إعداد: مركز سيتا

وافقت الحكومة اليابانية على القيام بعملية كيميائية للتخلص من أكثر من مليون طن من المياه الملوثة في محطة فوكوشيما النووية المدمّرة وصرفها في المحيط الهادئ، موضحة أنها ستقوم بمعالجة تلك المياه بحيث يجري تمييعها من أجل تخفيف نسبة الإشعاعات فيها لكي تصل إلى ما دون مستويات المياه الصالحة للشرب.

هذا الحدث، أدى إلى حصول نوع من التوتر السياسي في تلك المنطقة خصوصاً وأن طوكيو إعتبرت الأمر “شأناً داخلياً”، ناهيك عن أن مسألة الخطر النووي وتأثيراته على البيئة والإنسان قد بات معروفاً؛ فاليابان نفسها عانت من هذا الأمر على مدى عقود، ولا تزال، وذلك بعد استهدافها من قبل القوات الجوية الأمريكية في آواخر أيام الحرب العالمية الثانية (6 – 9 أغسطس/آب 1945) بقنابل ذرية، بالإضافة إلى الزلال الذي ضرب المحطة ذاتها، 11 مارس/آذار 2011، وأدى إلى إنتشار الإشعاعات النووية على قُطر وصل إلى حدود الـ 20 كلم.

اعتراضات واسعة

لاقت هذه العملية اعتراضاً من العاملين في قطاع الصيد البحري، كما اعترضت عليها أيضاً كل من الصين وكوريا الجنوبية، في وقت قالت فيه طوكيو إن عملية صرف المياه – التي كانت تستعمل في تبريد الوقود النووي – ستبدأ بعد عامين، وقد حصلت الموافقة النهائية على هذا الأمر بعد أعوام من النقاش حيث ستستغرق العملية عقوداً من الزمن.

من هنا، عبّرت منظمات حماية البيئة، من بينها “السلام الأخضر” ومنذ مدة طويلة، عن اعتراضها على صرف تلك المياه الملوثة في البحر، وقالت المنظمة إن قرار اليابان بصرفها للمياه يعد دليلاً على أن الحكومة “خذلت سكان فوكوشيما مرة أخرى”.

وكون البحر هو مورد رزقهم، فقد اعترض العاملون في قطاع الصيد البحري على تلك العملية، مبررين ذلك بأن “المستهلك سيرفض شراء الأسماك الواردة من المنطقة” خوفاً من أن تكون “ملوثة” نووياً.

لكن ما يقلق الصيادين أكثر هو أن مادة التريتيوم المشعّة – الموجودة في المياه – يمكن أن تهضم، فهم يخشون أن تنتقل المادة إلى المستهلك عن طريق الأغذية البحرية، وهذا الاحتمال قائم كون العلماء لم ينفوه تماماً، لكنهم يجمعون على أنه لا يشكل تهديداً للصحة البشرية. ويشير العلماء أيضاً إلى أن التفجيرات النووية الأمريكية والفرنسية والبريطانية في أربعينات وخمسينات وستينات القرن الـ 20 قد تسببت بنسبة إشعاعات أكبر بكثير في المحيط الهادئ.

على صعيد الدول، أثار القرار حفيظة جيران اليابان، إذ عبر وزير الخارجية الكوري الجنوبي، تشونج ايوي – يونج، عن “أسفه الشديد” قبل موافقة الحكومة في طوكيو على العملية، في حين أصدرت وزارة الخارجية الصينية بياناً وصفت فيه القرار بأنه “غير مسؤول للغاية”، حيث قالت إن سلوك طوكيو لن يؤثر فقط سلباً على اليابان، بل يشكل تدميراً خطيراً للصحة العامة الدولية ولمصالح الدول المجاورة. وأكدت الخارجية الصينية أن بكين تحثّ طوكيو على مراجعة هذا الملف والاستجابة لقلق الأطراف المعنية، مضيفة أنها ستركز عن كثب على هذه القضية مع المجتمع الدولي.

ترحيب أمريكي

في المقابل، بدا الموقف الأمريكي “مسانداً” لليابان، إذ قالت الولايات المتحدة إن “العملية تلتزم بالمعايير المعمول بها عالمياً في مجال السلامة النووية”.

وفي هذا الشأن، إذ غرّد وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، على “تويتر” قائلاً “إنهم يقدرون جهود اليابان الشفافة في اتخاذ قرار بالتعامل مع مياه الصرف النووية من محطة فوكوشيما للطاقة النووية، ويتطلعون إلى استمرار تعاون الحكومة اليابانية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.”

كما أصدر المتحدث بإسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، بياناً أعرب فيه عن تفهمه للقرار الياباني، قائلاً إنه في ظل الظروف الصعبة، اتخذت الحكومة اليابانية قراراً شفافاً يمكن الاعتراف به عالمياً ويفي بمعايير السلامة النووية. وذكر البيان أن الولايات المتحدة تعتقد أن الحكومة اليابانية قامت بمقارنة ودراسة خيارات عديدة وتأثيراتها المتعددة فيما يتعلق بإدارة مياه الصرف النووية، كما أكد على أنه من أجل مراقبة آثار التصريف في البحر، ستشارك الولايات المتحدة المعلومات ومواصلة التواصل مع اليابان.

