إعداد: مركز سيتا

تعتبر الأمازون أكبر غابة إستوائية مطيرة في العالم بمساحة 550 مليون هكتار، وهي أحد أهم النظم البيئية على كوكب الأرض والمسؤولة عن مده بحوالي 20% من الأوكسجين. تمتد غابات الأمازون، أو “رئة العالم” كما يقال عنها، ضمن حدود تسع دول، وهي ملجأ لحوالي 30% من التنوع البيولوجي العالمي، إذ يكفي دمار ما بين 20 – 25% من الغابات حتى تصل إلى نقطة اللا عودة، لتبدأ عندها دورة ذاتية من الموت التدريجي للغابات، وتتحول الأمازون إلى سهول جافة.

الخطر المناخي

تضم الغابة 300 ملايين نوع من النباتات والحيوانات، ويعيش فيها 900 ألف نسمة موزعون على 700 محمية، كما وتضم نصف أنواع الأشجار في العالم، البالغ عددها 15 ألفا. وبإحتراق غابات الأمازون، دق ناقوس الخطر المناخي في العالم، حيث نشر مرصد وكالة الفضاء الأميركية “ناسا” صوراً، على موقعه الإلكتروني، ظهر فيها غطاء كثيف من الدخان يغطي مساحات كبيرة من غابات أميركا اللاتينية، أتى ذلك في وقت أعلنت ولاية أمازوناس البرازيلية حالة الطوارئ بسبب الحرائق، إذ امتدت طبقة الدخان على مساحة 3.2 مليون كيلومتر مربع فوق القارة اللاتينية.

ما علاقة البرازيل؟

تتهم أطراف دولية، الرئيس البرازيلي، جانير بولسونارو، بالتقصير في مكافحة الحرائق، والتشجيع على تجريف مساحات واسعة من الغابات، لأن البرازيل تحتضن 60% من مساحة الأمازون، حيث دعت الأمم المتحدة وفرنسا، الرئيس بولسونارو إلى التحرك لحماية الغابات التي تنتشر الحرائق فيها بسرعة. وغداة عاصفة سببتها تصريحات بشأن “الحرائق الإجرامية”، قال بولسونارو إنه يمكنه اتهام “السكان الأصليين والمجتمعات المحلية وسكان المريخ وكبار مالكي الأراضي”، لكن الشبهات الكبرى تقع على المنظمات غير الحكومية المدافعة عن البيئة تسببت بالحرائق بهدف “لفت الإنتباه” إلى تعليق برازيليا مساعدات رامية للحفاظ على “رئة العالم”.

وأضاف الرئيس بولسونارو أنه ثمة احتمال غير مؤكد بأن يكون ذلك مرده إلى خطوات إجرامية من هؤلاء الناشطين في المنظمات غير الحكومية “بهدف التجييش ضدي وضد الحكومة البرازيلية، هذه الحرب التي نواجهها، خاصة وأن هذه المنظمات تعاني من خسارة الأموال (القادمة) من النرويج وألمانيا ولم يعد لديها وظائف وتسعى إلى إسقاطي”، مشيراً إلى تعليق هذين البلدين مساعداتهما لصندوق الأمازون المخصص لحماية الغابة الإستوائية الهائلة.

في المقابل، يقول خبراء في البيئة، إن سبب حرائق الأمازون جاءت نتيجة التعرية الحُرجية المُتسارعة منذ وصول الرئيس بولسونارو إلى الحكم، وتخفيفه إجراءات الحماية البيئية، ثم إطلاقه تراخيص أعمال التنقيب عن المعادن واستخراج النفط من المناطق التي تعيش فيها مجموعات السكان الأصليين. وعلى بعد 3 آلاف كيلومتر في اتجاه الشمال من ساو باولو، اندلعت حرائق كبيرة في المحميات الطبيعية التي يفترض أنها تخضع لمراقبة شديدة من أجهزة المكافحة.

