مما لا شك فيه أن هناك تنوعاً في حقوق الإنسان، الأمر الذي إستدعى التساؤل عما إذا كان يوجد بينها ما هو أكثر أهمية من الآخر. من هنا، توجد أسئلة عديدة تفرض نفسها وأبرزها: هل توجد هناك حقوق أساسية وأخرى فرعية؟ وهل يمكن على مستوى القانونين الداخلي أو الدولي وضع الحقوق الإقتصادية والإجتماعية على نفس المستوى مع الحقوق الدينية والسياسية؟
إلى جانب هذا التنوع في مضمون وتفسير حقوق الإنسان، يوجد تنوع في المقولات القانونية، إذ أن الوسائل الدولية لا تكرس حقوق الإنسان المحددة فحسب، بل يوجد فيها كذلك تأكيد على مبادئ ذات مدى عام.
إن تقسيم العالم إلى كتل ودول متباينة في تكوينها وتاريخها ونظمها يؤدي بدون شك إلى تباين مفاهيم حقوق الإنسان من حيث مضمونها وأهميتها، وإذا كان هنالك إجماع على المفهوم الغربي لحقوق الإنسان القائم على أولوية الفرد، فإن تقسيم العالم يبدو واضح الأثر في هذه الحقوق وترتيبها.
أما أبرز أشكاله فهو التقسيم بين الشرق والغرب، على سبيل المثال، الذي كان على قدر كبير من الأهمية قبل بداية العقد الأخير من القرن العشرين، حيث كان المفهوم الإشتراكي للقانون الدولي يعتبر مبدأ المساواة بين الدول ذات السيادة هو المبدأ الأساسي، وكانت الدول الإشتراكية تركز كل منطلقاتها النظرية والعملية على معارضتها المطلقة لتوسيع دور الأجهزة الدولية وتدخلها في الشؤون الداخلية، أي أنها كانت تعارض كل تجاوز من هذه الأجهزة على سيادة الدولة.
وبالتالي، نتج عن ذلك نوع من مفهوم القانون الدولي لحقوق الإنسان بحيث إعتبرت بموجبه قضية داخلية لكل دولة والتي باتت حرة في تنظيم حقوق مواطنيها، آخذة بعين الإعتبار نظاميها الإجتماعي والإقتصادي.
لكن هذا لم يكن يعني أن تبقى الدول الإشتراكية بعيدة عن القانون الدولي لحقوق الإنسان منذ أن صادقت على عدد من الإتفاقيات في هذا الخصوص، لا سيما الإتحاد السوفيتي (هنا نعني الحقبة التي تتحدث عن دول الإتحاد قبيل تفككه) الذي صادق على المعاهدتين الدوليتين، لكنها كانت تصر على أن المعاهدات الدولية تترك الدول الأعضاء الحرية في إختيار أنظمتها الإقتصادية والإجتماعية وتلزمها فقط بتنمية التعاون في مادة حقوق الإنسان، خصوصاً وأن التدخل في الشؤون الداخلية لدولة ما غير ممكن إلا في حالات معينة وإستثنائية بحيث تشكل إنتهاكاً فادحاً لها أو تهدداً للأمن والسلم الدوليين، مثل التفرقة العنصرية أو العرقية أو عمليات الغزو والإستعمار.
مثلاً وفي عهد رئيس الولايات المتحدة الأسبق جيمي كارتر، إدعى الأخير أنه أطلق حملة دبلوماسية لمصلحة حقوق الإنسان، وكانت الغاية منها التشهير بإنتهاكات حقوق الإنسان في الإتحاد السوفيتي آنذاك حيث بدأ الضغط الأمريكي وتمت مقاطعة دورة الألعاب الأولومبية في موسكو، وإلغاء المساعدات لبعض البلدان. لكن مدى هذه الدبلوماسية لحقوق الإنسان كان محدوداً جداً لأنها بدت وكأنها غير ذات أثر في البدء، ثم لكونها إنتقائية. فعندما تتعرض مصالح واشنطن للخطر، تبقى الرصانة هي القاعدة، وهكذا رفضت المساعدة الأمريكية مثلاً لفيتنام وكوبا وموزامبيق، ولكنها لم ترفض للأرجنتين وهايتي وإيران وغيرها من الدول التي لا وجود فيها لحقوق الإنسان حينها.
في الواقع وكما دلت الأحداث الكبيرة، كانت الولايات المتحدة ولا تزال تقف مع المفاهيم المتعلقة بحقوق الإنسان في البلدان الأخرى التي تتعامل معها طبقاً لمصالحها، وقد كان للتغييرات الحاسمة في البلدان الإشتراكية، مطلع العقد الأخير من القرن العشرين، أثرها الكبير في هذا الشأن حيث أخذت إعتنقت أغلبها النظام الليبرالي.
لذلك، تبقى الخلافات حول المفاهيم بين الغرب والشرق، تجربة تاريخية، إذ تسجل هذه الأحداث وتناميها في مصلحة حقوق الإنسان بمفهومه الغربي رغم المعوقات الكبيرة وإستمرار التباين والفارق الكبير بين مجتمعات الشرق والغرب.
أخيراً، إن الأمر لا يتعلق بالفارق بين مفاهيم حقوق الإنسان فحسب، بل هنالك تضاد أساسي بين المفهومين القانوني والسياسي لحقوق الإنسان، وهذا التعارض يوجد في قسم كبير من المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان.
*مستشار قانوني – الكويت.
مصدر الصورة: اليونيسف.
موضوع ذا صلة: حقوق الإنسان بين العالمية والإقليمية