حوار: سمر رضوان

لا شك بأن عملية “نبع السلام”العسكرية تشكل الحدث الأبرز في منطقة المشرق خصوصاً وأن الكثير من المراقبين يعتبرون أن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يراوغ ما بين “الناتو” و”أستانا”، محاولاً إلإستفادة قدر الإمكان من التحولات الدولية والإقليمية.

عن هذه العملية وأبعادها وطرق مواجهتها وأزمة اللاجئين في الداخل التركي والموقف العربي، سأل مركز “سيتا” الأستاذ محمد الرميزان، الباحث في الشأن التركي في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية – السعودية، عن هذه المواضع وتداعيات المستقبلية.

“التدخل الثالث”

في خضم الأحداث السياسية المتصاعدة والمتتالية في منطقة الشرق الأوسط، والمنطقة العربية تحديداً، بدأت عملية عسكرية تقودها دولة لها مكانتها الإقليمية والدولية، وأقصد هنا تركيا التي تعتبر دولة فاعلة لجهة تعاطيها مع أحداثها الداخلية او علاقاتها الخارجية مع دول ثقيلة الوزن، كالولايات المتحدة وروسيا، والمنظمات الدولية والعسكرية، كحلف الناتو. لذا، كان من الضروري أخذ هذه الحقائق بعين الإعتبار عند التعاطي مع أي حدث سياسي، داخلي أم خارجي، يخصها.

وقبل البدء بالتحليلات السياسية، أود الإشارة إلى أن المتعاطين مع الحدث، وتحديداً الأكاديميين أو الإعلاميين أو المحللين السياسيين العرب، أخذوا منه جانبين فقط؛ إما الدفاع عن تركيا حتى يكاد البعض أن يتخيل أن المحلل هو نائب رئيس الجمهورية التركية، أو الهجوم الذي يصل إلى حد التهميش اللا متناهي لدور أنقرة وتأثيرها حتى يكاد يفقد المحلل موقفه كمختص أو خبير. فالتطورات على الساحة السورية، جعلت المتابعين لها إما مع او ضد، ويتجلى ذلك بشكل واضح فيما يخص العلاقات التركية – العربية، ما يسهم في صعوبة فهم ما يجري في أنقرة أو التداعيات المتبادلة على الساحتين التركية والعربية.

أما بالنسبة للعملية العسكرية التركية، فهناك الكثير من المعطيات التي سبقتها إذ أن هذا الحدث ما هو إلا نتيجة لما سبق ومقدمة لما سيأتي من تدخلات عسكرية، وسياسية، تركية في سوريا وربما المنطقة العربية. فمنذ العام 2011 وحتى اليوم، ظهر التدخل الأجنبي في سوريا بشكل أكثر وضوحاً، سواء كان الروسي أو الأمريكي أو حتى الإيراني وغيرهم من الدول المحيطة بأنقرة.

برأيي، لقد قامت تركيا بثلاثة تدخلات عسكرية أساسية في سوريا؛ التدخل الأول، تمثل فيما سمي رمزياً بعملية “درع الفرات”، التي بدأت في أغسطس/آب 2016 ولم يتم الإعلان عن انتهائها إلى بعد عام ونصف تقريباً. والتدخل الثاني الذي ما زال مستمراً حتى الآن، هو عملية “غصن الزيتون” او ما عرف بـ “هجوم عفرين”، والذي بدأ في يناير/كانون الثاني 2018. أما التدخل الثالث والأخير، هو ما باشر به الجيش التركي مؤخراً أي عملية “نبع السلام”.

تداعيات متعددة

يمكن القول بأن عملية “نبع السلام” تشكل تكملة لما سبق من عمليات عسكرية تركية، كما أشرنا اعلاه، بحيث تكمن أبرز تداعياتها في ما يلي:

داخلياً، وهنا نقصد فهم الجانبين الشعبي او النخبوي، بما فيهم من أحزاب سياسية وضباط في الجيش، لجهة:
– تطمين الداخل بأن الدولة لها اليد العليا في سوريا، التي أصبحت ملاذاً للميليشيات والمجموعات الإرهابية، خصوصاً بُعيد بدء الولايات المتحدة سحب قواتها العسكرية من شمالها.
– إثبات أن حزب “العدالة والتنمية” الحاكم ما زال يستطيع بسط نفوذه على مكامن القوى وقرارات الحرب والسلم، ومجابهة المد الكردي بكافة قطاعاته التنظيمية وغيرها.
– إشغال الجيش بحرب قد تبدو شرعية للشعب، كونها على الحدود مع دولة تعاني مشاكل أمنية ضخمة، وبذلك يتم إستبعاد أية إحتمالية لإحداث ضغينة عند كبار الضباط، ودرء أية محاولة عسكرية للتدخل في السلطة المدنية للدولة.

خارجياً، وهنا أقصد البعد الدولي للتدخل العسكري، والذي قد يشترك مع ما ذكرت من بُعد داخلي، وتبرز في:
– توجيه رسالة إقليمية ودولية بأن الدولة التركية تعتبر سوريا الركن الأساس لأمنها الخارجي والداخلي بحيث أن لها الحق في حماية نفسها عندما تشعر بعدم وجود نظام سوري قادر على بسط نفوذه ضمن إطار الدولة، أو عند رحيل الدول الفاعلة كالولايات المتحدة؛ وبالتالي، ستتولى بنفسها مهمة بسط نفوذها، وتحديداً في الشمال التركي لدرء تمدد الكرد.
– قد تتضرر تركيا من هذه العملية أكثر مما تستفيد، إذ انها ستجعل المجتمع الدولي يرى أن الصراع القائم في سوريا هو بين “الأتراك” و”الكرد”، والذي يعتبر امتداداً لصراع تاريخي بين تركيا “الدولة” والكرد “اللا دولة”.
– قد تصنع أنقرة لنفسها أعداء جدداً او تزيد من حدة معارضي سياساتها على المديين القصير والطويل، كبعض الدول العربية والغربية.
– فيما يخص المنطقة الآمنة، لا يمكن البت في إنجازها خصوصاً وأن المعطيات الحالية تشير إلى بُعد تحققها، على الأقل في الوضع الراهن.

