بيوتر زيش*
“هناك بعض الأجانب الذين تناولوا طعامهم وليس لديهم أي شيء أفضل من توجيه أصابعهم إلى شؤوننا. أولا، الصين لا تصدر الثورة. أو ثانياً، تصدر الفقر والجوع. أو ثالثاً، أو التسبب بمشكلة لهم لا داعي لها. هل هناك من شيء بعد يجب أن يُقال؟” شي جين بينغ – الرئيس الصيني.
في العام 2011، ظهر مفهوم “الصناعة 4.0” في ألمانيا، وتم تنفيذه في العام 2013. هذا المشروع ساهم في إنفتاح الإقتصاد الألماني لكنه أيضاً وضع اتجاهاً للثورة الصناعية القادمة في العالم. فمكننة الصناعة، وصناعة التكنولوجيا الفائقة المتقدمة، والإنترنت أو إدخال العالم الإفتراضي إلى الصناعة على نطاق عالمي، وغيرها ليس سوى جزء بسيط من الهيمنة الرئيسية للثورة الألمانية. بعد ذلك بعامين، أعلن رئيس الوزراء الصيني، لي كه تشيانغ، الخطة المسماة “صنع في الصين – 2025″، والتي بموجبها ستقوم الصين في غضون 10 سنوات بإنتاج معدات صناعية متطورة، 70% منها مكونات صينية بحتة، بحيث يجب أن تستند الصناعة على الروبوتات، صناعة السيارات، أو الفضاء، أو تكنولوجيا المعلومات. في العام 2016، فاز الرئيس دونالد ترامب، بالإنتخابات الرئاسية، والذي تبنى في شعاراته الإنتخابية مبادئ عدة منها تخفيض العجز التجاري في التبادل الإقتصادي مع الصين من خلال فرض تعريفة جمركية على بعض السلع التي تنتجها الشركات بكين وغيرها.
- الاستعمار الجديد
يشير البروفيسور ويتولد كيون – Witold Kieżun ، في مقال بعنوان “علم أمراض التحول”، إلى المبادئ التوجيهية للحكومة الكندية المثيرة للإهتمام والتي كان من المفترض لها أن تتصدى لسولوكيات الدخول إلى السوق وهو ما تقوم به الشركات الأمريكية. ومن أهم تلك السلوكيات، التي اعتبرت “مشكوك فيها” بالنسبة للإقتصاد الكندي، يمكن القول:
- تنفيذ أوامر التصدير إلى أسواق البلدان الثالثة من المخزونات الموجودة في الولايات المتحدة، مما يعود بالنفع عليها وليس على ميزان المدفوعات الكندي.
- وضع خطط، من قبل مخططي الشركات في الولايات المتحدة، لتطوير أو الحد من العمليات دون مراعاة خطط كندا وتطلعاتها.
- ما يحدث في الفرع الكندي هو المونتاج للأجزاء المستوردة، أو استخدام الفروع كموزعين للسلع المصنعة في مكان آخر بحيث يمكن تسييل عملياته أو نقلها.
- تركيز مهام البحث والتطوير وتصميم المنتجات في الولايات المتحدة مما أدى إلى عدم تطوير كندا لهذه المهارات أبداً.
- التقليل من معالجة المواد الخام في كندا لتقليل تأثيرها السياسي إلى الحد الأدنى.
- تحديد أسعار متفاوض عليها أو تحفيزية للفروع الكندية للشركات الأمريكية لتجنب دفع ضرائب الدخل الكندية.
- تعيين كبار المسؤولين والمديرين من الولايات المتحدة لمنع الإطلاع على قضايا التخطيط والتنفيذ، بما في ذلك عدم الكشف المالي على نتائج العمليات التي قامت بها الشركة الأم، أو الإبلاغ عن أي معلومات أساسية، المنفذة في كندا.
- إنشاء فروع مملوكة بالكامل للشركة الأم ما يمنع الكنديين من تقرير سياساتهم وعمليات كسبهم.
