خاص سيتا

يان فان زيبروك*

هل هناك بديل آخر؟

جميع المؤسسات المالية سوف تجيب “ليس هناك بديل!”ماذا يعني ذلك؟ ان الأسواق لا تملك خياراً، فهي ستتوقف فعلياً عن الوفاء بمتطلبات “السوق” التي تتمثل في اكتشاف القيمة الاصلية، على حساب التجربة والخطأ، فنهاك كثير من المحاولات غير الناجحة، كونها خاضعة لسلطة البنوك المركزية التي تسيطر وتفرض الشروط عليها، فمنذ العام 2009، يمكن القول بأن “السوق لا توفر مؤشراً موثوقاً للاقتصاد”

منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي “البريكسيت”، خاضت الخوارزميات (وهنا نقصد بها الحواسيب) إدارة كل شيء. فقبل هذا الخروج، كانت منحنيات السوق جيدة، ولكن بعدها اصبحت هذه المنحنيات “مسطحة”، اذ اعترف الخبراء بموت “السوق” مشيرين الى ان عصر الرأسمالية بدأ يتشوه بسبب قيمة الديون الضخمة والمضاربات. برأيي، لم نعد نواجه أزمة الديون، نحن في أزمة ثقة حقيقية بالنظم والمؤسسات.

الدول المديونة

وفي مرحلة كان يتم فيها إنقاذ البنك وتأمين الطبع النقدي الذي لا يلاحظه عامة الناس، اقترضت الدول من المصارف الخاصة للوصول إلى إنقاذ ديونها الخاصة بسبب مديونيها الضخمة، في أوروبا، على سبيل المثال، يحظر تماماً على الدولة أن يكون لها بنكاً يسيطر على عملتها الخاصة، أو حتى تخفيض قيمتها.

ان القانون، الذي تعود جذوره الى 3 يناير/كانون الثاني 1973 الذي صوتت عليه فرنسا أبان حكم الرئيس فاليري جيسكار ديستان، حرم فرنسا من سلطتها السيادية على اقتصادها الخاص، وهو الذي كان قائماً على “قاعدة الذهب” بشكل اساسي. فجميع الدول الأوروبية ملزمة بإقتراض الأموال من الصناديق المالية والمصارف الخاصة، حيث تستطيع كل دولة أن تختار في احتياطيها الخاص، وتبيع اصولها القيمية الخاصة، وهذا ما قد ينعكس على تدمر نُظم التعليم، والرعاية، والمعاشات التقاعدية، وزعزعة مستوى العمل على نحو متزايد.

أما عامل الخطر الأخير المسمى بـ “الإفراط في الإنتاج”، والفجوة بين 1٪ من أولئك الذين يحصلون على الأرباح، وبقية السكان الذين لا تزيد دخلهم بحسب الأرقام التي يقدمها “الاختصاصيون” بطريقة خاطئة بحيث يتم استخدام “متوسط الدخل” بدلاً من “الوسط” الذي هو أكثر دقة بكثير، لا يعطي التفسير الفعلي للواقع الحقيقي. فإذا كانت الغالبية العظمى من السكان مصنفين على اساس الحد الأدنى للأجور، سيكون 1٪ منهم فقط من اصحاب الثروات. من هنا، تقول وكالة بلومبرغ “بلغ الدين العالمي رقماً قياسياً وصل الى حدودالـ 233 تريليون دولار أمريكي، في الربع الثالث من العام 2017، بأكثر من 16 تريليون دولار عما كانت عليه في نهاية عام 2016.” باعتقادي، سنشهد “الاقتصادي الكبير الواحد”، ونحن ما لا نعرف عواقبه حتى الان.

تاريخ طباعة الاموال

بعد الثورة الفرنسية، اوجد الثوريون ما يسمى بـ “أسيتاتس” (وهو نوع من الأدوات النقدية)، حيث كانت هذه مضمونة من قبل وقف الكنيسة المصادر خلال فترة الثورة. ففي العام 1794، فرض الثوار على هذه الادوات النقدية كعملة للتبادل، إلا أن العديد من الناس، في ذلك الوقت، ساورتهم الشكوك الخطيرة حول قيمتها ورفضوها كأموال. هذا الأمر، دفع بالثوار إلى إصدار قانون يحكم على أي مواطن يرفض التعامل بها بالموت، وهو ما ادى الى حدوث أزمة اقتصادية هائلة، الى ان جاء نابليون بونابرت الى السلطة فحظر أية مذكرة تصدر عن البنك.

بعد الحرب، “استؤنف الإنتاج، وكان يعتقد أن اوقاتاً أفضل ستأتي، منذ فريدريك الكبير بعد حرب 7 سنوات، والذي ترك بروسيا من دون الديون، ولكن ألمانيا بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، أثقلت بديون وصلت الى 7 أو8 مليارات مارك كمستحقات لبقية العالم، بما سمي وقتها بـ “تعويض الامة” عن الحرب. كل شيء جرف في عجلة لا نهاية لها لمناطق بعيدة عن حدودنا.”

لقد كان يتعين على كل عامل أن يمول عاملاً آخر تم استئجاره من قبل أجانب. بعد 25 أو 30 عاماً، فإن الشعب الألماني، على الرغم من أنه لن يكون قادراً على دفع كل ما يطلب منه القيام به، اضطر إلى تسديد مبالغ “فلكية” تفوق القدرة على انتاجه بشكل أكثر بكثير على ما هو اليوم. متى سنرى النهاية؟ الجواب على هذا السؤال يكمن في أنهم يريدون استعباد قوة العمل لدينا.

