حوار: سمر رضوان
عُقدت في الأسبوع الماضي القمة الثالثة لمنتدى التعاون الصيني – الأفريقي، بمشاركة 51 زعيم دولة أفريقي، في وضع دولي مضطرب تشتد فيها الحرب التجارية بين الصين وأمريكا، وهذا ما دفع الكثير من المحللين والمتابعين بتوقع الكثير من التداعيات، الناتجة عن المتغيرات الجارية في العلاقات الصينية – الأمريكية، على الدول الأفريقية الساعية إلى الخلاص من حالة “التقتير” التي تفرضها عليها واشنطن والغرب منذ زمن بعيد، من خلال كسب الدعم الصين.
حول هذا الملف والتطورات المستجدة عالمياً سيما ما يتعلق بـ “القارة السمراء”، سأل مركز “سيتا”، الأستاذ إبراهيم الناصر، الباحث السياسي السوداني في مركز أنقرة لدراسة الأزمات والسياسات.
الإهتمام الصيني بأفريقيا: “قديم – جديد”
أعلنت بكين تخصيصها مبلغ قيمته 60 مليار دولار للمساعدات الإنسانية والاستثمارات الإنمائية التي سوف تسهم في تطور البنى التحتية والصحية والتعليمية والزراعية، بينما أمريكا تعِد دول القارة بتقديم مساعدات إنسانية تقدر قيمتها أقل من مليار دولار، كي تبقي حالة العناء والعوز كما هي عليه.
فمن المؤكد الاهتمام الصيني بالقارة الأفريقية ليس جديداً، إنما يرجع إلى بدايات تسعينيات القرن الماضي، حيث يلاحظ أن هذا الاهتمام يتعمق ويزداد يوماً بعد يوم، حتى أصبحت بكين أكبر شريك تجاري لدول القارة، حيث أعلنت المصلحة العامة للجمارك الصينية أن قيمة التجارة بين الصين وأفريقيا خلال الستة أشهر الأولى من العام الجاري (2018) بلغت 99.84 مليار دولار أمريكي بزيادة 17.3%، مشيرة إلى أن هذه الزيادة تتجاوز معدل نمو التجارة الخارجية للصين بواقع 1.4 نقطة مئوية.
قلق أمريكي
التبادل التجاري المتزايد بإضطراد بين الصين ودول القارة السمراء، يزيد من قلق الولايات المتحدة. ففي القمة الصينية – الأفريقية التي عقدت العام 2013، أُعلن عن حجم العلاقات التجارية والاقتصادية الثنائية بنحو 200 مليار دولار، وهو ما يزيد عن نحو ضعفي التبادل التجاري السلعي لأمريكا مع أفريقيا، حيث تشير بيانات وزارة التجارة الأمريكية إلى أن تبادلها التجاري السلعي معها، في العام 2013، بلغ 85.16 مليار دولار.
وبدل أن تسعى واشنطن إلى زيادة جحم تبادلها التجاري، جعلت من أفريقيا ساحة تنافس تجاري شريف بينها وبكين، فيما تحاول شن حرب تجارية ونفسية ضد الصين بفرض تعريفات جمركية عليها. بجانب ذلك، تقوم واشنطن بالضغط على دول القارة من أجل منعها فتح أسواقها للمنتجات والإستثمارات الصينية فيها.
القواعد العسكرية “مصدر” الإرهاب
بينما تسعى بكين بخطى واستراتيجيات ثابتة لزيادة إستثماراتها التنموية في القارة السمراء، يلاحظ أن هناك تزايد وبشكل غير مسبوق لتواجد عسكري أمريكي على دول القارة بدواعي غير منطقية. تارةً تتذرع بمكافحة الإرهاب، وأخرى بتدريب القوات المسلحة الأفريقية تحت مظلة منظومة “أفريكوم” العسكرية.
وإذا ما نظرنا إلى فوائد التواجد العسكري الأمريكي على دول القارة، نرى أنه لا فوائد تذكر بل العكس، حيث يتيح فرص “تفريخ” التنظيمات الإرهابية المناهضة لهذا التواجد، مثل بوكو حرام في منطقة الساحل الأفريقي وحركة الشباب المجاهدين في الصومال. فبالقدر الذي انتشرت فيه القواعد الأمريكية، ظهرت التنظيمات المسلحة، التي “تبرر” مشروعية التواجد العسكري. وبالتالي، لا منافع تجنيها دول القارة من هذه التواجد بل على العكس لكون مضاره أكثر، وهو ما تظهره معطيات الهجمات الإرهابية التي شهدتها مناطق متفرقة من القارة في ظل انتشار هائل لتلك القواعد.
الأمن أولاً
تأسيساً على ما تقدم، نلاحظ أن الاهتمام الأمريكي بالقارة الأفريقية يرتكز على دعامات أمنية بدلاً من أن يقوم على أُسس اقتصادية تسهم في تطور أوضاع القارة. أما الدور الصيني، فيقوم على أساس التبادل التجاري عن طريقة تدفع بكين لعجلة التنمية والتطوير.
فإذا ما تفحصنا خريطة الاستثمار الصيني، نلاحظ تواجد بكين في أطراف عديدة من دول القارة دون مراعاة لتقاسم القوى الغربية لتلك المناطق فيما بينها، إذ تمتلك الصين 10 آلاف مصنع نشط ينتج نحو 12% من مجمل إنتاج القارة بما يعادل 60 مليار دولار سنوياً، وهذا ما يتيح للمواطن الأفريقي فرص التوظيف. بالتالي، سيقلل من مشكلة البطالة التي تعد أكبر المشاكل التي تعاني منها دول القارة. فعلى سبيل المثال، تنفذ الصين في المملكة المغربية مشاريع استثمارية يعمل فيها ما يقارب على الـ 100 ألف شخص.
إن القيام بمشاريع بهذه الضخامة من طرف بكين، أعطى الأفارقة ثقة بهم وفتح لهم أبواب الاستثمارات، وفرص تنويع المستثمرين الأجانب، لا سيما إذا استطاعوا التخلص من التبعية الغربية ولو جزئياً.
الأولوية لبكين
إن الأفارقة على دراية تامة بأن الولايات المتحدة تمتلك مفاتيح الإقتصاد والتكنولوجيا في العالم، وليس من الحصافة ركنها واستبدالها بالصين. بجانب ذلك، يعلمون بأن للاستثمارات الصينية مثالبها إذ تتبع عملية يمكننا تسميتها “بالإستثمار الجائر” الذي لا يراعي المضار البيئية المترتبة عليه خصوصاً عندما يستخدمون “أردأ” انواع التكنولوجيا من أجل استخراج الثروات الطبيعية، كالبترول. غير أنهم لا يرون بأن واشنطن تمتنع عن إقامة مشاريع إنمائية كبيرة، كما بكين، بل العكس تحاول أن تقدم لهم القليل من المساعدات كي تحافظ من خلالها حالة التقتير القائمة.
من خلال المعطيات المتوفرة فيما يجري في العلاقات الأفريقية – الأمريكية والأفريقية – الصينية، يمكننا الإستشراف بأن الأفارقة سيولون علاقتهم ببكين أهمية أكثر لأن الطرف الصيني يقدم لهم المنح والودائع المالية بسخاء، وبينما الطرف الأمريكي يتعامل عليهم بإستعلاء ويستخدم توصيفات غير لائقة بهم.
مصدر الصورة: قناة العالم.