من حيث المبدأ، لا يمكن للمرء أن يقول شيئاً أكثر عن السياسات الإستعمارية الجديدة لدول الغرب، لا سيما الولايات المتحدة، مع الأخذ في الإعتبار المبادئ التوجيهية المذكورة أعلاه للحكومة الكندية. ومع ذلك، من الجدير النظر إلى محتوى كتيب هيمنة الشركات عبر الوطنية وسياقها. إن الهدف من الإرشادات الكندية كان خدمة كبار المسؤولين من المستوى المتوسط، في النصف الثاني من القرن العشرين، لجذب المستثمرين والتحقق من تدفق رأس المال الأمريكي، ما أثار قلق الشركات الدولية الكبرى بالفعل عند ظهورها.
وصلت الشركات الغربية الكبرى، بما فيها الأمريكية، إلى بولندا والدول النامية في تسعينيات القرن الماضي حيث اشترت شركات ومصانع متدهورة مالياً وقامت بإنشاء فروع لها. علاوة على ذلك، فقد وقع بعض السياسيين في الجمهورية البولندية الثالثة على العقود بكل سرور، ومنها شراء المعدات بما في ذلك طائرات F-16، آملين بأن عشرات المليارات التي سيتم إنفاقها ستسدد على المدى الطويل من خلال الإستثمارات في ظل ما يسمى عمليات متوازنة، أي في الواقع دخول لاحق للشركات إلى أسواق “الديمقراطيات الفتية”.
يمكن للمرء أن يتوصل إلى استنتاج محزن مفاده أن إدخال الديمقراطية الليبرالية، مع ما يسمى بسيادة القانون، يستلزم فتح الإقتصاد أمام التدفق غير المنضبط للشركات الأجنبية، التي أيقنت بأن دول الكتلة الشرقية السابقة ستدخل في بوتقة المؤسسات الدولية، مثل منظمة التجارة العالمية أو صندوق النقد الدولي، إذ ضمنت أن الأموال المستثمرة لن يتم تأميمها بين ليلة وضحاها؛ وعلى العكس من ذلك، فإنها ستحقق أرباحاً تقدر بمليارات الدولارات. في العام 2013، قامت الكيانات الأجنبية، تحت شعار “أسعار التحويل”، بإخراج ما يقرب على 100 مليار زلوتي بولندي، وفقاً للقانون وفي سنة واحدة فقط.
بالمقابل وفي خضم هذا الخطاب أحادي الجانب، بدأت البلدان المتقدمة تلاحظ وجود مشكلة مهمة. إنها ظاهرة “الشركات النجمية” – Star Companies وتعود تسميتها كذلك إلى حجمها والفوائد التي تجلبها. هذه الظاهرة أودت إلى استنتاجات مفاجئة أن مالكي الشركات الكبرى وموظفي الإدارة، وليس قادة الدول، هم من يمتلكون الثروات الكبرى، وأحياناً كثيرة ما يكون لها تأثير على الإقتصاد أكثر من الدولة ذاتها. على سبيل المثال، بلغت القيمة السوقية لشركة “أمازون” – Amazon، في مايو/أيار من العام 2018 في البورصة الأمريكية، تريليون دولار. للمقارنة، فإن رسملة جميع الشركات المدرجة في البورصة البولندية، في ذلك الوقت، كانت تقدر بأكثر قليلاً من 1 تريليون.. زلوتي بولندي.
ومع ذلك، من الصعب مقاومة الإنطباع بأن الشركات الكبيرة، ومالكيها، يحتاجون دائماً إلى بلدان لـ “تصريف” منتجاتهم، فلماذا لا تفرض سياسات حمائية على الشركات الجدد التي تمنع المنافسة غير العادلة لنمو الشركات الآسيوية وتقليل الضرائب على الأغنياء؟ في العام 2016، فاز الرئيس ترامب بالإنتخابات ودفع بمنظومة الإصلاح الضريبي بعد ذلك بقليل، حيث تبين أن كل ما تم من عمليات “تحرير” للدخل صب في خدمة الـ 1% من الأثرياء الأمريكيين؛ أما التعريفات الجمركية التي فرضت الإقتصاد الصيني “بالصدفة”، فتزامنت مع الشائعات (التي يبدو أنها صحيحة إلى حد ما) من قِبل الشركات الكبرى حول سرقة تكنولوجياتها من قبل الشركات الصينية. من بين المبررات الأخرى لإصلاح النظام الضريبي، قال الرئيس ترامب بضرورة تعزيز الإقتصاد الأمريكي من أجل خلق الملايين من فرص العمل. في الواقع، إن الاقتصاد الأمريكي مزدهر كافية إذ أن هناك فرص العمل متوفرة بوتيرة غير منظورة، على المدى الطويل. من وقت إلى آخر، تشير العديد من البيانات الصحفية إلى مسألة الأرباح الضخمة للشركات الأمريكية التي يتم إنفاقها على مكننة العمل والتي تؤدي إلى تسريح جماعي للعمال. على سبيل المثال وفي العام 2018، حققت شركة “بيبسي كو” – PepsiCo أرباحاً صافية بلغت 12.8 مليار دولار، حيث تم إنفاق 2.5 مليار منها على المكننة، إذ ذهب ما نسبته 70% من هذا المبلغ لدفع مستحقات المصروفين من العمل.