من خلال ما سبق، يمكن القول بأن موقف واشنطن يعد نوعاً من “استفزاز” الصين أكثر منه مساندة لليابان، حيث يرى العديد من المراقبين بأن عمليات الاستفزاز الأمريكية تلك تهدف إلى الايقاع بين بكين وجيرانها أكثر، خصوصاً بعد التوترات التي جرت مؤخراً وأبرزها الحديث عن “غزو” صيني وشيك لتايوان.

موقف طوكيو

من جهتها، لا ترى اليابان ضرراً في صرف هذه المياه في البحر، وحجتها أنها خضعت للمعالجة وأزيلت منها جميع العناصر المشعة تقريباً، فضلاً عن تمييعها، كما أن العملية حصلت على دعم من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي وصفت صرف المياه بأنه شبيه بالتخلص من المياه الملوثة في أية محطة أخرى في العالم. وقال مدير الوكالة، الجنرال رفائيل ماريانو غروسي، إن “صرف المياه في المحيط يتم في أماكن أخرى، فهذا ليس أمراً جديداً، ولسنا هنا أمام فضيحة”.

ويرى علماء أن العناصر المتبقية في المياه لا تضر الإنسان إلا إذا أخذ منها جرعات كبيرة؛ وعليه، فإن المياه المعالجة بعد تمييعها لن تشكل خطراً يذكر. أما بالنسبة إلى مادة التريتيوم، فيشير العلماء إلى أنها تعيش مدة لا تتجاوز الـ 24 عاماً وبعدها ستندثر من البيئة تماماً في غضون عقود من الزمن، وليس بعد قرون كغيرها من المواد المشعة.

خيبة أمل

أشار العديد من المختصين في مجال حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، أن التخلص من مليون طن من المياه الملوثة يفرض مخاطر كبيرة على التمتع الكامل بحقوق الإنسان للسكان المعنيين داخل حدود اليابان وخارجها؛ وبالنظر إلى التحذيرات الصادرة عن دعاة حماية البيئة وبعض الحكومات من أن تصريف المياه سيؤثر على العديد من الأشخاص فضلاً عن البيئة بشكل عام، فقد وصف الخبراء قرار الحكومة بأنه “مقلق للغاية”، خاصة وأنه جاء بعد أعوام من المناقشات اليابانية مع المجتمعات، بما ذلك قطاع صيد الأسماك – الذي تضرر بالفعل من كارثة العام 2011 – والمنظمات البيئية غير الحكومية والبلدان المجاورة والمجتمع المدني.

كما أشار المختصون إلى أن الماء الذي تنوي اليابان التخلص منه في المحيط قد يحتوي على كميات من “كربون – 14” المشع، بالإضافة إلى مواد مشعة أخرى، في وقت تثور فيه مخاوفهم من أن التخلص من المياه المشعة في المحيط الهادئ يهدد صحة الناس والكوكب.

في غضون ذلك ورداً على مخاوف الخبراء، أشارت الحكومة اليابانية إلى أن المياه المعالجة المخزنة في الخزانات لم تكن ملوّثة. مع ذلك، أكد الخبراء أن تقنية ALPS لتنقية مياه الصرف الصحي النووية فشلت في إزالة التركيزات المشعة تماماً في معظم المياه الملوثة المخزنة في صهاريج التخزين في مصنع فوكوشيما – دايتشي، وقال الخبراء “فشل التطبيق الأول لتقنية ALPS في تنظيف المياه دون المستويات التنظيمية، ولا توجد ضمانات بأن المعالجة الثانية ستنجح”، وأضافوا أن التكنولوجيا لم تزل التريتيوم المشع أو “كربون – 14”.

أخيراً وبعد معاناتها الطويلة مع ومن هذا الخطر، يجدر على اليابان الامتثال لالتزاماتها الدولية بمنع التعرّض للمواد الخطرة، وإجراء تقييمات الأثر البيئي للمخاطر التي قد تترتب على تصريف المياه، ومنع الأضرار البيئية العابرة للحدود، وحماية البيئة البحرية، خاصة وأن المعترضين أكدوا خطورة هذا الإجراء على الناس والبيئة والأغذية البحرية، الأمر الذي سيفتح باباً جديداً لكارثة إنسانية – البشرية في غنى عنها اليوم بالتحديد خصوصاً بعد الآثار الكارثية التي تسببها جائحة “كورونا”.

ومع تأكيد خبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة أن هناك حلول بديلة متوفرة بحسب بيانهم، يجب على الحكومة اليابانية حماية المصالح الدولية الدولية وصحة شعبها والشعوب المجاورة خاصة مع تحول القضية إلى قضية دولية لاقت اعتراضات واسعة.

مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.

مصدر الصور: ريا نوفوستي – رويترز.

موضوع ذا صلة: تايوان: تفاقم التوتر بين الصين والولايات المتحدة