ستيفن صهيوني*

أخيراً، أصدر الحكم القاضي ديفيد ري حكمه، في 18 أغسطس/آب 2020، رئيس غرفة الدرجة الأولى في المحكمة الخاصة بلبنان ومقرها لاهاي في هولندا التي بدأت عام 2014 وكلفت نحو مليار دولار، بعدم وجود دليل مباشر على تورط قيادة حزب الله أو سوريا في الهجوم الذي قتل فيه رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري، في 14 فبراير/شباط 2005.

أدين سليم عياش بالتآمر لإرتكاب عمل إرهابي وقتل الرئيس الحريري ومعه 21 آخرين، ومحاولة قتل 226 آخرين في التفجير الإنتحاري عبر سيارة مفخخة. ومع ذلك، لا يزال مكانه غير معروف. تم تقديم الدليل على حيازة عياش لأحد الهواتف المحمولة الستة التي استخدمتها فرقة الإغتيال، في حين برأت المحكمة الخاصة بلبنان ثلاثة متهمين آخرين وهم: حسين حسن عنيسي، وأسعد حسن صبرا، وحسن حبيب مرعي.

سبق ذلك، نفي حزب الله المستمر بتورطه في الحادث. ومع ذلك، توقع الجميع أن المحكمة ستلقي باللوم عليه وعلى دمشق، في حين أن الكثيرين حملوا هذا الحدق لإسرائيل

أما ردود الفعل الرسمية، فقد رحب الرئيس اللبناني، ميشال عون، بحكم المحكمة الخاصة بلبنان ووصفه بأنه “إنجاز للعدالة”، في حين قال رئيس الوزراء السابق سعد الحريري، نجل رفيق الحريري، إنه “قَبِل الحكم.”

من قتل الحريري إذاً؟

في 23 فبراير/شباط 2005، كتب الصحافي البريطاني، باتريك سيل، مقالاً في جريدة “الغارديان” أن طموح إسرائيل كان هدفه دائماً إضعاف سوريا، وقطع تحالفها الإستراتيجي مع إيران، وتدمير حزب الله، خصوصاً وأنها تتمتع بخبرة كبيرة في مجال “الإغتيالات المستهدفة”، ليس فقط في الأراضي الفلسطينية ولكن في جميع أنحاء الشرق الأوسط؛ وعلى مر السنين، تم إرسال فرق قتالية لقتل المعارضين في العديد من العواصم، كبيروت وتونس ومالطا وعمان ودمشق.

في 16 فبراير/شباط 2005، كتب الصحفي الإستقصائي الأسترالي، جو فيالز، عن نظريته حول تفجير بيروت، حيث قال “مع الأخذ في الإعتبار أن هذا الإنفجار نتج عن قنبلة نووية دقيقة للغاية مصدرها ديمونا في صحراء النقب”، مضيفاً “في محاولة يائسة لإبطاء هزيمتهم المقبلة في فلسطين، قامت القوات الخاصة الإسرائيلية بإطلاق الأسلحة النووية الصغيرة لقتل رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، ثم وجهت وسائل الإعلام الغربية بإلقاء اللوم الكاذب على سوريا في هذا العمل الوحشي.”

أيضاً وفي 23 يوليو/تموز 2005، ، كتب د. جريجوري م. زيغلر، النقيب السابق في الجيش الأمريكي – المخابرات العسكرية، يقول “في عدد كبير من الموضوعات، لا تزال تحليلات جو فيالز الأكثر اختراقاً وتفصيلاً. كان من أوائل الذين فضحوا المشاكل في قصص تفجيرات بالي وجاكرتا واغتيال رفيق الحريري.”

في أعقاب عملية إغتيال الحريري، إنقسم لبنان بين تحالف الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي والناتو، وآخر مدعوم من حزب الله وحليفتيه إيران وسوريا، فيما لا يزال الشعب اللبناني، وسياسيهم، منقسمين بين من أراد قيام المحكمة بلوم حزب الله، وبين من يرون بأن المحكمة ليست سوى أداة سياسية لتشويه سمعة الحزب.

في بيروت.. فرنسا مقابل تركيا

في 13 أغسطس/آب 2020، اتهم الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بأن لديه “مخططات إستعمارية” في لبنان، وسخر من زيارته لمرفأ بيروت المدمر ووصفها بأنها “استعراضية”.