“لا يلاحظ السكان المتعلمون في العواصم الأوروبية أو الأمريكية أن تفاقم مشكلة عدم المساواة تؤثر بشكل رئيسي على مواطنيهم بدلاً من الفقراء في إفريقيا. هل يدرك مواطن وارسو الذي يعمل في شركة دولية أنه جزء من الـ 1% (380000 شخص) من أغنى الأفراد في بولندا؟ أم أن مجموعته حصلت على ضعفي أكبر جزء من زيادة الدخل منذ العام 1989 كما الجزء الذي تلقاه 50٪ من فقراء (19 مليون شخص) الجمهور؟” باوي بوكوفسكي – Paweł Bukowski إلى أدريانا روزوادوفسكا – Adrianna Rozwadowska.
- الإستثمارات الصينية
يعد تحليل الخطط الإقتصادية الصينية من منظور بولندي أمراً بالغ الصعوبة نظراً لمحدودية الوصول إلى المصادر، خاصة تلك المترجمة إلى البولندية. هل هذا هو بسبب الجهل غير المفهوم للدوائر الصحفية والسياسية والإقتصادية؟ أم هو قرار واعٍ في سياق “الألعاب” المحلية الحالية؟ لسوء الحظ، لا أستطيع الإجابة على هذه الأسئلة بشكل واضح. ومع ذلك وضمن سياق المقالة المذكورة أعلاه، قرر المؤلف الإعتماد على ترجمة مستنداته الصينية من الإنجليزية إلى البولندية. سأكون سعيداً لمناقشة الإستنتاجات والإستماع إلى كل صوت بسمات نقاش بناء. لنبدأ بعدد من الأرقام والحقائق بحيث سنبدأ بالترتيب من الأعلى إلى الأسفل:
- الصين: ناتج محلي إجمالي متوقع (2030) يقدر بـ 64.2 ترليون دولار، مقابل ناتج محلي إجمالي (2017) 23.2 ترليون دولار، بنسبة تصل إلى 177%.
- الهند: ناتج محلي إجمالي متوقع (2030) يقدر بـ 46.3 ترليون دولار، مقابل ناتج محلي إجمالي (2017) 9.5 ترليون دولار، بنسبة تصل إلى 387%.
- الولايات المتحدة: اتج إجمالي محلي متوقع (2030) يقدر بـ 31.0 ترليون دولار، مقابل ناتج إجمالي محلي (2017) 19.4 ترليون دولار، بنسبة تصل إلى 60%.
- إندونيسيا: ناتج محلي إجمالي متوقع (2030) يقدر بـ 10.1 ترليون دولار، مقابل ناتج محلي إجمالي (2017) 3.2 ترليون دولار، بنسبة تصل إلى 216%.
- تركيا: ناتج محلي إجمالي متوقع (2030) يقدر بـ 9.1 ترليون دولار، مقابل ناتج محلي إجمالي (2017) 2.2 ترليون دولار، بنسبة تصل إلى 314%.
- البرازيل: ناتج محلي إجمالي متوقع (2030) يقدر بـ 8.6 ترليون دولار، مقابل ناتج محلي إجمالي (2017) 3.2 ترليون دولار، بنسبة تصل إلى 169%.
- مصر: ناتج محلي إجمالي متوقع (2030) يقدر بـ 8.2 ترليون دولار، مقابل ناتج محلي إجمالي (2017) 1.2 ترليون دولار، بنسبة تصل إلى 583%.
