إعداد: مركز سيتا

يعتمد نمو الإقتصاد العالمي على التجارة والتي تتم اليوم بشكل أسرع وأكثر فعالية من أي وقت مضى. وقد استطاعت شركة موانئ دبي العالمية حجز موقعها على خريطة الشحن البحري، لتصبح لاعباً أساسياً حول قارات العالم الست.

قفزة عالمية

تعد موانئ دبي العالمية “دي.بي وورلد” محفزاً رائداً للتجارة العالمية، وجزء لا يتجزأ من سلسلة التوريد حول العالم، وتعتبر “السفير التجاري” الإماراتي الذي إنطلق نحو العالمية في فترة زمنية قياسية، بقيمة استثمارية تتجاوز المليار دولار سنوياً.

فمنذ تأسيسها وإلى اليوم، تمكنت الشركة من الإنتشار في معظم أنحاء العالم بحيث باتت عملياتها تشمل 70 محطة بحرية وبرية في 31 دولة، وتقوم بمناولة ما يزيد على 60 مليون حاوية نمطية سنوياً بمعدل أكثر من 150 ألف حاوية يومياً، وهي تخدم حوالي 70 ألف سفينة حاويات في العام الواحد، أو ما يقرب من 190 ألف سفينة يومياً وسط توقعات أن يتجاوز هذا الرقم الـ 100 مليون حاوية العام 2020، وذلك تماشيا مع متطلبات نمو حجم التجارة العالمية مع المحافظة على هيكلية أعمالها التي تركز بنسبة 70% على بضائع المنشأ والمقصد، وبنسبة 75% على الأسواق الناشئة الأسرع نمواً.

إن النجاح العالمي الذي حققته الشركة إعتمد أساساً على عددٍ من المقومات الرئيسية كتلك التي ساهمت في تطور دبي وتحولها إلى مدينة عالمية بكل المقاييس، لعل أبرز هذه المقومات كان السعي إلى إضافة قيمة لكل ما تقوم به من أجل تمكين نمو الإقتصاد العالمي وتطور المجتمعات، إضافة إلى تبني الإبتكار.

وفي معلومات جديدة، أشارت العديد من التقارير إلى تحقيق الشركة لنتائج مالية قوية خلال فترة الـستة أشهر الأولى من العام 2019 والمنتهية في 30 يونيو/حزيران منه، حيث نمت الأرباح المعدلة قبل استقطاع الفوائد والضرائب والإهلاك والإستهلاك بنسبة 21.9%، كما ارتفعت العائدات المسندة بنسبة 26.8%.

في هذا الشأن، قال سلطان أحمد بن سليم، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لمجموعة “موانئ دبي العالمية”، إن النتائج المالية نصف السنوية جاءت متوافقة مع توقعات الشركة، مؤكداً أن الشركة تعمل من خلال فهم متعمق للأسواق وعناصر الإبتكار والتميّز التشغيلي في 45 دولة حول العالم. وعلى الرغم من حالة عدم اليقين التي أفرزتها الحرب التجارية والتحديات الجيو – سياسية الإقليمية الصعبة، تمكنت موانئ دبي العالمية من تقديم أداء رائع على نحو ملحوظ في النصف الأول من العام 2019.

موقع رائد

يعد جبل علي، أكبر الموانئ البحرية في منطقة الشرق الأوسط والتاسع عالمياً، المرفق الرئيس لشركة موانئ دبي حيث تساهم المنطقة الحرة فيه بأكثر من 20% من الناتج المحلي، علاوة على أنها تعتبر منطقة تناول لكل دول الخليج وبأرقام كبيرة. هذه المنطقة تشكل نموذجاً رائعاً للمراكز اللوجستية المرتكزة على الميناء، حيث تسعى مدينة دبي لتطبيق هذا النموذج على المستوى العالمي، كما في لندن والدوميكان.

