مركز سيتا
بعد مرور أكثر من 13 شهراً على اندلاع الصراع في إقليم تيغراي، 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، تزايدت المخاوف من انزلاق إثيوبيا إلى حرب أهلية شاملة، ومن ثم احتمال تفكك البلاد. غير أن الخبر اللافت جداً هو “التدخل” الإيراني – التركي العسكري في النزاع – بشكل غير مباشر – وهو ما يرسم العديد من التساؤلات حول هذا التدخل وتأثيراته على الدولتين وعلى بعض دول الإقليم، لا سيما السعودية ومصر والسودان.
أصابع إسرائيلية
سعت إسرائيل – في انفتاحها على الدول الإفريقية – إلى تضييق الحصار على كل من مصر والسودان، وهو ما تحقَّق لها لاحقاً، خصوصاً مع العلاقات الإسرائيلية – الإثيوبية العميقة التي قد تضع البلدين الآخرين “تحت رحمة” تل أبيب – بشكل غير مباشر – لا سيما لجهة المياه، وتحديداً “سد النهضة”، ناهيك عن العلاقات المميزة بينها وبين أوغندا التي يجري فيها أحد روافد نهر النيل.
في المقابل، يمكن القول بأن القاهرة متنبه تماماً لهذا الخطر ولعل إنشائها لقواعد عسكرية في الجنوب – لا سيما قاعد برنيس – هي خطوة احترازية لما قد يطال أمنها، بالأخص أمنها القومي المائي. أما السودان فهو ملهي بأزماته الداخلية التي تغرقه وتبعده – نوعاً ما – عن ما هو خارج نطاق حيّزه الجغرافي.
عامل ديني؟!
من المعروف أن إثيوبيا تعتنق المسيحية في غالبيتها مع وجود عدد من المسلمين؛ ولأن إقليم تيغراي في غالبيته من المسيحيين، يمكن القول – بحسب العديد من المراقبين – بأن دخول كل من إيران وتركيا على خط الصراع في إثيوبيا – من خلال دعم حكومة أحمد – عنوانه العام “تدخل ديني” وهذا ما تقوم به طهران وأنقرة في العديد من الدول الأخرى.
في المقابل، يرى البعض الآخر بأن حقيقة التدخل تكمن في “فتح شهية” الدول نحو إثيوبيا التي باتت تعتبر سوقاً مهماً لبيع الأسلحة – واختبار مدى فعاليتها – لا سيما لجهة أنقرة لا سيما طائرات “بيرقدار” المسيرة.
أما لجهة المصالح، يمكن القول بأن طهران تريد حجز موقع لها في تلك المنطقة خصوصاً مع تصاعد الإهتمام بإفريقيا، عموماً – والقرن الإفريقي، خصوصاً الذي بات محط صراع عالمي، حيث تريد طهران فتح أسواق جديدة لها للتعامل مها مستقبلاً خصوصاً وأنها مهدت لذلك ضمن زيارات سابقة لرؤساء إيرانيين سابقين، أبرزهم محمد خاتمي ومحمود حمدي نجاد.
من هنا، يبدو بأن تفاهم إيران – تركيا حول الأزمة الإثيوبية والتدخل لصالح الحكومة المركزية جاء نتيجة الفراغ الذي احدثته الإدارة الأمريكية الجديدة لجهة الضغط على أديس أبابا لوقف الحرب، حيث تحولت المناطق الشمالية للبلاد – بالتحديد – إلى ساحة صراع مفتوحة، ومستفيدتين من تراجع الدعم الأمريكي والإقليمي الذي يحتاجه رئيس الوزراء، خصوصاً في المجال العسكري بعد تراجع القوات الحكومية أمام هجمات الإقليم حيث يتم استخدام السيناريو نفسه الذي استخدم في إقليم ناغورنو كاراباخ لناحية قدرة سلاح المسيرات – التركية بالتحديد – على أن حسم النزاع، أو قبله لموازين القوى على الأرض، حيث كانت “الدرونز” عاملاً فاعلاً وحاسماً في كسب باكو للحرب على ياريفان.
صفقات استراتيجية
كانت إثيوبيا أحد الأسباب التي دفعت الولايات المتحدة إلى سن عقوبات على إيرانيين يعملون في برنامج الطائرات دون طيار و”فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الإيراني، وذلك بعد أن أمدت إيران آبي أحمد بطائرات دون طيار تعمل في مجالي التجسس والضربات الهجومية، ومنها طائرة “مهاجر 6″، حيث جرى رصد طائرة نقل “إليوشن Il-76TD” إيرانية (روسية الصنع)، في الفترة ما بين يونيو/حزيران وأغسطس/آب 2021، محملة بالأسلحة واللوجستيات في مطار هارد ميديا الإثيوبي الذي تهتم به إيران لأسباب استراتيجية.