لذلك، في المجال الاقتصادي لم يكن شهر نوفمبر/تشرين الثاني 1918 نهاية المطاف، ولكن بداية انهيارنا في المجال السياسي حيث فقدنا صلاحياتنا العسكرية كذلك. مع هذه الخسارة، أذهبنا، أيضاً، السيادة الحقيقية لدولنا، بالاضافة الى استقلالنا المالي، بسبب لجنة التعويضات، في حينها. هذا كله كي لا يصبح لنا سيادة سياسية، فأصبحنا مستعمرة يديرها بعض الأجانب، بهد الانجاز الذي حققته الثورة بتحديد اوقات العمل اليومية بـ 8 ساعات.

في احد هذه الأيام، تقول فرنسا بأننا لن نتمكن من تسديد هذه الديون، اذ علينا ان نعمل أكثر. قد يقول شخص ما انه منذ الثورة حصل الشعب على هذه الحقوق، أي “حكم الشعب”. مضى ثلاثة سنوات على حكم الشعب ولا يُسأل أحد عن رأيه. لقد تم تقييدنا بالمعاهدات التي وقعت. فمن وقع عليها؟ الناس؟ لا. فإذا سألنا من هو المسؤول عن سوء حظنا، علينا أن نسأل من استفاد من انهيارنا. يقول اودولف هتلر: “انها البنوك والبورصات، التي حصدت ارباحاً اكثر من أي وقت مضى.”

إذا كان عدد قليل جداً من المؤرخين مهتمين عن اسباب صعود هتلر، مثل معدل البطالة، أو صعود مفهوم “معاداة السامية”، يمكن ان يعرفوا الاجابة، ضمن كتاب صدر في وقت سابق من هذا العام، من خلال معرفة الاسباب الحقيقية وراء فوز هتلر بالانتخابات.

هذا التحليل يبين كيف يمكن لهذا الرجل أن يصبح واحداً من أسوأ آفات هذا القرن، ولكن السبب يرجع الى تسرب السيولة من البنوك إلى الدول، وهو السبب الذي كان وراء استمرار الحرب العالمية الأولى لوقت طويل. لقد باعت فرنسا سبائكها الذهبية حتى تتمكن من الاستمرار في الحرب، وكذلك ألمانيا، اذ دفع الكثير من المقاتلين حياتهم ثمناً لذلك.

بين عامي 1918 و1925، واصلت ألمانيا، تحت حكم فايمار، سياستها في طباعة العملة لدفع هذه الأضرار، حيث عانت من أسوأ تضخم رأيناه، 6 ملايين عاطل عن العمل و4 ملايين من المعوقين. لكننا يجب ان نضيف على هذه الأرقام، في ذاك الوقت، موضوع مهم يتمثل في عدم عمل النساء. فـ 18 مليون شخص كادوا ان يموتوا جوعاً، أو ينتحروا، اضافة الى زيادة في نسبة البغاء في العاصمة برلين.

في العام 1925 جاء هجلام شاك، الذي ازال هذه السياسة النقدية وخلق عملة جديدة تكون على حجم الصناعة الألمانية، مما سمح لألمانيا بأن يكون لديها مستثمرين أمريكيين لغاية ازمة “الكساد العالمي” عام 1929.

في العام 1933، عندما جاء هتلر إلى السلطة، وكان هناك 6 ملايين عاطل عن العمل، في العام 1936، مليون عاطل عن العمل، وفي العام 1939، اصبح العدد 340 الفاً. واستمر تأثير هتلر 15 عاماً، وخلال هذه الاعوام، عالج المشاكل الاقتصادية الحقيقية. على سبيل المثال، قال هتلر للعقيد تروم سميث، والقبطان في الجيش الأمريكي، “ان طباعة الاموال جريمة يجب أن تتوقف، فهي أسوأ جريمة حكومية”. لقد وصَّف هتلر الواقع كما هو.

ختاماً ومع هذين المثالين اللذين يوضحان مدى ما يمكن أن تؤدي إليه هذه السياسات من وصول ديكتاتور إلى السلطة، نتساءل: في العام 2018، ألا نخاطر برؤية ديكتاتور بل دكتاتوريين جدد؟ المستقبل سوف يجيب عن هذا التساؤل.

*باحث في مركز “سيتا”

الهوامش

الكتب:

Pierre Jovanovic – Adolf Hitler ou la revanche de la planche à billets.

Pierre Jovanovic- Blythe Masters : la banquière à l’origine de la crise mondiale.

Pierre Jovanovic- La crise financière française de 1789-1799.

Philippe Béchade -FAKE NEWS Post-vérités et autres écrans de fume.

Greg Smith -Pourquoi j’ai quitté Goldman Sachs.

Gillian Tett- Fool’s Gold: How Unrestrained Greed Corrupted a Dream, Shattered Global Markets and Unleashed a Catastrophe by Gillian Tett (2009)

الروابط

https://bloom.bg/2DCHF5n

مصدر الصور: Association of American Physicians and Surgeons – The  – ArabGT – موقع المرسال.