سمر رضوان*
لا يزال خبر إمتلاك تركيا لمنظومة الدفاع الجوية الروسية “إس – 400” موضوع إهتمام معظم وكالات الأنباء لجهة تحليل الحدث وأهميته، والأضرار المترتبة على النظام التركي جراء مواجهة واشنطن في مسألة عدم الإمتثال لأوامرها والخروج من “بيت الطاعة” الأمريكي.
لم تدخر أنقرة جهداً إلا واستثمرته مع بداية أحداث “الربيع العربي”، من خلال تدخلاتها سياسياً وعسكرياً في شؤون الدول الأخرى وبخاصة دول الجوار، الأمر الذي أفضى إلى خلق أعداء لها في أكثر من مكان. وبذلك، تكون أنقرة قد فقدت الكثير من جمهورها الذي كان يرى في الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بأنه حاكم للأمتين العربية والإسلامية. فإعتبار تركيا دولة محورية وضالعة في القضايا الإقليمية والدولية، ولّد حالة من الغرور والتصرفات المنفردة، مما شكّل صفعات متتالية للنظام التركي الحالي.
السيطرة بالقوة
رغم إمتلاك تركيا لكثير من المقومات والموارد المهمة جداً واستحواذها على أهم الصناعات وتصديرها لها، براً وجواً وبحراً، إلى جانب الناحية الثقافية وإهتمامها بها مع كل ما من شأنه أن يفيد الشعب التركي. إلا أن الأحداث الكثيرة المتلاحقة أثبتت، خلال السنوات الأخيرة، أن تركيا لها أطماعاً في العديد من الدول، وفي مقدمتهم سوريا وليبيا، فدورها في سوريا بات معروفا وبالتفاصيل، وفتحت طاقة جهنم عليها كما يقال في ليبيا، الأمر الذي واجهه النظام الليبي بتصعيد غير مسبوق، جعل من الأتراك أهدافاً في مرمى القوى الليبية الرافضة لهذا التدخل. فما إن تدخل أنقرة في ملف حتى يشتعل ملف آخر.
وآخر الملفات هو التحدي ومواجهة الإدارة الأمريكية رغم علمها بالأضرار المترتبة عليها جرّاء ذلك، إلا انها أصرّت على المضي في إستملاكها لتلك المنظومة، ما يجعلنا نتوقف هنا لنعلم من هم أعداء النظام التركي حقيقة. فالنظام التركي على علاقة وطيدة مع إسرائيل وكان كذلك مع واشنطن، وبعد أن كان هناك خلاف مع موسكو تم رأب الصدع فيما بينهما بعد حادثة إسقاط المقاتلة الروسية في سوريا، إذ يبدو أن تركيا خلقت لنفسها أعداءً جدد وفي جوارها تحديدا، فبحكم علاقاتها مع الدول الآنفة الذكر استقوت وحاولت إستثمار غض النظر الأمريكي عن كل المشاكل التي إستحدثتها في المنطقة، لكن بعد حالة العصيان يبدو جليا أن الأمور تراجعت للأسوأ، الأمر الذي سيلقي بظلاله على ملفات كثيرة لتركيا اليد الطولى فيها.
حرب الجوار
وبذات السياق، يمكن النظر إلى ما يحدث في بحر إيجة وإرسال تركيا سفنها للتنقيب عن الغاز بالقرب من جزيرة قبرص وإعتراض الأخيرة، وهو ما يؤكد أطماع تركيا بشكل لا حدود له، إذ يبدو سلّمت للأمر الواقع بأن الدخول إلى الإتحاد الأوروبي بات من المستحيلات، وأن العقوبات الأمريكية ستطالها لا محالة، وما تريده من سوريا وحلم المنطقة الآمنة ليس قريباً من “حبل الوريد” كما تعتقد بل سيزول مع إنتهاء الأزمة السورية، الأمر الذي يبقي صراعها مع الأمريكي قائماً رغم غموض الموضوع وعدم معرفة وحقيقة العقوبات التي ستطالها إلى الآن.