- روسيا: ناتج محلي إجمالي متوقع (2030) يقدر بـ 7.9 ترليون دولار، مقابل ناتج محلي إجمالي (2017) 4.0 ترليون دولار، بنسبة تصل إلى 98%.
- اليابان: ناتج محلي إجمالي متوقع (2030) يقدر بـ 7.2 ترليون دولار، مقابل ناتج محلي إجمالي (2017) 5.4 ترليون دولار، بنسبة تصل إلى 33%.
- المانيا: ناتج محلي إجمالي متوقع (2030) يقدر بـ 6.9 ترليون دولار، مقابل ناتج محلي إجمالي (2017) 4.2 ترليون دولار، بنسبة تصل إلى 64%.(1)
“استفد من نقاطك القوية للتغلب على نقاط ضعف خصمك” – مثل صيني
عند إحتساب الإقتصاد الصيني كمؤشر على الناتج المحلي الإجمالي، بعد تحويله إلى قوة شرائية، سيكون أكبر اقتصاد في العالم العام 2030، وسيتفوق بنسبة 50% عن الهند (في المرتبة الثانية) وما يقرب من ضعف الهيمنة الحالية، أي الولايات المتحدة. تشير الوقائع إلى حجم الإقتصاد الصيني، في أوائل العام 2010، بالمقارنة بين المقاطعات الصينية والبلدان المختارة. بلا شك، أصبحت الصين رائدة الإقتصاد العالمي، وهو أمر مرهون بعدة عوامل، بعضها داخلي محض. وفقاً للبروفسور البولندي بوجدان غورالتشيك – Bogdan Góralczyk، فإن العناصر الأساسية لنموذج التنمية الصيني هي:
- وجود نهج عملي وغير عقائدي للإصلاحات.
- جرعات تغييرية متدرجة وحذرة.
- المرونة في إجراء التغييرات، والتجريب المستمر، والتكيف مع الظروف سريعة التغيير، الداخلية أو ضمن الأسواق العالمية.
- مرونة في إجراء التغييرات، وتجريب تبني مستمر لتقييم الاحتمالات والفرص الخاصة بشكل رضين مقرون بحساب عملي رائع للظروف الجديدة الناشئة في الساحة الدولية المتغيرة بإستمرار وبسرعة في عصر العولمة.
- إجراء عملية التطوير من قبل الدولة والحفاظ على تدخل الدولة في مجالات استراتيجية مختارة بجوار السوق المحررة.
- فتح سوقها أمام رأس المال الأجنبي مع تفضيل مستمر لرأسمالها الخاص.
- الجمع بين تحولاتها ومجريات العولمة.
- اتخاذ القرارات بشكل جماعي، وأولوية السلطة والسوق على الديمقراطية
- العودة إلى الجذور وخاصة إلى السلطة الأبوية الهرمية المستوحاة من الكونفوشيوسية.
- التناوب المستمر للحكام وإعدادهم بشكل سليم وعملي؛ بالتالي، العودة إلى مبدأ الجدارة.
- رفض الأنماط الغربية مع ملاحظة التغيرات العالمية والإستفادة من أفضلها إذ ما يصب في مصلحة الصين.(2)
لا يقتصر المفهوم الصيني للتنمية الإقتصادية، على الرغم من المظاهر العديدة، على السوق المحلية. على العكس من ذلك، فإن تصدير المنتجات المصنعة جزئياً، وكذلك الحلول الهندسية والتكنولوجيا المتقدمة المعقدة وأخيراً الخدمات، هي التي تقف وراء “الفتح” الصيني للإقتصاد العالمي.
تبلغ القيمة الإجمالية للإنتاج في ثماني دول أفريقية، والتي تقع في مدار اهتمام الشركات والإستثمارات الصينية، حوالي 500 مليار دولار. كما يمكن التقدير بأن 12% المنشأة منها مملوكة لأشخاص صينيين. هذه الشركات تتواجد في قطاعات عديدة أبرزها الزراعة، وتكنولوجيا المعلومات والإتصالات والبنوك، والنقل، والخدمات اللوجستية. في قطاع البناء، أصبح وجود الشركات الصينية أكثر وضوحاً، حيث تصل حصتها إلى نصف قيمة العقود التي يتم منحها، وهو أمر مهم للغاية من وجهة نظر الإقتصاد الصيني. في الصين، يتم إنشاء أكبر شبكة طرق سريعة في العالم، كما تجدر الإشارة هنا إلى أن الصينيين يحتلون المقام الأول من حيث عدد ناطحات السحاب المبنية في العالم.
