السفير د. عبدالله الأشعل
بدأت اللعبة في العراق مع الرئيس الراحل، صدام حسين، حيث دعمت واشنطن الجيش الإيراني، تحت حكم الشاه، وشجعت الكرد وسلحتهم لضرب الجيش العراقي، فإضطر الرئيس صدام حسين إلى منحهم الحكم الذاتي بتعديل الدستور، ومنح إيران نصف شط العرب للتوقف عن دعم الكرد ظناً منه أنه يمكن أن يتسلم لواء العروبة والقومية، بعد سقوط مصر والتصدي لإيران ومخططها، والدفاع عما أسماه القوميون “عروبة الخليج”.
ولكن يبدو أن الولايات المتحدة لم تضحي به في هذه المرحلة الأولى، وإنما لحظت صعوده السياسي وباركته، ولم يكن يشكل مشكلة للسعودية، خصوصاً، والخليج، عموماً، ما دام الشاه ينوب عنها في حمايتهم وحماية المصالح البترولية الأمريكية في المنطقة خاصة وأن بريطانيا أبرمت تسوية مع الشاه قبل رحيل قواتها من الخليج، في أواخر العام 1971 حول جزر الخليج الثلاث؛ وكذلك حول البحرين، حيث أجرت الأمم المتحدة استفتاءً في البحرين، العام 1970، واختار شعبها أن تكون إمارة مستقلة عن إيران، وهكذا تمكنت كل من البحرين وقطر من اعلان استقلالهما عن بريطانيا في ربيع العام 1971، مما أدى إلى فشل مشروع الإتحاد الساعي لمشيخات الخليج، وبقيت الإمارات السبع، التي كانت تسمى متصالحة “Trucial” أو المتهادنة مع بريطانيا، وأنشأت دولة الإمارات العربية المتحدة بإستثناء رأس الخيمة، في أول ديسمبر/كانون الأول من العام 1971، ثم إنضمت رأس الخيمة، في فبراير/شباط من العام 1972.
أما المرحلة الثانية للمؤامرة الأمريكية على العراق، فقد بدأت عندما حاولت بغداد أن تخلف القاهرة، بمباركة أمريكية سياسياً وقادت الفريق العربي للتصدي لمصر مما جعل “كامب ديفيد” تشق الصف العربي. كما ساندت واشنطن الفريق العربي المناهض لمصر سراً، بينما ساندت موسكو جزءاً من هذا الفريق مما يعني أن القوتين العظميين كانتا على وفاق فيما يتعلق بضرب المنطقة العربية رغم أن مصر كانت قد خرجت إلى الحضن الأمريكي بعد “كامب ديفيد”، فيما كان العراق لا يزال مستدفئاً بالحضن السوفيتي.
وقد إستخدمت “الحرب الباردة” أيضاً للقضاء على وحدة المنطقة العربية تحت أي مسمى بعد إنتهاء الموجه الأولى التى قادها الرئيس المصري الراحل، جمال عبد الناصر، وهي تقسيم المنطقة العربية بين نُظم تقدمية وأخرى رجعية، بالإضافة إلى عرب اليمن والإنقلابات العسكرية في كل من ليبيا والسودان وسوريا والعراق، وسميت هذه الإنقلابات بـ “الثورات العربية”، بسبب سوء فهم مصطلح الإنقلاب العسكري أخلاقياً وسياسياً في الثقافة العربية.
ومع قيام الثورة الإسلامية في إيران وحدوث أزمة الرهائن الأمريكيين، جندت واشنطن الرئيس العراقي والخليج والدول العربية الأخرى، وخاصة مصر، لمساندته في غزو إيران بعد أن فشلت محاولاتها في مجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية والعملية العسكرية الفاشلة لإنقاذهم إنطلاقاً من الأراضي السعودية، إبريل/نيسان العام 1981.