فلقد تمكن الميناء على مدى العقود الماضية من ترسيخ مكانته وتعزيز دوره المحوري في حركة التجارة العالمية مستفيداً أولاً من موقعه الجغرافي على الخليج العربي، وثانياً من حجم الأسواق التي بات يخدمها، وثالثاً من إداراته ومهارته المبتكرة التي ساعدت على تطويره بشكل متواصل ولسنوات طويلة. يساعده في ذلك اتصاله مع بمطار آل مكتوم الدولي عبر ممر دبي اللوجستي والذي يشكل نموذجاً لنجاح مقاربة المناطق الإقتصادية القائمة على الموانئ والنقل متعدد الوسائط في حفز النمو الإقتصادي.

منافسة شديدة

إذا كانت الإمارات، حالياً، هي القوة البحرية الأكثر استباقاً وتوسعاً بسرعة في منطقة القرن الإفريقي، إلا انها ليست الوحيدة. فسلطنة عمان التي كانت إمبراطورية كبيرة في تلك المنطقة حيث عاشت لقرون تحاول الإستفادة من موقعها الإستراتيجي على المحيط الهندي، مما يسمح لها بتخطي مضيق هرمز من خلال تطوير موانئها في صحار وصلالة والدقم.

في مقابل التحرك السلس للسلطنة هناك، تواجه الإمارات معركة تنافسية شرسة تهدد موانئها. فقد استثمرت دول الخليج الأخرى بكثافة في تطوير موانئها والبنى التحتية اللوجستية الخاصة بها، كما ينذر الانخراط التركي – القطري في القرن الإفريقي، خاصة في الصومال، بتحديات جسيمة لموانئ الإمارات.

لقد دخلت السلطنة في أجواء المنافسة المحتدمة على موانئ جيبوتي، وبموجب اتفاق تعاون إستراتيجي تستثمر عُمان في أحد أهم موانئ الحاويات وهو ميناء دواليه، بعد تجريد شركة موانئ دبي من امتيازها فيه، بحيث سيملأ الإستثمار العماني “الفراغ” الإماراتي، في جيبوتي، الذي بدا أنها سيطرة ترتدي ثوب الأعمال.

خسارة أبو ظبي دفعتها إلى إطلالة حيوية على باب المندب عبر بوابة جيبوتي للتحول إلى إريتريا للتعويض من خلال إستثمار مساحة من القرن الأفريقي تعزز نفوذها في المنطقة لا سيما بعد ان بدأت حرب باردة تشتعل حول شواطئه للإستحواذ على موانئه. حرب باتت جلية في السنتين الأخيرتين، ومع اندلاع الأزمة الخليجية، العام 2017، في سبيل السيطرة على خطوط الملاحة العالمية إذ تسارع الدول إلى حجز مواقع لها على الخارطة الجيو – سياسية في الإقليم.

ففي الوقت الذي تخطط فيه الصين لإعادة إحياء “طريق الحرير”، عبر شبكة خطوط برية وبحرية لربط القارات الثلاث آسيا وأفريقيا وأوروبا، تعمل الإمارات على الإستحواذ على مناطق نفوذ إقتصادية في دول القرن الإفريقي، كالصومال وجيبوتي وإريتريا وإثيوبيا، إذ تختار الموانئ المهمة للإستثمار فيها بموجب عقود طويلة الأجل.

ومع الإتجاه شرقاً، فقد أعلنت الشركة عن توقيع شراكة مع المجموعة الإندونيسية الكبرى “ماسبيون جروب” لإنشاء ميناء حاويات ومنطقة لوجستية صناعية في جاوة الشرقية، بتكلفة 1.2 مليار دولار. وقالت الشركة التابعة لمجموعة دبي العالمية إنه سيتم بدء العمل على المشروع في وقت لاحق من العام 2019، فيما يخطط لتدشين العمليات التجارية خلال النصف الأول من العام 2022. ويعد المشروع المشترك، الأول من نوعه في قطاع النقل الإندونيسي بشراكة مع القطاع الخاص، تضم شريك استثمار أجنبي مباشر.