هذه الإستثمارات ستجذب المزيد من رأس المال، فالشركات الصينية الجديدة الناشئة تشكل خدمة لتلك التي تم إنشاؤها في وقت سابق. على سبيل المثال، تظهر محلات الوجبات السريعة والمنسوجات الصينية في أفريقيا بشكل جماعي، كما أن السياحة الصينية في القارة السمراء تنمو بشكل أسرع، ويتم تنظيمها من قبل الشركات المحلية برؤوس أموال صينية.
الأهم من ذلك، إن الشركات الصينية في إفريقيا، تقوم بتوظيف العمالة الوطنية بشكل رئيسي، كما أنها تساهم في الشركات المحلية. ومع ذلك، فإنها تترك إدارتها، بشكل مميز، بأيدٍ صينية. في الوقت الحالي، يدير أرباب العمل المحليون 44% من الشركات، فيما أكثر من نصف الشركات الصينية، في أفريقيا، لديها مدراء صينيين في أعلى المناصب.
من هنا، تزداد التجارة الأفريقية – الصينية في أعقاب الاستثمارات المباشرة. ففي العام 2015، وصلت نسبتها إلى 188 مليار دولار أمريكي (في العام 2001 كانت 13 مليار دولار فقط). ومن حيث حجم التجارة، يمكن القول بأن الصين لا مثيل لها، فيما تأتي الهند ضمن المرتبة الثانية حيث بلغ حجم التجارة 59 مليار دولار، وفرنسا في المرتبة الثالثة بـ 57 مليار دولار.
ضمن منتدى التعاون الصيني – الأفريقي في بكين، وعد الرئيس شي بإستثمار 60 مليار دولار أخرى على مدى السنوات الثلاث المقبلة في أكثر القارات إهمالاً، على أن يصب معظم هذا المبلغ ضمن قروض منخفضة الفائدة لمشاريع البنى التحتية، كما أنه سيتم إنفاق 5 مليارات دولار على السلع المنتجة. كذلك، وعد بتقديم منح دراسية، وتدريب مهني، وخبراء زراعيين للأفارقة، مؤكداً على أن المخاوف من سيطرة الصين على القارة أو إكتساب نفوذ فيها لا أساس لها من الصحة. إن ”المساعدة” الصينية لا تستند إلى شروط سياسية. إضافة إلى قوله بأن بلاده لن تبني “تمثالاً من الغرور”، بل ستقدم كل ما هو ضروري ومطلوب.
وصل قادة جميع الدول الأفريقية إلى بكين (الدولة الوحيدة التي تغيبت هي سوازيلند الصغيرة، التي غيرت اسمها إلى إسواتيني – الدولة الأخيرة في القارة التي لا تزال تقيم علاقات دبلوماسية مع تايوان). وفي الإعلانات الصادرة عن القمة، أكد المجتمعون بالإجماع أنه لا يمكن لأحد أن يخسر مشاركة الصين.
في العام 2016، كانت العاصمة الصينية هي الأكثر نشاطًا في أوروبا. ثم أعلنت شركة الصين الوطنية للكيماويات، والمعروفة أيضاً بإسم ChemChina، أنها ستشتري شركة إنتاج المبيدات السويسرية Syngenta AG مقابل 46.3 مليار دولار. تم إبرام العقد ومع ذلك لم يتم الإنتهاء من الصفقة، حتى العام 2018 وفقاً لمعلومات بلومبرج.
تتركز أكثر من نصف الإستثمارات الصينية في أكبر خمسة إقتصادات أوروبية. ففي بريطانيا العظمى وحدها، شارك الصينيون في 227 صفقة بقيمة 70 مليار دولار. في ألمانيا، إشتركت بكين في 225 صفقة، وفي فرنسا 89 صفقة، وإيطاليا 85 صفقة، وهولندا 82 صفقة. ومع ذلك، فإن أهم استثمار للبنية التحتية الصينية في أوروبا تركز في شراء أكبر ميناء في اليونان، بيرايوس.
