إبراهيم ناصر*
ربما يجوز القول بأن مسألة التضييق على الحريات وهضم حقوق الأقليات كانت من أكثر السمات السالبة التي لاحقت نظام الرئيس السوداني السابق، عمر البشير، خلال فترة حكمه وهذه السمات منحت القوى التي عارضته فرص إستغلالها لغرص “شيطنته” والتضيق عليه في كل المحافل الدولية والإقليمية، كما إستطاعت توظيفها لإسقاطه سياسياً على الصعيدين الداخلي والخارجي، وفي بالنهاية تمكنت من إستخدامها في تحريك الشعب ضده في ثورة ديسمبر/كانون الأول والتي أدت في النهاية إلى خلعه.
وعندما نقول الحريات والحقوق العامة، يتبادر إلى الأذهان حقوق المرأة وحقوق الأقليات وحرية التعبير عن الرأي وغيرها من الحقوق والحريات الأساسية، حيث لم يتحسن واقعها على مدى التاريخ السوداني الحديث وذلك بفعل السياسات القمعية والإجراءت التعسفية المضيِّقة عليها في ظل الأنظمة العسكرية الدكتاتورية المتعاقبة على حكم السودان.
لقد كانت هناك بعض القوى السياسية التي تدافع عن حقوق المرأة والحريات العامة ضد الأنظمة العسكرية، ولكن المؤسف أنها كانت ذات أغراض مختلفة وغايات سياسية متعددة. على سبيل المثال، دافعت حركة “الإخوان المسلمين”، بقيادة حسن الترابي، عن حقوق المرأة بغرض دمجها في المجتمع ولكن النهج الذي إتبعته حركة الترابي في دفاعها كان الهدف منه كسب دعم المرأة السياسي من أجل توسيع نفوذها داخل المجتمع السوداني.
الأمر نفسه حصل مع حركة “الإخوان الجمهوريين”، والتي تبنت هي الأخرى خطاباً أكثر ليبرالية وإنفتاحاً تجاه حقوق المرأة حتى سعى مؤسسها، محمود محمد طه، إلى تقديم طروحات دينية جديدة إعتبرها البعض طروحات مخلة بالمعتقد التقليدي السائد في السودان إذ أنه ينادي فيها بالمساواة بين الرجل والمرأة.
وبالتالي، كان الدفاع عن حقوق المرأة في تلك الفترة عبارة عن مزايدات سياسية تقوم بها القوى الفاعلة آنذاك في المزاد العلني السياسي دون تحقيق أي تقدم في وضع حقوق المراة السودانية.
ولكن في ظل متغير “ثورة ديسمبر” والدور الريادي الذي لعبته فيها، يمكن القول بأن المرأة السودانية إنتزعت حقوقها السياسية والإجتماعية كاملة غير منقوصة إلى حد كبير، حيث أجبرت القوى المتفاوضة بإسم الشعب السوداني بأن تعترف لها بنسبة مقاعد سيادية وصلت إلى 40%.
وعليه، ما دامت المرأة في السودان تعلب الدور المفتاحي في كل مجريات أحداث البلاد، فإن مستقبل حقوقها وحرياتها سيكون في محفوظ ومصون من قبل جيوش النسوة اللواتي صرن أيقونة لجميع نساء العالم.
وكما هو الحال في حقوق المرأة وحريتها، كانت الأقليات أيضاً من أكثر المكونات التي لم يُعترف بحقوقها في الحقب الماضية. ولكن للأمانة، لا بد من القول أنه في عهد نظام الإنقاذ مُنحت الأقليات المسيحية جزءاً بسيطاَ من حقوقها وحرياتها، مثل حرية التعبد والتمثيل السياسي، لم تجده الأقليات الموجودة في الدول الإسلامية الأخرى.
ومن البشريات التي أتت بها “ثورة ديسمبر” تخصيص مقعد للمكون المسيحي في المجلس السيادي الإنتقالي، وهذا إن دل على شيء انما يدل على تحقيق تقدم قدم فيما يخص حقوق الأقليات في السودان على مستوى الحقوق السياسية، على أقل تقدير. ولكن الخشية من أن الإسهاب في منح الأقليات حقوقها وحرياتها الدينية أن يؤدي ذلك إلى خلق ما يمكن تسميته بـ “دكتاتورية الأقلية”، ما سيدفع الأغلبية المسلمة إلى الإلتزام والمناداة بحقوق وحريات تثير حفيظة الأقلية كحق تطبيق قواعد الشريعة الإسلامية، على سبيل المثال. وبالنهاية، تكون النتيجة حالة من الشد والجذب بين الأقليات والأكثرية تسيطر على المشهد السياسي السوداني.
وأما في مجال حرية الصحافة والتعبير عن الرأي، نلاحظ بأن هناك تقدماً ملحوظاً تشهده الساحة السودانية في هذا الإطار، حيث يمكن الآن لأي صحفي مزاولة مهامه بكل حرية وأن يشق الصفوف المحصنة دون مواجهة أية حواجز حتى يصل إلى المعلومة الصحفية لأجل تنوير الرأي العام حول ما يجري خلف كواليس الإجتماعات، وهذا أمر قلما نشهده في دول العالم الثالث.
أخيراً، وبينما يشهد واقع الحريات العامة في حقوق الإنسان في العالم العربي والقارة الأفريقية إنتكاسات عديدة، نلاحظ بأن الوضع في السودان يسير نحو الأحسن. وبفضل ثورة “حرية – سلام – عدالة”، تغير واقع الحريات العامة في البلاد بجميع أشكالها، مثل حرية التعبير الرأي والإحتجاج السلمي وممارسة الحقوق الأسياسية، كما أن عدم إستفراد المؤسسة العسكرية بالحكم يعتبر الضامن الوحيد لصون الحريات العامة والحقوق التقليدية.
*باحث وكاتب سوداني
مصدر الصور: العربية نت – Middle East Online.