إعداد: مركز سيتا

إنتشرت في مدينة ووهان الصينية، وسط البلاد، حالة من الذعرِ والهلع، وذلك بعدما جرى إغلاق المدينة على سكانها البالغ عددهم حوالي 11 مليون نسمة، والتي يُعتقد أن فيروس كورونا قد نشأ فيها. في هذا الصدد، إتخذت الحكومة عدداً من التدابير الأخرى أبرزها منع إستخدام خطوط المواصلات في المدينة حيث جرى إغلاق مترو الأنفاق ومحطات القطار وتعليق عمل الحافلات، وذلك كتدبير إحترازي من أجل عدم تفشي المرض بين المواطنين أو على الأقل التقليل من عدد الإصابات.

البداية

أقامت السلطات المحلية في رأس السنة الصينية الجديدة، مأدبة كبيرة تضم أكثر من 40 ألف شخص، كان ذلك قبل أيام من إعلان الحكومة أن فيروس كورونا الجديد يمكنه أن ينتقل بين البشر. قبل ذلك، كانت التقارير الحكومية تشير إلى أن الفيروس تحت السيطرة وذلك على الرغم من اكتشاف أول حالة مصابة في ديسمبر/كانون الأول 2019، الأمر الذي أدى إلى حالة من الغضب بين سكان ووهان الذين أصابهم الرعب والقلق، بعدما أعلنت الحكومة فجأة إغلاق المدينة للحجرِ الصحي.

يجتاح الفيروس الغامض الصين مودياً بحياة العشرات، وقد نتج عن سلالة جديدة من عائلة فيروس سارس نفسها، الذي أودى بحياة المئات في الصين منذ أكثر من عقدِ مضى. عن ذلك يقول، العالم البارز، شو جيان، إن الخبراء قد حددوا مبدئياً وجود نوع جديد من الفيروس الذي كان السبب الرئيسي في تفشي المرض داخل المدينة، وهو ما أكده تقرير منظمة الصحة العالمية.

فلقد أشارت لجنة الصحة في منطقة ووهان إلى أن العدوى قد تفشت في الفترة ما بين 12 إلى 29 ديسمبر/كانون الأول 2019، وقد كان المرضى الأوائل يعملون في سوق المأكولات البحرية بالمدينة. هذا وقد وضعت السلطات الصينية 1200 من المسعفين رهن الإستدعاء في مدينة ووهان فقط، في حين أعلنت اللجنة الوطنية للصحة في الصين إرتفاع حصيلة الإصابات بين منها ما أدى إلى الموت وبعضها لا تزال قيد المعالجة.

من جهته، قال رئيس بلدية ووهان أنه يتوقع تسجيل نحو ألف إصابة أخرى، بناء على عدد مرضى المستشفيات الذين لم يخضعوا بعد لإختبار التثبت من الفيروس، كما سجلت حالات إصابة بالفيروس في كل من أوروبا وأستراليا، وأعلن عن الإشتباه في إصابة شخص بكندا، وفي الولايات المتحدة تم تأكيد وجود ثلاث إصابات.

إحتمالية مثيرة

يطرح تقرير في صحيفة “ديلي ميل” احتمالية مثيرة أبرزها أن يكون فيروس كورونا الجديد قد تسلل من مختبر بيولوجي صيني ليتسبب في هذا التفشي المخيف حيث قالت الكاتبة ناتالي راهال، في تقريرها الذي نشرته الصحيفة البريطانية، إن علماء حذروا، في العام 2017، من أن فيروساً يشبه متلازمة الإلتهاب التنفسي الحاد – “سارس” يمكن أن ينتشر خارج مختبر أُنشئ في ذلك العام في ووهان الصينية، لدراسة بعض أخطر مسببات الأمراض في العالم، مضيفة أن الصين أنشأت أول مختبر حيوي من جملة خمسة إلى سبعة مختبرات مخطط لها، وهي مصممة لتوفير أقصى درجات الأمان بغرض دراسة مسببات الأمراض الأكثر خطورة، بما في ذلك فيروس “إيبولا” ومتلازمة الالتهاب التنفسي الحاد، وهو ما أشارت إليه أيضاً مجلة نيتشر – Nature، في مقال لها تضمن معلومات عن تسرب فيروس “سارس” عدة مرات سابقاً من مختبر في بكين.