في المقابل، قالت وزارة القوات المسلحة الفرنسية، في 13 أغسطس/آب، أن فرنسا ستقوم بنشر طائرتين مقاتلتين من طراز رافال والفرقاطة “لافاييت”، قبالة الساحل في بيروت، في إطار خطة لإثبات وجودها العسكري في شرق البحر الأبيض المتوسط.

يأتي ذلك في وقت يعارض فيه الرئيس ماكرون محاولة الرئيس أردوغان السيطرة على البحر من خلال عمليات التنقيب عن موارد الطاقة، الأمر الذي أثار غضب كل من اليونان وقبرص بسبب الإتفاقات البحرية التي أبرمها مع ليبيا والتي تتعارض مع تدخله العسكري في الصراع هناك.

السفن الحربية الدولية تتجمع

في 14 أغسطس/آب، أعلن الجيش اللبناني أن حاملة طائرات الهليكوبتر الفرنسية، PHA Tonnerre، رست في ميناء بيروت على متنها وحدة هندسية للجيش الفرنسي ومركبات هندسية ومعدات ضرورية لإزالة الأنقاض من الميناء المدمر، بالإضافة إلى أنها كانت تحمل مساعدات طبية وغذائية ومواد بناء وسيارتين تبرعت بهما فرنسا للدفاع المدني اللبناني.

في هذا الشأن، قال اللفتنانت جنرال السير جون لوريمر، كبير مستشاري الدفاع البريطاني لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بأن نشر HMS Enterprise “يكمل حزمة فورية من الدعم العسكري والمدني. وكجزء من العلاقة القوية بين جيشينا، قدمت المملكة المتحدة دعماً معززاً للجيش اللبناني، الذي يلعب دوراً محورياً في استجابة الحكومة اللبنانية، بما في ذلك المساعدة الطبية المخصصة، ومساعدة النقل الجوي الإستراتيجي، والدعم الهندسي والإتصالات.”

إنفجار المرفأ

تأخر حكم المحكمة الخاصة بلبنان لمدة أسبوعين بسبب الإنفجار المدمر، والذي تقارب مع تاريخ صدور الحكم الأصلي في 7 أغسطس/آب. في هذا الخصوص، إعتقل بدري ضاهر، رئيس مصلحة الجمارك في لبنان، في 17 أغسطس/ آب؛ بعد أن استجوبه القاضي فادي صوان لأكثر من أربع ساعات، نقلت صحيفة الأخبار اللبنانية أنه وأثناء التحقيق مع ضاهر قال إن الأمم المتحدة فتشت سفينة “روسوس” عندما دخلت المياه الإقليمية اللبنانية، العام 2013، ولم تعثر على أي مواد محظورة على متنها رغم أنها كانت تحمل قرابة 2750 طن من نترات الأمونيوم.هذا الإتهام، قابله نفي من الناطق بإسم اليونيفيل، أندريا تينينتي.

بعد الإنفجار، قال ضاهر إنه سبق له وأن حذر الجهات القضائية المحلية مراراً وتكراراً عن المواد الخطرة المخزنة، وأرسل ست مذكرات يحذر فيها من أن المواد تشكل خطراً على الشعب.

وفي حدث لافت، قال وكيل وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية، ديفيد هيل، للصحفيين خلال زيارته بيروت بإن “مكتب التحقيقات الفدرالي سينضم قريباً إلى محققين لبنانيين ودوليين بدعوة من اللبنانيين للمساعدة في الإجابة على الأسئلة التي أعرف أن لدى الجميع حول الظروف التي أدت إلى هذا الإنفجار”، في وقت تعتبر فيه الولايات المتحدة حزب الله، وهو حزب سياسي له أعضاء في البرلمان، جماعة إرهابية.

ختاماً نقول، ربما أضاعت واشنطن فرصة إلصاق مقتل الحريري بحزب الله، لكنهم قد ينظرون إلى التحقيق في إنفجار مرفأ بيروت على أنه فرصة ثانية لتحميلهم المسؤولية.

*صحفي ومحلل سياسي.

مصدر الصور: جريدة اللواء – Mer et Marine.

موضوع ذا صلة: تحديات حزب الله ومستقبله في المنطقة