إعداد: مركز سيتا
في ذكرى إتفاقية أوسلو، في 13 سبتمبر/أيلول 1993، الموقعة ما بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، يأتي إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، نيته فرض السيادة الإسرائيلية على غور الأردن وشمال البحر الميت، وذلك قبل الإنتخابات التشريعية وحال فوره بتشكيل الحكومة المقبلة.
البحث عن مكسب
أعلن نتنياهو عن نيته ضم غور الأردن لبلاده، في تأخير للإعلان لأكثر من 15 يوماً بعدما أن اطلعه المستشار القضائي في الحكومة الإسرائيلية، أفيحاي مندلبليت، عدم قانوينة هذا التصرف بحجة أنه “قائم بالأعمال” ولا يجوز له اتخاذ قرارات مصيرية على غرار ضم غور الأردن.
وبحسب صحيفة الشرق الأوسط، اكدت مصادر مطلعة أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أفيف كوخافي، ورئيس جهاز الأمن العام – الشاباك، ناداف أرغمان، منعا نتنياهو من الإعلان عن ضم مناطق واسعة جداً من الضفة الغربية لإسرائيل، من بينها غور الأردن وشمالي البحر الميت وجميع المستوطنات، في وقت قرر نتنياهو فيه عقد جلسة حكومته العادية في إحدى المستعمرات اليهودية المقامة في غور الأردن. كما اشارت الصحيفة إلى أن نتنياهو “كان قد اتخذ قراره بهذا الشأن، عندما أدرك أن حظوظه للفوز بالإنتخابات تضمحل، وقرر الإعلان عن ذلك خلال المؤتمر الصحافي.”
تصرف دعائي
حول هذا الموضوع، يقول الأستاذ محمد زيد الكيلاني، الكاتب والباحث السياسي الأردني، في تصريح خاص لـ “سيتا” أن إعلان نتنياهو عن ضم غور الأردن وشمال البحر الميت في هذا التوقيت “هو دعاية انتخابية فقط، فهو لا يستطيع أن يقوم بمثل هذا الإجراء دون موافقة الأمم المتحدة. فعندما أراد مثل هذا العمل الدعائي، رفض العالم هذا التصرف بشكل مُطلق، حيث كان رفض الأردن واضحاً، قيادة وحكومة وشعباً، لكونه قد ينسف معاهدة السلام، خصوصاً مع دور عمَّان الهم في الشرق الأوسط لا سيما موقعه الجغرافي وملاصقته للحدود الفلسطينية، وتحديداً في شمال البحر الميت وغور الأردن.”
ويضيف الكيلاني “من يحاول أن يختبئ من صواريخ المقاومة لا يمكن أن يتخذ قراراً من هذا القبيل بأي شكل من الأشكال، فلقد كان مشهد هروبه من الباب الخلفي ودخوله للملجأ واضحاً عند القائه لخطابه الأخير، وهذا دليل على فشله في الكثير من الأمور وأبرزها تشكيل الحكومة. برأيي، لن ينجح نتنياهو في الإنتخابات التشريعية المقبلة، هذه الدعاية الإنتخابية تعد مقدمة واضحة على فشله.”
حدث غير مسبوق
اعتبر قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أن إعلاناً كهذا يشكل حالة سياسية وأمنية تنهي العلاقة مع السلطة الفلسطينية، مشيرن إلى أنه “ينبغي تنفيذه بعد مداولات عميقة، وعمل جماعي، واستشراف الأضرار المحتملة إلى جانب النجاعة” من خطوة كهذه، طارحين عدداً من سيناريوهات الأضرار المحتملة من عملية الضم الفورية لغور الأردن، عشية الانتخابات، من دون دعم أميركي كامل.
في هذا الإطار، يقول مسؤول سياسي إسرائيلي رفيع المستوى إن هذا كان حدثاً غير مسبوق في عهد نتنياهو الحالي، من ناحية نبرات الصوت المرتفعة، والإنتقادات الشديدة التي تبادلها الأطراف. إلا أن نتنياهو سيعيد حديثه مرة أخرى عن نيته ضم المنطقة، وربما يفاجئ بتصريح أشد حدة في حال حدث تطور لصالحه في نتيجة الإنتخابات المقبلة.