إرتدادات الفيروس

حذر مجلس السياحة والسفر العالمي من أن انتشار الفيروس الجديد في الصين يمكن أن يترك “تأثيراً اقتصادياً طويل الأمد” على السياحة العالمية في حال تم السماح بإنتشار الذعر، وقالت جلوريا جيفارا، رئيسة المجلس، أنه “أثبتت لنا الحالات السابقة أن إغلاق المطارات وإلغاء الرحلات الجوية وإغلاق الحدود غالباً ما يكون لها تأثير اقتصادي أكبر من تأثير الوباء نفسه”، فلقد أمرت الصين جميع وكالات السفر بتعليق الجولات المحلية والدولية في إطار جهود لإحتواء تفشي سلالة جديدة من الفيروس، وهو ما يعد ضربة قوية للقطاع السياحي، حيث أن  السياح الصينيين، الذين يشكلون أكبر عدد من المسافرين إلى الخارج على مستوى العالم، أنفقوا 130 مليار دولار في الخارج العام 2018.

على الصعيد الإقتصادي، تعيش الأسواق المالية العالمية حالة من الرعب الشديد، وتتركز التوقعات السلبية في الخوف من عدم القدرة على السيطرة عليه، مما يعني تكبيد تعاملات الأصول المتداولة بأسواق المال العالمية خسائر قاسية، وخاصة في أصول المخاطر بأسواق الأسهم، ويضاعف حجم الخوف انتشار الفيروس بسرعة مذهلة في الصين، ثاني أكبر اقتصادات العالم.

لكن المخيف في الأمر وما يؤثر على الصين بشكل مباشر هو الخوف من وقف الدول للإستيراد، فبكين تعتمد بشكل رئيسي على ورادات البضائع المصدرة إلى الخارج، التي تشكل عصب الإقتصاد؛ فمع تفشي هذا المرض والقدرة على انتقاله إلى خارج الحدود، يمكن القول بأن توقع إنخفاض الصادرات الصينية سيكون حتمياً؛ وبالتالي، ستنتعش في المقابل صادرات الدول الأوروبية والولايات المتحدة بشكل أكبر من أجل إشباع السوق من أي نقص محتمل.

لذلك، يمكن الربط بين حركة الأسواق المالية مع العناوين الحساسة المتعلقة بالكوارث، وهي ظاهرة لها جذور ممتدة عبر التاريخ، حيث تؤدي دائماً المخاوف المتعلقة بإنتشار الأوبئة واحتوائها إلى تراجع حركة التجارة، فلقد شبق للبنك الدولي أن أعد دراسة أكد فيها أن انتشار الأوبئة والأمراض يكلف الإقتصاد العالمي نحو 570 مليار دولار سنوياً، أي ما يوازي نحو 0.7% من حجم الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

تقارير صادمة

تقول دراسة البنك الدولي إن انتشار فيروس “سارس” تسبب في خسائر للاقتصاد العالمي تقدر بنحو 50 مليار دولار، في العام 2003، فيما تسبب فيروس “ميرس”، الذي انتشر في كوريا الجنوبية العام 2015، في تراجع حركة السياحة في البلاد بنحو 41%، حيث إتجه البنك المركزي الكوري في حينها إلى خفض الفائدة بشدة مع تأثر الإقتصاد الكلي جراء انتشار الفيروس.

إن ما يحدث في الصين لا يضرها فقط بل ضرب معظم بلدان العالم، حيث خسرت الأسهم الأمريكية نسبة كبيرة من قيمتها خاصة مع ارتفاع عدد المتوفين بالصين لا سيما مع تمدد الإصابة إلى الأمريكيين أنفسهم، وانتشار المرض ليصيب الحزام المجاور للصين، كاليابان وتايوان وكوريا الجنوبية وسنغافورة، ما إنعكس سلباً أيضاً على تراجع الأسهم الأوروبية في ظل أجواء من الضبابية حيال التداعيات الإقتصادية المحتملة حيث هبط المؤشر ستوكس 600 الأوروبي 0.7 % في أسوأ جلساته منذ بداية العام 2020.

إلى ذلك، تكبدت أسهم الشركات المنكشفة على الصين، مثل شركات التعدين والطيران والفنادق والسلع الفاخرة، خسائر حادة مع قرار الصين بتوسيع الحجر الصحي خارج ووهان، كما انخفضت أسعار النفط وخسر مؤشر 300 سي.إس.آي الصيني أكثر من 3% وتراجعت شاشات التداول إلى اللون الأحمر.