في العام سبتمبر/أيلول من العام 2016، نشرت جريدة “ذا غارديان” دراسة بعنوان “الولايات المتحدة تدفع نحو تدمير الغابات الإستوائية من أجل إستخراج النفط” أشارت فيه إلى دور واشنطن في مسألة النفط في تلك المنطقة، حيث قالت بأنها تقوم بتكرير حوالي 230 ألف برميل نفط يومياً من نفط الأمازون، في حينها.

إضافة إلى ذلك، أشارت الدراسة إلى دور الإكوادور أيضا، حيث قامن بدأت شركة النفط الحكومية Petro Amazonas بأعمال التنقيب بالقرب من حديقة Yasuni الوطنية، والتي تعد واحدة من أكثر الأماكن ثراءً بيولوجياً على وجه الأرض.

وتضيف الصحيفة أنه وفيما حققت بعض المجموعات الخضراء نجاحاً في مكافحة طموحات بعض شركات النفط في الأمازون، مثل “شيفرون”؛ دخل لاعبون دوليون آخرون، مثل الصين، مكانها في نية إستثمار مساحة تقدر بحاولي 284 ألف ميل، يعتقد بوجود حقول من النفط والغاز فيها، وهي مساحة أكبر من تكساس.

فقدان السيطرة

يعرف البرازيليون أن الحرائق تكثر عادة في فترات الجفاف، وأنها ليست كلها مفتعلة. لكن المعلومات الواردة تتحدث عن عشرات آلاف الحرائق، وتفيد بأن الحكومة والسلطات الفيدرالية قد فقدت السيطرة عليها، وأن البلاد تعيش أخطر موجات الحرائق منذ أكثر من 15 عاماً.

يفيد المعهد البرازيلي للبحوث الفضائية بأن عدد الحرائق التي اندلعت في البرازيل، منذ بداية العام 2019، قد زاد على 76 ألفاً، أي بزيادة قدرها 85% عن الفترة نفسها، من العام 2018، وأن 80% من الأراضي التي التهمتها النيران توجد في منطقة حوض نهر الأمازون.

لكن الرئيس بولسونارو شكك في جدية المعهد ونتائج أبحاثه، بل سارع إلى إقالة مديره عندما رفض انتقادات الرئيس، وأكد على خطورة الوضع الناجم عن التدابير الأخيرة التي اتخذتها الحكومة. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الحكومة اليمينية خفضت أيضاً ميزانية أجهزة مكافحة الحرائق بنسبة 38%، كما خفضت إلى النصف مخصّصات المؤسسات التي تُعنى بتداعيات تغيـّر المناخ.

من هنا، يرى بعض المحللين أن هناك “شبه” ما تحوم حول رفض البرازيل رفضاً قاطعاً المساعدة الطارئة التي عرضتها دول “السبع” لإخماد الحرائق في غابات الأمازون، المقدرة بحوالي 20 مليون دولار، مؤكدة أنه على رغم اتساع نطاق النيران مطلع الأسبوع الجاري فالنيران “تحت السيطرة”، رابطين قبول المساعدة بإعتذار الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، للرئيس البرازيلي عن “الإساءة”، وهو ما يثير الشكوك حول مسألة ربط مصير البشرية بعمل أو تصرف شخصي.

يأتي ذلك في وقت قال فيه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تستطيع السيطرة على الحرائق، وهو أمر آخر مثير للشكوك خصوصاً وأن البرازيل لا تستطيع تغطية كامل المساحة التي تحترق لوحدها. فالرئيس ترامب، بحسب مراقبين، هو المستفيد الأكبر من ذلك عبر إدخال الشركات الأمريكية للإستثمار في المناطق المحترقة.

المواقف الدولية

على خلفية حرائق الأمازون، سارعت التعبئة الدولية السريعة في مواجهة الكوارث البيئية التي لم يعد الإهتمام بها محصوراً داخل الحدود الوطنية لأن تداعياتها الأليمة والخطيرة لم تعد تقتصر على منطقة بعينها، كمبادرة الرئيس ماكرون عندما أدرج حرائق الأمازون بين البنود الرئيسية على جدول أعمال قمة مجموعة السبع التي إنعقدت في فرنسا الذي غرَّر قائلاً “بيتنا تلتهمه النيران”، فبينما كانت الأسرة الدولية تتحرك انطلاقاً من مبدأ أن غابات الأمازون ليست مُلكاً للبرازيل وحدها أو ملكاً للدول التي تمتد في أراضيها من بوليفيا إلى الإكوادور ومن البيرو إلى كولومبيا، بل هي “رئة العالم” كله.