تريد الصين الإستثمار في كل مكان، لكن الإنفتاح على رأس المال الصيني يختلف في أنحاء أوروبا. مثلاً، تضغط ألمانيا وفرنسا وإيطاليا على إيجاد آلية شاملة للإتحاد الأوروبي من أجل السيطرة على تدفق الإستثمارات الصينية، في حين أن حكومات اليونان والبرتغال وقبرص يشككون في مثل هذه الأنظمة. من وجهة نظرهم، فهذا الأمر يحد من قدرتهم على جذب رأس المال الذي هم بحاجة ماسة له.
مع ذلك يغض النظر عما إذا كان الصينيون يشترون عقارات تجارية في لندن أم لا، أو شركات التكنولوجيا الألمانية مثل Kuka AG، أو شركات صناعة السيارات الإسكندنافية، مثل “فولفو” – Volvo Personvagnar AB، أو منتجي الطاقة مثل Addax Petroleum Corp. في سويسرا، تتركز الإستثمارات الصينية في العديد من المجالات الرئيسية. فلقد حصلت الصناعة الكيميائية على الحصة الأكبر من إجمالي الاستثمارات الصينية، حيث استثمرت شركات من المملكة الوسطى حوالي 49 مليار دولار أمريكي، أما الإستثمارات التالية فكانت بالطاقة التقليدية، والعقارات، والمناجم والتعدين؛ وقد بلغت الأصول الصينية في هذه الصناعات 25.9 مليار دولار، 23.9 مليار دولار، و23.1 مليار دولار على التوالي.
إن معرفة من يقوم بعملية الشراء تلك أمر أساسي من أجل فهم كيفية تشكل هذه الأنشطة لجزء من السياسة الخارجية الرسمية وغير الرسمية للصين.
بالعموم، إستثمرت أكثر من 670 شركة صينية، أو مقرها في هونغ كونغ أو مرتبطة إرتباطاً وثيقاً ببكين، في أوروبا منذ العام 2008. إن ما يقرب على الـ 100 منها مدعومة من الدولة أو صناديق الإستثمار التي اشتركت في معاملات قيمتها 162 مليار دولار على الأقل (63% من القيمة الإجمالية للمعاملات المبلغ عنها، وفقا لتقرير بلومبرج). ثمانية من بين أكبر عشر مشترين كانت الشركات المملوكة للدولة أو الخاصة، بما في ذلك “المؤسسة الصينية للإستثمار” – China Investment Corp (صندوق عقاري)، و Aluminium Corp of China Ltd، و”صندوق طريق الحرير” – Silk Road Fund Co، وهو الصندوق العقاري المرتبط بمبادرة “حزام واحد.. طريق واحد” الصينية.
لن تكتمل صورة المصالح المالية للصين في أوروبا دون الأخذ بالإعتبار نوعين إضافيين من المعاملات: المشتريات الكبيرة للأسهم في السوق الحرة، مثل حصة 10 مليارات دولار من مجموعة “بينج آن” – Ping An للتأمين الصينية في مجموعة HSBC Holdings Plc المالية، ومشاريع الحقول الخضراء، أي مشاريع البناء على الأراضي غير المطورة أو غير المستخدمة سابقاً.
إن مبادرة “الحزام والطريق” تثير الشكوك حول الأهداف الاستراتيجية للصين. فقبل انعقاد أول منتدى للمبادرة، في منتصف مايو/أيار العام 2017 – بكين، نقلت وسائل الإعلام العالمية مخاوف ممثلي العديد من دول العالم. على سبيل المثال، تخشى الهند من أن دعم الإستثمارات الصينية لمطالب باكستان الإقليمية، وتشعر إندونيسيا بالقلق إزاء استقرار المنطقة. وفي أبريل/نيسان من العام 2019، عقد المنتدى الثاني؛ وكما في حالة القمة الأولى تم إعلان القائمة النهائية للمشاركين فيه باللحظة الأخيرة فقط. يثير خيار المبادرة الصينية بالمساعدة المزيد من الجدل بين عام وآخر. من هنا، إنطلقت الحرب التجارية، في عهد الرئيس ترامب، بين بلاده والصين، منتصف العام 2018.