هبوط البورصة العربية

تلقت بعض أسواق المال في المنطقة العربية بعض التراجعات بسبب عمليات جني الأرباح السريعة من بعض محافظ الأجانب، التي تأثرت سلباً بخسائر الأسواق العالمية بالجلسة ذاتها جراء انتشاء الفيروس. أما على مستوى البورصات العربية، فكانت بورصة السعودية الخاسر الأكبر بالمنطقة إذ سجلت انخفاضاً كبيراً عن مستوى 8400 نقطة، كما تراجعت شركات اتصالات السعودية “وينساب” التي لم تحقق توقعات المحللين، وكذلك تراجعت الأسواق الإماراتية في الجلسة الأخيرة بسبب أنباء تفشي الفيروس.

ما يمكن قوله هنا بأن التراجع الجماعي لأسواق المال جاء على خلفية التخوف من تحول المرض إلى وباء وتراجع معنويات المستهلكين والشركات وضعف ثقتهم بالصفقة التجارية بين الصين والولايات المتحدة، في وقت ينتشر فيه الفيروس على نطاق أوسع مما يعطيه القدرة على تعطيل سلاسل السفر والتجارة والإمداد في جميع أنحاء آسيا، مع تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على الإقتصاد العالمي كون القارة اليوم تعد المحرك الرئيسي للنمو العالمي.

نكبة أمريكية – صينية

لقد جاء فيروس كورونا ليهدد تنفيذ شروط اتفاقية التجارة الجديدة بين الولايات المتحدة والصين، حيث يتطلب الاتفاق من الصين زيادة إنفاقها على السلع والخدمات الأمريكية بمقدار 200 مليار دولار على مدار العامين المقبلين والبدء في فتح سوق الخدمات المالية بحلول الأول من أبريل/نيسان المقبل (2020)، هو ما يستحيل نظرياً بعد الإجراءات الإحترازية خوفاً من تفشي المرض، كما يساعد في زيادة التوقعات السلبية لعدم نجاح الاتفاقية الجديدة ووقوع الصين “فريسة” للديون الحكومية المرتفعة التي ستعيق حتماً قدرة البلاد على تعويض أية أضرار إقتصادية بتخفيضات ضريبية أو زيادة في الإنفاق.

هذه الحالة العالمية، تؤكد أن كابوس الأوبئة الفتاكة يطرح نفسه أمام رجال المال كلما وصل أي فيروس جديد إلى حدود غير آمنة واضطرت سلطات البلدان لإتخاذ إجراءات غير تقليدية للسيطرة عليه، خاصة إذا كان له انتشار عالمي مثل كورونا التي تؤكد خرائط انتشار الفيروس أنه في طريقه للتمدد داخل الولايات المتحدة وفرنسا وتايلاند واليابان وتايوان ونيبال وهونغ كونغ وسنغافورة وفيتنام وماكاو وكوريا الجنوبية بحسب الحالات المؤكدة للإصابة حتى الآن.

أخيراً، إن إنتشار هذا الفيروس بشكل فجائي، يضع إحتمالات عدة وهي انه من الممكن أن يكون إفتزازاً للصين والحد من قدرتها التجارية التي باتت على نطاق العالم، كما حدث سابقاً مع إنتشار وباء “جنون البقر” و”إنفلونزا الطيور و”إنفلونزا الخنازير”. على المقلب الآخر، هناك شركات أدوية ستحصد المليارات عندما تنتج علاجاً للوباء وهذا ما حدث إبان وباء “جنون البقر”، بالتحديد، إذ حصدت الشركات السويسرية المليارات آنذاك.

قد يكون هذا الفيروس جزءاً من سياق الحرب الإقتصادية الراهنة والتي يعتبر فيها الكثير من المراقبين بأن الولايات المتحدة ليست بعيدة عنها، إذ تخشى واشنطن عدم قدرتها على تجاوز بكين، أو على الأقل البقاء على قدم المساواة معها. كل الإحتمالات ما زالت مطروحة إلى أن تنكشف الحقيقة وراء إنتشار هذه الأوبئة المثير للجدل، خصوصاً مع الحديث عن تجدد “الحرب البيولوجية” والكثير من المعلومات عن عودة الدول إلى إنتاج فيروسات قاتلة لإستخدامها كأدوات ضمن سياساتها الخارجية.

مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.

مصدر الصور: reddit – فرانس 24 – قطريليكس.

موضوع ذو صلةمختبر الحرب البكتريولوجية الأمريكي: التنظيم والعمل (جورجيا مثالاً)