إعداد: مركز سيتا

تزداد لهجة كل من الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ودولٍ أمريكية لاتينية، حدة في وجه الرئيس البوليفي، إيفو موراليس الذي أعيد إنتخابه مجدداً من الدورة الأولى، مطالبة بتنظيم دورة ثانية أو مهددة بعدم الإعتراف به فيما إعتبرت منظمة الدول الأمريكية، التي تتخذ من واشنطن مركزاً لها، أن هذه النتائج غير شرعية وهو ما ترفضه حكومة لاباز.

رفض الخسارة

يقول دييغو باري، وزير الخارجية البوليفي، أنه “حتى اليوم لم يقدم أي من المرشحين دليلاً يثبت الإحتيال المفترض، بل على العكس فقد دعوا إلى الإحتجاجات وسلب المؤسسات وحرق مكاتب الإدارات ومحاكم الإنتخابات وإضطهاد السلطات الإنتخابية وعدم السماح بإجراء فرز نهائي للأصوات، نسأل أنفسنا ما الغرض من حرق صناديق الإقتراع وما هو السبب وراء تدمير محاكم الإنتخابات في الدوائر.”

ويضيف باري “نحن نعتقد إعتقاداً راسخاً أن الديمقراطيين الحقيقيين لا يمكنهم تشجيع ورعاية التخريب والترهيب”، إلا أن ذلك لم يثنِ تقديم الدول الكثيرة التي هنأت الرئيس موراليس بفوزه، ككوبا وفنزويلا والمكسيك، إذ يشير الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، بأن “ما يحدث في بوليفيا هو محاولة إنقلابية”، هذا من جهة.

من جهة أخرى، لم يتقبل المرشح المنافس الخسارة، كارلوس ميسا، مشدداً على تهمة التزوير، في وقت أعلنت فيه المحكمة الانتخابية أن الرئيس موراليس حصل على نحو 47% من نسبة الأصوات، مقابل ميسا الذي حصل على ما يقارب 36%، إذ كان على الأخير أن يحقق فارقاً بأقل من 10% مع منافسه، بعد فرز 98% من أصوات الناخبين، كي يفرض إجراء جولة ثانية؛ وبذلك، حظي موراليس بولاية رئاسية جديدة بعد أن شهدت بوليفيا 4 أيام من الإحتجاجات بمزاعم أن الحكومة تقوم بتزوير النتائج.

من هنا، قال الرئيس موراليس إنه حصل على عدد الأصوات اللازمة لتجنب الدخول في جولة إعادة مع منافسه الرئيسي ميسا، حيث إتهمه الأخير بإرتكاب عملية احتيال هائلة لإعادة انتخابه لولاية رئاسية رابعة، إذ يُعتبر الرئيس موراليس الزعيم اليساري الأطول حكماً في أمريكا اللاتينية إذ إمتدت فترة حكمه إلى أكثر من 13 عاماً.

إثارة الفتن

بعد صدور نتائح الإنتخابات واندلاع الإحتجاجات الشعبية متبادلة في البلاد، تمت الدعو إلى الإضراب العام في بوليفيا من قبل لويس فرناندو كاماشو، رئيس لجنة “برو – سانتا كروز” والتي يقم مقرها في سانتا كروز العاصمة الإقتصادية للبلاد ومعقل المعارضة، إذ أمهل السلطات مدة قصيرة لكي تعلن عن تنظيم دورة ثانية. رداً على ذلك، دعت مجموعة من النقابات العمالية والفلاحية، القريبة من السلطة، ناشطيها إلى الدفاع عن النتائج الرسمية وإلى التجمع في لاباز والتي من المفترض أن تشكل عرضاً للقوة دعما لموراليس.

فشل اليمين

أدان رئيس بوليفيا محاولة الإنقلاب التي تعرض لها بعد فوزه في الانتخابات، حيث أعلنت الحكومة حالة الطوارئ لمواجهة المظاهرات العنيفة التي وقعت حيث قال خلال مؤتمره الصحفي “هناك محاولة انقلاب تجرى حالياً” مبرهناً ذلك بما حدث من تدمير لمقار المحاكم الانتخابية ما حال دون فرز الأصوات، مشيراً إلى أن مقر حزبه “ماس” تعرض للهجوم كذلك، مشيراً إلى أنه “يريد أن يعرف الشعب البوليفي أننا حتى الآن نتحمل بكل تواضع ونتحاشى لتجنب العنف، ولم ندخل في مواجهة ولن ندخل أبداً في المواجهة.”

