عامر ملاعب*

 

حتى تاريخه لم ينجح الرئيس المكلف تأليف الحكومة اللبنانية سعد الحريري في تقديم تشكيلة حكومية تحظى برضى الأطراف اللبنانية، وبرغم أنه قد حظي بتأييد 111 صوتاً من أصل 128 نائباً يؤلفون البرلمان اللبناني (أكثرية مطلقة)، وذلك منذ نحو 6 أشهر. فهل المسألة هي حصراً بشخص الرئيس المكلف بتبوء الرئاسة الثالثة؟

لا يخرج وطن الأرز يوماً من أزماته المتجددة والدائمة، والمتابع يلاحظ كيف تتولد تلك التعقيدات من رحم بعضها البعض، هي تركيبة المستعمر- المستثمر التاريخية في استيلاد التناقضات من قلب التركيبة نفسها، هي لعنة التاريخ والتناقضات الإقليمية والدولية، هي لعنة الموقع الجغرافي، هي لعنة بلاءه بطبقة متكاملة لا نقيض بينها إلا لحظة تقاسم الجبنة، رغم قلتها وندرتها، هي لعنة القلق الدائم وعدم الاستقرار وطلب معونة الخارج الأجنبي دوماً كي تبقى له مواطئ أقدام ومداخل متاحة للعب في الداخل متى شاء.

هذا الكلام ليس شعراً أو نقداً جزافاً بل هو الواقع الحقيقي بعينه، كيف لا وأزمات الحكم والنظام تزداد تعقيداً في كل يوم، لا يمكن أن يمر استحقاق دون أزمة، فأين تكمن المشكلة؟

منذ الاستقلال وحتى مشارف نهاية الحرب الأهلية (1943 – 1988) شهد لبنان تعاقب عدد من رؤساء الجمهورية، والغريب في الأمر أن عمليات الانتخاب قد تمت في مواعيدها الدستورية، لا بل أحياناً سبقت الموعد ببضعة ايام أو شهر من الزمن. ولكن هذا الأمر لم ينعكس على عمليات تأليف الحكومات أو مواعيد انتخابات مجلس النواب، بل كانت هذه العمليات معقدة جداً وتحتاج دوماً إلى “دافع” خارجي، أو انفجار داخلي، ومحرك إقليمي يفرض نوعاً من القوة في تنفيذ الكثير من القرارات.

بعد الطائف وحتى العام 2005، كان البلد في عهدة الوصاية السورية والتي عملت على تسيير شؤون البلد بـ “التي هي أحسن” كما يقال، وسارت الأمور بشكل صحيح وكل الاستحقاقات ضمن مواعيدها. ولكن مع انسحاب الجيش السوري من لبنان توقفت عجلة الحكم ودخلت البلاد في أزمات دائمة، لا بل مستعصية، وانتقلنا من أزمة تشكيل الحكومات إلى أزمات الفراغ في موقع رئاسة الجمهورية ولأشهر طويلة. وبذلك يتأكد لنا أن ميثاق هذه الجمهورية يتجه دوماً نحو الانفجارات بفعل عوامله الداخلية والدوافع الخارجية المساعدة.

وتستمر التباينات بين القوى السياسية حول كيفية توزيع الحصص الوزارية، وكيف اخترع أهل السياسة شعارات وتركيبات غريبة عجيبة عن “أنواع وطبقات” الوزارات، منها “السيادية” و”الدسمة” و”الهامشية” و”التراضي”، وحصرت بعض الوزارات بطوائف وقوى محددة.

المتابع يصل إلى حائط مسدود في فهم من أين تخرج على اللبنانيين كل يوم قضية أو عقدة جديدة، الأحجام والأوزان والحصرية في شكليات الداخل، والمحاذير الدولية في العوامل الخارجية، والتحالف واضح بين أركان السلطة على الهروب من مواجهة حقيقة الأزمة في تركيبة النظام والعوامل الخارجية. اما المواطن فعليه الانتظار حتى تحين لحظة التقاطع بين القوى الخارجية الفاعلة كي يحظى بحكومة.

ومن هنا، يجب قراءة اللوحة من مختلف الجوانب. فإذا كان العامل الخارجي هو الضاغط دوماً، فكيف يمكن ابتداع حلول محلية في المنطقة والعالم، ضمن عملية التأليف اللبنانية، من اجل الخروج بحكومة ثانية في عهد الرئيس العماد ميشال عون ما يطرح تساؤلات عن حقيقة الأزمة المستجدّة في البلاد وما إذا كانت العُقد التي تحول دون تأليف الحكومة داخلية فقط أم مرتبطة بالتطوّرات الخارجية في أكثر من منطقة. 

ان العُقد الداخلية تبقى هامشية إذا ما قرأناها من منظور الحجم والنوع، ومن التجارب السابقة يتبين لنا أن كل القوى الداخلية تسارع لتغيير كل مواقفها مجرد أن تهب العواصف من الخارج.

من هنا، علينا قراءة اللوحة الداخلية اللبنانية من منظار المحيط، واليوم نحن في قمة التغيرات الإقليمية، وبالتالي علينا أن نضع إشارات حول حقائق ما تعلنه هذه القوى، وطرح بضعة أسئلة على من يهمهم الأمر من القوى السياسية الفاعلة:

– كيف تنظر القوى الفاعلة والجديدة في ساحة السياسة الداخلية، مثل حزب الله والتيار الوطني الحر، الى مستقبل النظام السياسي المولد يومياً للأزمات؟ وأين برنامجها الوطني لتطوير النظام؟

– كيف تنظر القوى الشريكة في السلطة منذ عقود الى واقع الحال الذي وصلت اليه البلاد بعدما سلبت كل خير فيها؟
– أين القوى الحزبية والشعبية الأخرى في الضغط بإتجاه الفكاك من هذا التعقيد الدائم ويمكن أن تكون هناك آفاقاً أخرى للتطوير؟
– إذا كانت قضايا المنطقة معقدة ومتشابكة الا يمكن حل معضلات وقضايا الناس الحياتية؟

– السؤال الأهم للجميع: هل يمكن أن يستمر هذا النظام “الطائفي الريعي” الغارق بوحول الجريمة المنظمة بحق كل مواطن؟ أليس هناك من أفق؟

الجواب بالنسبة لكثيرين سلبي جداً، والتجارب السابقة تقول هذه الحقيقة ذاتها. ان الأزمة ليست في التشكيل بل في تركيبة كل هذه المنظومة المعقدة، من السياسيين، ولن تنتهي بمجتمع ينتج كل هذه المآسي.

 

*كاتب في الشؤون الإقليمية – باحث في مركز “سيتا”

 

مصدر الصورة: جريدة الأخبار.