لكن في يد واشنطن العديد من الأوراق؛ فكما لم تتدخل في الإنقلاب الأخير، من الممكن أن يتجدد من تلقاء نفسه إن أرادت أمريكا ذلك، ومن الممكن إنعاش قضية القس آندرو برونسون مجدداً، إلى جانب الضغط عليها من الجانب الكردي سواء في سوريا أو العراق، ناهيك عن الموضوع الأهم ألا وهو تعليق عضويتها في حلف شمال الأطلسي – الناتو، إلى جانب الكثير من أوراق الضغط التي يملكها البيت الأبيض.
يعلم ويتجاهل
ربطاً مع ما سبق، كل هذه الملفات الضاغطة على الحكومة التركية تعيها وتدركها جيداً، ولكن على ماذا تستند أنقرة في تحدياتها هذه؟ فالشريك الروسي يناور على قضية النازحين السوريين ويدفع التركي إلى تسهيل عودتهم تباعا إلى بلدهم الأم، ما يعني أن الجانب الروسي هو المستفيد من تركيا لا العكس. وعلى الرغم من حالة الصداقة التي تجمعها مع إيران، لكنها تبدو أنها صداقة مؤقتة تميل بحسب الأوضاع ورجحانها وفي جلها قائمة على المصلحة من خلال عقود الصادرات والواردات والتجارة المتبادلة بينهما. وحتى السودان وأحلامه فيها تبخرت مع إقالة الرئيس السابق، عمر البشير، وضياع أحلامه من الغوص في أفريقيا من بوابة الخرطوم، ناهيك عن حالة العداء مع مصر في الموضوع الليبي، وحالة العداء مع السعودية والإمارات، التي قد تقطف ثمار هذه العداوة سوريا، في حين تبقى قطر هي الدولة الوحيدة المتبقية له في ذاك الخليج. إذاً ماذا كسب الرئيس أردوغان؟
لقد خسر حزبه الانتخابات الأخيرة ومع خسارته ذهبت عاصمتيه السياسية والإقتصادية، أنقرة وإسطنبول، إلى جانب إستقالة البعض من أعضاء حزبه على خلفية ذلك، ليأتي معه الموضوع الإقتصادي الصعب جداً والذي قد يورط شعبه به. فكيف سيتصرف وعلى ماذا يستند؟
على ما يبدو أن الرئيس التركي بات وحيداً، وستبدأ العزلة وخناقها تضيق عليه تباعاً، الأمر الذي قد يرغمه للإقدام على “حماقات” أخرى أكثر من السابق.
وفي المحصلة، “على نفسها جنت براقش”. إن الأطماع التوسعية لبعض الدول، ما لم تكن مدعومة من قوى كبرى، ستكون مصدر نقمة عليها وهذا حرفياً ما قام به الطيب أردوغان. فبسبب أطماعه، خسر أهم داعم له ألا وهي الولايات المتحدة. فعلى الرغم من وقوف روسيا إلى جانبه، إلا أنها لن تفضله على نفسها في ظل العقوبات التي تتعرض إليها هي أيضاً، على خلفية ضم شبه جزيرة القرم.
وبالتالي، إن هذه المسارات تشير إلى إنهيارات بالجُملة ستقع على النظام التركي، وسنشهد قطافها في العام 2023 بخسارة الرئيس أردوغان الإنتخابات الرئاسية لتنتهي معه حقبة حكم فيها حزب “العدالة والتنمية”، خاصة وأن شعبيته وحزبه تمر الآن بمنعطف خطير، إذ أنه ومن المتوقع أن يعود نهج مصطفى كمال أتاتورك إلى سابق عهده.
*المدير التنفيذي في مركز سيتا
مصدر الصور: سكاي نيوز عربية – إندبندنت عربية.