طرق المواجهة

هنا يمكن طرح سؤال مهم: هل يمكن لسوريا مقاومة عملية “نبع السلام” التركية؟ الجواب يحتمل الإجابة بـ “نعم” و “لا”.

ضمن سيناريو الـ “نعم”، سيكون القول بأن ذلك ممكناً حال توافر إستنكار عربي – دولي قوي، وصلح مع النظام في دمشق، ما قد ينتج عنه من تدابير للمواجهة، كإثارة الأقلية العرقية والطائفية. وضمن سيناريو الـ “لا”، يمكن الإشارة إلى مسألة أن سوريا، اليوم، باتت تعد دولة ضعيفة بحيث يصنفها بعض الخبراء الغربيين بـ “دولة فاشلة” أو “شبه دولة”، ما يعني عدم قدرتها على مجابهة هذا العدوان الخارجي. ولكن، كلا السيناريوهات وارد.

هنا أود أن أقول كلمة بما يخص المكون العلوي داخل تركيا، فهذا الجانب يتطلب بحثاً دقيقاً خصوصاً مع قلة المعلومات والأبحاث التي تتحدث عن الموضوع. بإعتقادي ومن خلال معايشتي للوضع التركي ميدانياً، أستطيع القول بأن ليس لدى العلويين عداء مع “تركيا الدولة”، ولكن لديهم مخاوف من وخلاف مع الحزب الحاكم.

بين طهران وواشنطن

برأيي، إن ثقة أنقرة بطهران اكثر منها بواشنطن ويرجع ذلك إلى التاريخ الطويل من العلاقات المشتركة، ناهيك عما تقتضيه المصالح الإقتصادية والسياسية المتبادلة كون إيران تشارك تركيا قلقها حيال المد الكردي. في المقابل، يجب معرفة أن مكامن القوى في إيران متعددة بحيث أنه من الصعب الجزم بموقف طهران، بشكل عام، خصوصاً وأنها ترفض، بلا شك، التدخل العسكري كونها داعمة للنظام الحاكم في دمشق.

وفيما يخص الجانب الأمريكي وبالرغم من أن تركيا لا تثق به كثيراً، إلا أنها باتت مضطرة للتعامل معه. فواشنطن، وبعد بدء إنسحاب قواتها من سوريا، لا ترغب في خسارة حلفائها العرب، كما لا ترغب أيضاً أن ترى عودة للتنظيمات الإرهابية، أو تزايد أي من النفوذين الإيراني او التركي في سوريا. لذلك، يبدو أن الموقف الأمريكي “غير متزن”، والدليل على ذلك عدم نضوجه تجاه المكون الكردي حتى الآن.

الداخل التركي و”الفارين” الجدد

يعيش الداخل التركي عبء تواجد أكثر من 3 ملايين لاجئ سوري، إذ بدأت الصحافة التركية بنشر الكثير من المقالات التي تعبر عن حالة التململ من هذا الوجود خصوصاً لجهة المنافسة في سوق العمل، والتأثير على العديد من القطاعات الإنتاجية، الفنية والصناعية والتجارية.

فما يجب التنبه إليه هنا أن تركيا ليس دولة صناعية، كألمانيا التي استوعبت ما يفوق على المليون لاجئ سوري في أواخر العام 2015، هذا من ناحية. من ناحية أخرى، لدى تركيا العديد من المشاكل الإقتصادية، كتأرجح سعر صرف العملة خصوصاً خلال السنوات الثلاث الماضية، بالإضافة إلى المشكلات الإجتماعية والعنصرية والعرقية تجاه الأقليات الكردية والعربية والعلوية. لذلك، لا تستطيع تركيا تبنِّي مشكلات جيرانها، وهنا أقصد سوريا؛ فلربما استطاعت تحمل ذلك في السنوات السابقة، ولكنها غير قادرة على ذلك خصوصاً مع الأوضاع الصعبة الداخلية التي تعيشها اليوم.

من خلال ما سبق، لا يمكن الجزم بمصير الفارين من نيران المعارك وقصف الطيران المستمر، فإلى أين سيذهبون؟ إن الإحتمال الأقرب يبقى في اختيار أسهل حلول أي الإختباء ريثما يعودون إلى مناطقهم مجدداً. فكردستان العراق لديها تحدياتها الخاصة التي لا تسمح لها بالمساعدة، وكذلك الحال مع دمشق، والأمر نفسه ينطبق على أنقرة التي تعاني من مشكلات تعيق إستقبالها للفارين.

في الختام، ينبغي التساؤل عن الموقف العربي الذي أعرب عن استنكاره لـ “العدوان التركي” على سوريا، والذي ظهر منقسماً على غير عادته؛ فبعض الدول لم توضح موقفها بعد، كسلطنة عُمان؛ وآخرين ساندوا بشدة العملية التركية، كدولة قطر. ربما تكشف الأيام القادمة مصير العلاقات العربية – التركية وفي أي إتجاه تسير.

مصدر الصور: وكالة أنباء تركيا – النشرة.