتي من أحفادهم من يفرّق بين ركاب السفينة الوحيدة التي رست على السواحل الشرقية، وسيعتبر أحدهم نفسه أكثر رفعة من سواه. هذا “المتعجرف” الأمريكي يحاربهم تارة، ويسترضيهم أخرى. فهو بيد يبني الجدار وبالأخرى يوقع الإتفاقيات وليست “نافتا” آخرها.
إن يحدث للإقتصاد الأمريكي سيحدد ما إذا كانت “الموجة البيعية” الأخيرة، في الأسواق العالمية مدفوعة بمخاوف النمو الإقتصادي العالمي، سوف تمتد إلى حركة تصحيحية ملحوظة. كما ستقرر قوة الإقتصاد ما إذا كان العالم سوف يستمر في التباين بين الدول المتقدمة، التي تحد من تقلبات السوق، أم ستشهد الضعف الإقتصادي المتفاقم في أماكن أخرى يتدهور إلى تباطؤ اقتصادي عالمي متزامن حقاً.
مصدر الأخبار: سيتا – وكالات
مصدر الصور: Reddit – العرب اليوم – اليوم السابع.