محمود أبو حوش*

على خلفية التوتر الدائر بين طهران وواشنطن ومع حالة التشنج التي تشهدها منطقة الخليج العربي في ظل الهجمات المتكررة من عناصر مجهولة أو بالأحرى التي قد تكاد معروفة لدى بعض الأطراف، تتجه أصابع الإتهام إلى إيران لا سيما بعد حادثة إسقاط الطائرة الأمريكية المسيّرة داخل المجال الجوي الإيراني وتراجع إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عن الرد على طهران بمبرر إنساني لا ينسجم ولا يتناسب مع شخصيته البتة لكونه آخر شخص يمكن له الحديث عن أية قضية إنسانية من الأساس!

ومن المهم في ظل هذا الزخم الشديد الوقوف عند كل طرف من الأطراف، سواء كان الجانب الإيراني أم الأمريكي، لمعرفة ماذا يريد؟ كيف يحقق ذلك؟ وما هي الخيارات المتاحة أمامه؟

بالنسبة للولايات المتحدة أو لإدارة الرئيس ترامب تحديداً، ربما من الجدير ذكره في هذا الشأن القول إن الرئيس ترامب لديه ميل شديد لقيادة الولايات المتحدة لأربع سنوات أخرى، بعد العام 2020. ولكن في ظل تنامي نفوذ الديموقراطيين وحصولهم على الأغلبية في مجلس النواب الأمريكي على إثر الإنتخابات النصفية ناهيك عن إعلان جو بايدن نيته الترشح للإنتخابات الرئاسية المقبلة، وهو المرشح الأقوى إلى حد الآن، سيكونا عاملان شديدان على الرئيس ترامب ومستقبله الرئاسي.

بدون شك، كل تلك العوامل ستشكل تحدياً كبيراً بالنسبة للجمهوريين وللرئيس ترامب، بشكل أساسي، الذي سيعطيه دفعاً كبيراً في بحث عن كل المحاولات الممكنة لتحقيق آخر مكسب للسياسة الخارجية الأمريكية قبل الإنتخابات القادمة والتسويق لحملته القادمة بهذا المكسب المرجح تحقيقه.

والملاحظ أن هذا الدافع جاء تجاه الملف الإيراني، فالهدف الأساسي لإدارة الرئيس ترامب هو محاولة إيجاد اتفاق مع طهران يغني عن الإتفاق الذي إنسحب منه. وفي هذا الاتفاق يسعى الرئيس ترامب جاهداً للدفع بكل ثقل الولايات المتحدة، واستخدام كل سُبل الضغط، سواء العقوبات الإقتصادية أو الدبلوماسية عن طريق رسالة الوساطة اليابانية، من أجل محاولة إخضاع الطرف الإيراني للرضوخ أمام الشروط الأمريكية، والموافقة على التفاوض لإبرام إتفاق جديد.

لكن في نظري، لما كان هدف الولايات المتحدة الأساسي هو التوصل لاتفاق مع طهران، فلا غضاضة أن تعلن الولايات المتحدة خلال الأيام القادمة أنها تقبل التفاوض مع إيران دون شروط مسبقة، فهذا ليس مستبعداً بالمرة.

بالنسبة إلى طهران، فهي تدرك تماماً طبيعة التصريحات الأمريكية المتقلبة والتي تتسم بشخصية الرئيس ترامب المترددة والمضطربة وغير الثابتة، وهي أيضاً تعي جيداً أن الرئيس ترامب لا يتجرأ على يشن حرب على دولة هي بعيدة كل البعد عن مجال الأمن القومي الأمريكي، فهي تعلم أنه لا يستخدم إلا لغة التهديد، وإلا كان من باب أولى أن تشن الحرب على كوريا الشمالية التي كانت تمثل تهديداً واضحاً وصريحاً لمجال الأمن القومي الأمريكي.

ومن ثم نقول إن إيران تعلم يقيناً أنها قد تخطت مرحلة الحرب العسكرية مع واشنطن وأنها الآن بصدد حالة مناورة مع الأمريكيين على التفاوض؛ وبالتالي، فهي لن تخضع لطاولة التفاوض طالما كانت هناك ورقة العقوبات في يد الولايات المتحدة أو على الأقل محاولة إفسادها حتى تضمن أن واشنطن لا تستخدمها أثناء التفاوض. وبالتالي، فهي تسخر كل الوسائل لغرض إزالة العقوبات أو التقليل من آثارها.

فواشنطن تضغط بعقوبات من جهة، لا سيما بعد تصديق الرئيس الأمريكي أمراً تنفيذاً بتشديد العقوبات على طهران خلال هذا الأسبوع، ومن الجهة الأخرى يزداد الطرف الإيراني تعنتاً وإصراراً في تهديد الملاحة في المضائق البحرية وتخفيض إلتزماته في الإتفاق النووي.

فيما يخص موضوع الملاحة بالتحديد، وبالأخص مضيق هرمز، كان لافتاً ما نشره الرئيس ترامب تغريدة في غاية الأهمية بصدده حيث كان مفادها “أن الولايات المتحدة قد أصبحت أكبر مصدر للنفط بالعالم وليست بحاجة أن تحمي سفن الدول الأخرى في الخليج” كما ذكر أن الصين تستورد ما يقرب 91%، واليابان نحو 62%، “إذاً لماذا علينا أن نحمي سفنهم!”.

بإعتقادي، إن هذه التغريدة ينبغي الوقوف عندها كثيراً لأنها في غاية الخطورة والتي تعد بمثابة تغير تكتيكي في محور “مبدأ كارتر”، الحاكم للسياسة الأمريكية تجاه منطقة الخليج منذ فترة حكم الرئيس جيمي كارتر. ومن هنا أطرح سؤالاً غاية في الأهمية: هل بالضرورة أن يتضمن الإتفاق، الذي من المرجح أنه سيوقع بين طهران وواشنطن قبل الإنتخابات الأمريكية، أن يشمل ضمانات أساسية لأمن منطقة الخليج؟

في الحقيقة أن الإجابة على هذا التساؤل مؤجل إلى حيث عقد المفاوضات في الأساس حتى نستطيع أن الحكم على هذا الأمر. لكن دعونا نتصور أن، كما قال الرئيس ترامب، الولايات المتحدة أصبحت أكبر مصدر للنفط، وبالتالي لا حاجة لها في أن تحمي سفن الدول الأخرى. معنى ذلك أن أمن منطقة الخليج الجيو – ستراتيجي بالنسبة لواشنطن أصبح غير مهم.

في هذا الصدد، يمكن القول إنه من الوارد، وبشكل كبير، أن تعقد واشنطن إتفاقاً مع طهران ولا ينص على ضمانات أساسية لأمن منطقة الخليج. وفي تلك الحالة، لا يمكن القول سوى أن الولايات المتحدة قد منحت إيران دول الخليج كـ “هدية” فوق الإتفاق.

*كاتب مصري.

مصدر الصور: سي.إن.إن عربية – الحرة.