حرب الموانئ

تعتبر جيبوتي، بالرغم من أنها أصغر دولة في القرن الإفريقي، المركز التجاري الرئيسي بشرق أفريقيا ورابع أفضل دولة إفريقية طورت قدرتها على ربط العالم شرقاً وغرباً حيث يستقبل ميناءها ما يقارب على الـ 850 ألف حاوية سنوياً، وفقًا لإحصاءات البنك الدولي الذي يعتبر موانئ جيبوتي من الأكثر تطوراً في العالم.

ومن أجل منافسة موانئ أخرى كبيرة على البحر الأحمر، كميناء جدة السعودي، وعلى المحيط الهندي، كميناء صلالة في عُمان، تطمح جيبوتي إلى رفع كفاءة وقدرة موانئها لتتحول إلى مركز إعادة شحن دولي، في المقام الأول، كونها تنفرد بموقع استراتيجي لا تتمتع به موانئ أخرى تعتمد على نشاط إعادة الشحن مثل ميناء جبل علي في الإمارات الذي يستحوذ على حصة الأسد بطاقة استيعابية تبلغ 22 مليون حاوية سنوياً.

على إثر ذلك، وقع الخلاف بين أبو ظبي وجيبوتي ووصل إلى حد القطيعة واللجوء للمحاكم الدولية بين البلدين، خاصة بعد رفض الإمارات وشركتها قيام جيبوتي بتوسيع أو إنشاء موانئ جديدة على الساحل، مثل ميناء دوراليه متعدد الأغراض الممتد من ميناء دواليه للحاويات، والذي أنشئ لتلبية الخدمات اللوجيستية لدى سفن الشحن وحاويات النفط بتكلفة نصف مليار دولار، وهو جزء من استثمار مشترك من قِبل شركة كيناء جيبوتي وشركة “ميرشنس” الصينية. هذا الخلاف وصل إلى ذروته بُعيد فسخ جيبوتي للعقد المبرم مع الإمارات، في العام 2006، بسبب تعارضه مع المصالح الأساسية للدولة.

وفي أبريل/نيسان 2019، أصدرت محكمة لندن للتحكيم الدولي حكماً جديداً يقضي بدفع الحكومة الجيبوتية مبلغ 385 مليون دولار إلى شركة موانئ دبي العالمية على خلفية النزاع في قضية محطة دوراليه للحاويات، إذ خلصت المحكمة إلى أن الحكومة الجيبوتية انتهكت اتفاق الإمتياز، الموقع في العام 2006، والذي ينص على إقامة محطة حاويات في دوراليه وخاصة الحق الحصري على جميع مرافق مناولة الحاويات في منطقة جيبوتي. كما توصلت المحكمة إلى أنه عبر القيام بتطوير فرص جديدة لميناء حاويات بالتعاون مع شركة “تشاينا ميرشنتس” القابضة المحدودة ومقرها هونغ كونغ، فإن جيبوتي إنتهكت حقوق الشركة وخاصة الحقوق الحصرية.

أخيراً، فالبرغم من حدة التنافس الذي لم يقتصر بين دول الجوار الشاطئية لدولة الإمارات، بل أيضاً على منافسين على المستوى العالمي كالصين وتركيا وغيرهما، إلا أن الإمارات إستطاعت أن تحافظ على عالميتها وأن تكون رائدة في هذا المجال، حيث احتلت شركة موانئ دبي العالمية المرتبة الرابعة عالمياً للعام الثالث على التوالي في قائمة أكبر مشغلي الموانئ في العالم، وكانت الشركة الأقل تأثراً بالأحداث والإضطرابات السياسية التي عصفت في عدد من دول المنطقة.

مصدر الأخبار: وكالات

مصدر الصور: atlas-network – الجزيرة – العرب.