وأد لمشروع السلام
في هذا الشأن، يقول الأستاذ إيهاب زكي، الصحافي والكاتب السياسي الفلسطيني، لـ “سيتا” إن التعامل مع إعلان نتنياهو ضم غور الأردن بإعتبارها دعاية انتخابية “فيه الكثير من التبرئة للعقلية العدوانية للكيان الصهيوني، حيث أنها عقلية قائمة على استلاب الأرض وتهجير السكان بغض النظر عن المواسم الإنتخابية. فهذه المنطقة، التي تشكل 50% من الأراضي الخصبة في الضفة الغربية، هي عملياً تحت السيطرة الإسرائيلية، ويُطبق فيها القانون الإسرائيلي بحكم الأمر الواقع لوجود الإحتلال، ومنذ احتلالها تقوم قواته بالتضييق على السكان لتهجيرهم مقابل بناء المستوطنات.”
ويشير زكي إلى أنه وبعيداً عن الدعاية الإنتخابية فإن “هذا الإعلان يُشكل وأداً لكل ما يسمى بمشاريع السلام وصدمةً لكل من راهنوا عليها، حيث أن هذا الضم سيقضي على أية إمكانية لتطبيق ما يسمى بحل الدولتين الذي راهنت عليه السلطة الفلسطينية والأنظمة العربية عبر مبادرة السلام في قمة بيروت العام 2002، والإجراءات التي أعلنتها هذه الأطراف سلطة وأنظمة لا تعدو كونها أخبار تصلح ليوم واحد فقط بلا أية فعالية. وبغض النظر من سيفوز بالانتخابات الإسرائيلية، فإن هذه الخطوة هي تطبيق لعقيدة صهيونية راسخة حيث أرض بلا شعب لشعب بلا أرض.”
إدانات واسعة
أدانت صحف عربية إعلان نتنياهو هذا، إذ وصف بعض المعلقين دعوته بـ “المستفزة”، واعتبرها آخرون “تهديداً” للأردن، في حين حلل بعض المراقبين هدف هذا القرار بـ “إستقطاب المزيد من الجمهور المتشدد” في إسرائيل.
في هذا الصدد قال نبيل عمرو، في صحيفة الشرق الأوسط، إن “نتنياهو أو الساحر يخوض معركته المصيرية، في مدى زمني محدود خمسة أيام لا أكثر، وقد فرض عليه سباق حواجز في غاية الصعوبة، لو اضطر غيره لخوضه لتقطعت أنفاسه ولخرج منه في بداياته”، مضيفاً أنه رغم “الهالة الإعلامية الكثيفة”، التي سبقت إعلان ضم الأغوار وروجت له، “بدا في اليوم التالي قليل الفاعلية، فاليسار واليمين تحفظا عليه باعتباره لعبة انتخابية ساذجة، وصفت بأنها ضم أصوات وليس مناطق.”
أخيراً، يبدو أن نتنياهو يلعب على عامل الوقت محاولاً الإستئثار بفرصة ما تنقذه من السجن المحتوم، وسط توقعات ترجح إمكانية عدم فوزه في الإنتخابات المقبلة. وبالتالي، هذا السقوط سيحجب عنه الحصانة التي يتمتع بها ليكون فرصة مؤاتية لخصومه للإنتقام منه خصوصاً بعد فشله في كل المساعي التي حاول تحصيل مكاسب منها، ليس آخرها إستخدام طائرات بلا طيار سواء في العراق أو جنوب لبنان وحتى ذريعته قصف مواقع للقوات الإيرانية في سوريا. فهذا الإعلان وفشله، لا يغدو إلا تشبيهه بغريق يحاول التعلق بقشة، لكن الغرق سيكون مصيره المحتوم.
مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.
مصدر الصور: القبس.