أيضاً، وقّعت تركيا اتفاقية دفاع عسكري مشترك مع حكومة آبي أحمد، الذي زار أنقرة خلال شهر أغسطس/آب 2021، بهدف جعل “أنقرة شريكاً إقليمياً بديلاً يتحدى القوى التقليدية”، فيما يستهدف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الحفاظ على مصالحه الاقتصادية في القارة الإفريقية وسط تصاعد الأزمات الداخلية التي تشكل تهديداً مباشراً للأصول والاستثمارات، إذ تعد تركيا ثاني أكبر مستثمر في إثيوبيا بعد الصين ويصل حجم استثماراتها إلى حوالي الـ 2.5 مليار دولار، بالإضافة إلى وجود حوالي 200 شركة تركية في إثيوبيا، في حين بلغ حجم التجارة بين البلدين 650 مليون دولار العام 2021.
مصالح لا مبادئ
من خلال ما سبق، يمكن القول بأن لدى طهران – أنقرة جملة من المحفّزات التي تدفعهما إلى الانخراط في دعم الحكومة الإثيوبية لأن قدرة آبي أحمد على تجاوز قومية تيغراي تجعله أكثر قرباً من تحقيق نجاحات مماثلة على الحدود السودانية في منطقة الفشقة وستكون على مقربة من سواحل البحر الأحمر السودانية (في إقليم شرق السودان)، التي تشهد صراعاً محتدماً على النفوذ من المتوقع أن يغذيه استمرار الاضطراب السياسي في السودان، خصوصاً بالنسبة إلى تركيا التي حصلت على اتفاق – في حقبة الرئيس السابق عمر البشير – للإستثمار في جزيرة سواكن الاستراتيجية.
وبالنسبة إلى طهران، فإنها تتعامل مع البحر الأحمر كمنطقة نفوذ مهمة لها تستهدف من ورائها للحصول على هيمنة ما في إطار الصراع مع قوى إقليمية ودولية متعددة، بالإضافة إلى تحسين موقفها حال جلوسها إلى طاولة مفاوضات مباشرة مع السعودية – خصوصاً بعد نجاحها في دعم الحوثيين في اليمن – ناهيك عن أنها تدرك أهمية الموقع الجيو – استراتيجي الذي تتمتع به إثيوبيا في شرق القارة، والذي يهم الرياض وحلفاءها.
بالنسبة إلى مصر، قالت أستاذة العلوم السياسية بمركز الدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة، هبة البشبيشي، إنه “في إطار التنافس التركي – الإيراني على النفوذ يبعث الطرفان إلى القاهرة إشارات عديدة، مفادها أنه لن يكون مقبولاً تمددها في شرق إفريقيا بعد أن شكلت حائط صد مع الجيش السوداني لتأمين الحدود مع إثيوبيا، وحصنت قدراته العسكرية حتى تمكنت من استرداد منطقة الفشقة من القوات الإثيوبية”.
من هنا، يمكن القول بأن هناك تقاطع للمصالح بين أنقرة وطهران من أجل الضغط على كل من الرياض والقاهرة ولكلٍ منهما أسبابه،؛ بالنسبة إلى تركيا، هناك خلافات حدود بحرية في شرق المتوسط وهي تتضارب مع مصالح مصر، ناهيك عن إستضافة أنقرة للعديد من قيادات “الإخوان المسلمين”، ومناهضتها للسياسة المصري الجديدة. وعن علاقتها بالرياض، لا شك بأن العقلية التركية الجديدة ترى بأنها الأكثر قدرة على قيادة العالم الإسلامي – سياسياً – لا سيما مع تراجع كبير في سياسات العديد من دول الخليج المنافسة لها، و”التوكيل” الأمريكي لها بإدارة بعض من الملفات الحساسة، وأبرزها على الإطلاق الملف الأفغاني.
أما بالنسبة إلى طهران، فهي تريد زيادة أوراقها للضغط على الرياض وحلفائها خصوصاً في فترة التفاوض على الإتفاق النووي، ما يسمح لها بمجال أكبر لفرض شروطها. وفيما يخص علاقاتها بالقاهرة، فهناك نوع من النفور بين الدولتين لا سيما بعد عزل الجيش لجماعة الإخوان عن السلطة، وهو ما يضرب عقيدة طهران المرتكزة على “الصحوة الإسلامية” التي ستسمح لها بأن تكون على قائمة القيادة في العالم الإسلامي. لكن اللافت جداً هنا – والمستغرب لدى الكثير من المراقبين – هو دعم إيران لحكومة آبي أحمد التي تعتبر من أشد المؤيدين للعلاقات العميقة مع إسرائيل، والتي تمارس أيضاً سياسات تتضارب مع حقوق ومصالح بلدين إسلاميين، أي السودان ومصر، ما يضع سؤالاً كبيراً حول هذا الدعم، فقد يكون جوابه بسيطاً وهو أن “المصالح تغلب على المبادئ”، بل وحتى على الروابط الدينية.
مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.
مصدر الصور: سبوتنيك – وكالة الصحافة الفرنسية.
موضوع ذا صلة: الأزمة الإثيوبية.. هل إحترقت أوراق آبي أحمد؟!