من هنا، يؤكد التقرير الأخير الذي صدر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، ومقره في العاصمة الكينية نيروبي، أن حماية غابات الأمازون باتت مسؤولية عالمية لما تختزنه من تنوع حيوي وما تشكله من مصدر أساسي للأوكسيجين، ناهيك عن دورها الحاسم في ضبط التقلبات المناخية وانحباس ثاني أوكسيد الكربون، وتأثيرها على دورة التيّارات المائية في المحيطات. ويفيد التقرير بأن حوض الأمازون قد خسر 20% من مساحته الحرجية منذ أواسط القرن الماضي.

إلى ذلك، دعت بعض الجهات العلمية من جهتها إلى توخي الحذر وتحاشي الإفراط في المبالغة، منها البرنامج الأوروبي لمراقبة الأرض التابع للمفوضية الأوروبية، كما حذرت وكالة الطيران والفضاء الأميركية – ناسا، جانب الحذر أيضاً في تقديراتها، لتقول “الحرائق ليست أمراً غير مألوف في البرازيل خلال هذه الفترة من العام، عندما ترتفع درجات الحرارة وتخف نسبة الرطوبة. وحده الوقت يمكن أن يؤكد لنا ما إذا كانت حرائق هذه السنة قد سجلت رقماً قياسياً أم أنها ما زالت ضمن المعدلات العادية.”

الأضرار كارثية

تتفاوت تقديرات الجهات العلمية حول خطورة هذه الحرائق وتداعياتها على البيئة والتقلبات المناخية، لكن ثمّة إجماعاً حيال أهميتها الكبيرة بالنسبة للتنوع البيولوجي المهدد في معظم مناطق العالم. فالغابة الأمازونية العملاقة تختزن وحدها 10% من الأجناس الحيوانية والنباتية المعروفة، وتحبس 100 ألف مليون طن من الكربون سنوياً، أي عشرة أضعاف الإنبعاثات الصادرة عن الوقود الأحفوري. كما تفيد دراسة حديثة وضعها خبراء في جامعة “أوريغون” الأميركية أن المشكلة تكمن في كميات الكربون التي تفقدها الأشجار عند احتراقها؛ ما يؤدي إلى حدوث تقلبات مناخية كبيرة وخسارة في التنوع البيولوجي. وليس مستبعداً، في حال تكررت هذه الحرائق الضخمة، أن تتحول الغابات المدارية المطيرة إلى مساحات جرداء شبه صحراوية في المستقبل غير البعيد.

كما أن مجموعة من العلماء البرازيليين، من أكاديمية العلوم الوطنية في الولايات المتحدة، كانت قد حذرت، في العام 2016، من أن حرارة منطقة الأمازون قد ارتفعت درجة مئوية في العقود الخمسة الماضية، وفقدت 20% من مساحتها الحرجية، وأنه في حال بلوغ هذه النسبة 40% ستدخل المنطقة مرحلة من التصحر لا رجعة فيها.

إن حرائق الغابات، والتي تعتبر بمثابة جرس إنذار، باتت تندلع في المحميات الطبيعية، بالإضافة إلى الأراضي التجارية والخاصة التي تعود للسكان المحليين. ولمواجهة هذا الخطر لا بد من تعزيز ودعم العمل المحلي والمؤسسات البيئية بالبرازيل، حيث بات من الضروري الإعتراف بأن هذه المحميات وأراضي السكان الأصليين هي آخر معقل لحماية أهم نظم التنوع الحيوي، وقاعدة لتنمية اجتماعية مستدامة، هذه الجهود يجب أن تعتمد على الداعمين واللذين لديهم الرغبة والقدرة لجلب مساعدات لحماية غابات الأمازون من هذه الحرائق.

مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.

مصدر الصور: The Ecologist –  يورو نيوز –  العربي الجديد.