وعلى الرغم من أنه تردد أن واشنطن سمحت لإسرائيل بالمرور في الأجواء السعودية لضرب المفاعل النووي العراقي، في يونيو/تموز من العام 1981، فإن الرئيس صدام حسين لم يفطن إلى أنه بدأ حرباً لصالح أمريكا ضد إيران منذ الأسبوع الثالث من شهرسبتمبر/أيلول 1980. وبعد أن طاردته أوهام الزعامة والنصر على إيران حسب رواية وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر الذي زين له أن بإمكانه أن يتوج “أميراً للمنطقة وسانده الخليج بتعليمات أمريكية، إلا أنه على ما يبدو وعدت واشنطن السعودية هي الأخرى بأن ترث الزعامة العربية بعد مصر، فشعرت المملكة بالرضى لهزيمته ودحره داخل أراضيه، وضغط القوات الإيرانية على حدوده، ووضع أربعة شروط لوقف إطلاق النار من بينها رحيله عن السلطة.
فيما سبق، مدت الولايات المتحدة الرئيس العراقي بالسلاح لضرب إيران، والكيماوي لإبادة الكرد، ثم بالغت في استخدامه منهزة “أحلامه” المهدرة، وأغرته بإحتلال الكويت للقضاء المبرم على جيشه الذي اكتسب خبرات قتالية عالية في حربه الطويلة مع إيران. بعدها، شكلت واشنطن تحالفاً دولياً عسكرياً لتحرير الكويت من سلطته والقضاء على الجيش العراقي فارضة العقوبات عليه، وكفت يده عن الكرد وشجعتهم على الإستقلال عن السلطة المركزية ثم قامت، في العام 2003، بغزو العراق وتقسيمه، ومساعدة إيران والشيعة على قتل السنة.
لذلك، إن الحراك في العراق بات يرفض هذه المؤامرة بجميع مراحلها، وإعتبر أن بلاده قد تم إخضاعها لكل من إيران والولايات المتحدة؛ فقام الحراك بوجه الطائفية وإيران والولايات المتحدة مؤكداً على عروبة العراق. من هنا، أعلن عن “سعادته” بإغتيال اللواء قاسم سليماني حيث اتهم الحشد الشعبي، الذي يرأسه، بالتطهير العرقي للسنَّة، ولكونه “رأس الحربة” للنفوذ العسكري الإيراني، رافضاً أن يتحول العراق إلى ساحة للصراع الإيراني – الأمريكي.
أما في سوريا، فلقد حاولت واشنطن طويلاً فك التحالف السوري – الإيراني، بعد انهيار التحالف المصري- السوري الذي انتهى مع “كامب ديفيد”، ثم حاولت تطويع الرئيس الراحل، حافظ الأسد. ولكن قصارى ما فعلته هو إقناعه بالإشتراك في الحملة الدولية لإخراج العراق من الكويت وفق “إعلان دمشق”، الذي كان يقضي بإعفاء سوريا ومصر من ديونها العسكرية الأمريكية مقابل المشاركة في الحملة، إضافة إلى الحصول على معونات سخية.
ولكن عندما أصبحت سوريا محور المقاومة ضد إسرائيل، تنمرت لها واشنطن فقتلت رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق، رفيق الحريري، العام 2005، بعد أن فشلت في تطويع الرئيس بشار الأسد مخرجة الجيش السوري من لبنان، ومرغمة دمشق على الإعتراف بلبنان وتبادل العلاقات الدبلوماسية معه، كما أنها طاردتها هي وحزب الله أمام محكمة جنائية خاصة أُنشئت خصيصاً في إطار هذه المؤامرة.
ولما يئست من إخراج سوريا من الدور المركزي لـ “محور المقاومة”، قررت الولايات المتحدة تدميرها من خلال مؤامرة بدأت في العام 2011، حين تأثرت بعض المحافظات بالثورة في مصر وتونس، وكانت النتيجة أن ساندت واشنطن الكرد ضد حكومة دمشق، في حين أنها تعمل اليوم على تقسيمها بعد أن إستعانت الحكومة بكل من روسيا وإيران وحزب الله، حيث سمحت، مع روسيا، بإستخدام الأراضي السورية جزئياً في الصراع ما بين إيران وإسرائيل، فقد يؤدي اغتيال اللواء قاسم سليماني إلى تحويل البلدين إلى ساحة للصراع الايراني – الإسرائيلي – الأمريكي، ويدفع الشعبين، العراقي والسوري، ثمن أعباء هذا الصراع.
*سفير سابق ومساعد وزير الخارجية المصري الأسبق.
مصدر الصور: مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي – أورينت نت.
موضوع ذا صلة: “المائة عام القادمة”: أمريكا قوة عالمية عظمى