يجمع المنتدى ما بين 65 دولة بقطن فيها 60% من سكان العالم، بإجمالي ناتج محلي يبلغ 21 تريليون دولار. بالنسبة للعديد منهم، إن إمكانية الحصول على دعم اقتصادي من الصين يعني وضع هذه البلدان على مسار اقتصادي جديد. وفقاً لتقديرات البنك الآسيوي للتنمية، تحتاج المنطقة إلى استثمارات تقدر بنحو 26 تريليون دولار بحلول العام 2030.
إلى ذلك، يشير المراقبون إلى المشكلات الناشئة عن الإدعاءات الإقليمية الصينية فيما يتعلق بمنطقة بحر الصين الجنوبي. بكين في نزاع مع دول مجتمع رابطة أمم جنوب شرق آسيا – آسيان بشأن أرخبيل الجُزر الواقع ضمن تلك المنطقة، مبررة توسعها بضمان سلامة النقل البحري، أي الجزء البحري من “الحزام والطريق”.
ماليزيا تعارض الإستثمارات الصينية، فهي تدعي أنها لا تستطيع تحمل مثل هذا القدر الكبير لأن فجوة كبيرة غير قابلة للتغيير ستقع في ميزانية الدولة. أما النخبة السياسية الإندونيسية فتخشى “الهيمنة الإقليمية” للصين. كما تنتقد الهند الإستثمارات الصينية لا سيما تلك في كشمير، حيث تدفع بها الصين بشكل دوري خصوصاً في المناطق الجبلية المتنازع على حدودها بين البلدين. وتشعر موسكو، بدورها، بالقلق من أن بكين تريد تقليص نفوذها في آسيا الوسطى من خلال إشراك دول الإتحاد السوفيتي السابق للإنخراط في مبادرة “الحزام والطريق”. وبالنسبة إلى كل من سريلانكا وجيبوتي وكينيا وإثيوبيا وباكستان وإيطاليا، في الآونة الأخيرة، فلقد تحدثنا عن ديون غير مستحقة الدفع ناشئة عن الإستثمارات الصينية، هذا من ناحية. من ناحية أخرى، إن الإستثمارات الصينية هي الوحيدة المتواجدة في البلدان الأفريقية. يعترف المحللون أن بلدان تلك القارة قد تُركت للفارغ بعد حصولها على الإستقلال بسبب انسحاب قوى الإستعمار منها في الستينيات. بريطانيا العظمى وألمانيا وبلجيكا وفرنسا لم تثرِ البنية التحتية للسكك الحديدية هناك. في إفريقيا، لا تزال هناك مشكلة مع عرض قاعدة عجلات العربات، الأمر الذي يعيق بشكل فعال إنشاء خطوط السكك الحديدية الفعالة بين البلدان التي كانت ذات يوم تنتمي إلى قوى مختلفة. في المقابل، تدخلت بكين وعملت بنشاط. هكذا، أصبح تقييم الإستثمارات الصينية مشكلة تتاخم الميتافيزيقيا، وليس فقط التحقق من جدوى الأرصدة التجارية.
تقول بكين إن مبادرة “الحزام والطريق” لا تهدف قط إلى السيطرة على الحكومات الأخرى. وفقاً لتأكيداتها، فإن معظم التمويل الذي عرضته الصين، كجزء من القمة الدولية التي استمرت ليومين في بكين، هو تقديم قروض على أساس “مبادئ السوق”. هنا، يعود المراقبون إلى مثال سريلانكا ويكررون الحجة حول العبء المفرط للميزانية المحلية كلما ظهر المستثمرون الصينيون.
*كاتب بولندي
المراجع:
(1) راجع: visualcapitalists.com
(2) راجع:
Walkowski, Maciej. 2017. “The Chinese model of socio-economic development and its potential adaptation in Europe”. Strategic Overview (Przegląd Strategiczny) 10.
مصدر الصور: قناة الغد – الكاتب – اليوم السابع.
موضوع ذو صلة: “الحزام والطريق”: خريطة إقتصادية – سياسية عالمية
موضوع ذو صلة: ريا: إيجاد حلول للحرب التجارية الصينية – الأمريكية بات ضرورياً