على الصعيد الخارجي، قالت المتحدثة بإسم الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي، مايا كوسيانيتش، في بيان لها إن “العرقلة غير المتوقعة للفرز الإلكتروني لأصوات الناخبين بعد الجولة الأولى من الانتخابات العامة في بوليفيا أثارت مخاوف حقيقة تحتاج إلى التعامل الكامل والسريع معها”، مضيفة “من المتوقع أن تقوم السلطات البوليفية بضمان أقصى قدر من الشفافية لإجراءات الفرز وجدولة النتائج”، داعية إلى إجراء تحقيق في “الحوادث التي وقعت مؤخراً” وإلى “امتناع كل الأطراف عن العنف.”

جاء ذلك في وقت أعرب الإتحاد الأوروبي عن قلقه إزاء مزاعم التلاعب في الإنتخابات الرئاسية والتي تسببت في اندلاع احتجاجات عنيفة في تسع مدن، بعد إتهام مرشح المعارضة الرئيس موراليس بالتلاعب بعدما توقفت لجنة الانتخابات عن نشر نتائج عملية الفرز العاجلة والتي أشارت إلى إجراء جولة إعادة في 15 ديسمبر/ كانون الأول المقبل (2019).

قلب للطاولة

يرى العديد من المراقبين بأن الولايات المتحدة بدأت الإستعداد للتدخل بعدة أشكال ووسائل، بعدما زعزعت استقرار حيث أعلنت، بعد ساعة واحدة، تأييد مرشح المعارضة متهمة لجنة الإنتخابات وجهاز القضاء، المشرفان على عملية الإنتخابات وفرز الأصوات، بالتزوير حيث قامت المعارضة، المدعومة أمريكياً، بالطعن في هذه النتائج الأولية.

فلقد ردت واشنطن بسرعة وعلى لسان مساعد وزير الخارجية لشؤون أميركا الجنوبية، مايكل كوزاك، الذي اتهم المحكمة العليا البوليفية “بتقويض الديمقراطية””، داعياً إلى “إعادة فرز الأصوات، واتخاذ إجراءات فورية لإستعادة المصداقية لعملية الإنتخابات”.

تزامن ذلك مع إطلاق المعارضة اليمينية، كصدى للتصريحات الأمريكية، الدعوات للإلتفاف حولها، وإلى إعلان الإضراب العام.

نهضة رغم التهديدات

في مقابل كل ذلك، أعلن الرئيس موراليس عن برنامجه الإنتخابي الذي يتضمن ثلاثة عشر بنداً أساسياً لتأمين الأمن الغذائي، وتطوير منظومة الإنتاج، والقضاء على الفقر، والحصول على الخدمات الصحية والتعليمية المجانية، وعلى الاتصالات السلكية واللاسلكية وغير ذلك.

من هنا، يراهن الرئيس البوليفي على تحقيق نموذج التنمية الإجتماعية، الذي أدى إلى إعادة توزيع الثروة، وانخفاض في مؤشرات الفقر والحد من عدم المساواة الإجتماعية، بحسب تقارير الأمم المتحدة واليونيسيف، التي أشادت بالإنجازات الاجتماعية والاقتصادية للحكومة.

أخيراً، إن عودة اليسار إلى سدة الحكم، سواء في بوليفيا أو فنزويلا والأرجنتين والأورغواي، يسحب البساط من تحت الهيمنة اليمينة الرأسمالية المدعومة أمريكياً على الرغم من الكم الكبير من التحضيرات لنسف النتائج وتغييرها لصالح محور واشنطن في أمريكا اللاتينية، ما يدل على أن هناك مرحلة جديدة تستعد لها “الحديقة الخلفية” لخوض غمار عودة مرحلة النضال التي تتميزت بها، ما يقطع الطريق على الهيمنة الأمريكية هناك.

في نفس الوقت، إن فوز الرئيس موراليس لا يعني القضاء على المخططات الأمريكية في بلاده، بل يعتبر فوزه مرحلة أولى من تحالفات جديدة مع المعسكرات الأخرى، ليقفوا معا سداً منيعاً في مواجهة أية إضطرابات أو حصار ما في المرحلة المقبلة.

مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.

مصدر الصور: CTV – مونتي كارلو.

موضوع ذو صلةالتدخلات الأمريكية في القارة اللاتينية 3 (3/3)