في ظل صعود إقتصادي روسي – صيني ووضع الحجر الأول في مشاريع حيوية على مستوى العالم ليس أولها مشروع “طريق الحرير”، إنما هو البداية نحو ربط آسيا الوسطى بالشرق الأوسط والعالم، لتحاول الولايات المتحدة منع تحقيق هذه المبادرة، عبر التأثير على النفوذ الروسي – الصيني من بوابات كثيرة، منها ما هو معلوم، ومنها لم يُعرف بعد. فهل تنجح واشنطن بمساعدة حلفائها بذلك؟
للإجابة حول هذا الملف وتفاصيله، خصوصاً بعد جولة وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، الأخيرة إلى بعض دول آسيا الوسطى وأوكرانيا وبيلاروسيا، سأل مركز “سيتا” الدكتور عمرو الديب، مدير مركز خبراء “رياليست” الروسية، عن هذا الموضع.
تقاسم لـ “الكعكة”
لا نستطيع القول بأن كازاخستان ستدفع ضريبة إنضمامها إلى “طريق الحرير” فهي تملك علاقات قوية مع الولايات المتحدة، وزيارة الوزير بومبيو إلى دول آسيا الوسطى خلال الفترة الأخيرة، وزيارته لمدينة نور سلطان عاصمة كازاخستان، تؤكد وجود علاقات قوية بين الدولتين.
يمكن القول، إن كازاخستان، وغيرها من الدول في آسيا الوسطى، تقع تحت ضغط القوى الثلاث العظمى “الولايات المتحدة – روسيا – الصين”. هذه الدول تتنافس على النفوذ بشكل عام في هذه المنطقة وخصوصاً في كازاخستان.
ما يمكن قوله هنا إن الولايات المتحدة ليست ضد “طريق الحرير” بشكل كامل، لكن هي ضد ألا تكون مشاركة بنسبة معينة في مشاريع البنية التحتية لمشروع، وهذا يتم عن طريق ضغط من جانب واشنطن، فلقد قال الوزير بومبيو في زيارته الأخيرة “إن التعامل والشراكة مع الشركات الأمريكية فيه فائدة قوية للإقتصاد الكازاخستاني والإقتصاد عامة”، والأمر نفسه بالنسبة إلى أوزبكستان، وهذا يشير إلى أن واشنطن تريد جزءاً من الكعكة أو مشاركة شركاتها في مشاريع البنية التحتية، وأهم مشروع بالطبع في هذه المنطقة وفي هذا التوقيت هو مشروع “طريق الحرير الجديد”.
لعب على الخلافات
تريد الولايات المتحدة إشغال روسيا في مجالها الحيوي بعد تمددها في المياه الدافئة وهذا يعيدنا ثانيةً إلى زيارة الوزير بومبيو التي بدأها في أوكرانيا ومن ثم بيلاروسيا محاولاً اللعب على الخلافات الروسية – البيلاروسية حالياً في مجال تسعير سعر النفط والغاز الروسيين وبيعه لبيلاروسيا، حيث عرض على الأخيرة توصيل النفط والغاز المسال الأمريكيين بأسعار منافسة أيضاً.
هذا الأمر يدل على قدرة الولايات المتحدة الفعلية بالتأثير على نفوذ روسيا في دول الإتحاد السوفيتي السابق نفسها، وما جولة الوزير الأمريكي إلا دليل واضح على ذلك. لأنه زار أوكرانيا فبيلاروسيا وكازاخستان وأوزبكستان وإجتمع مع وزراء خارجية الدول الخمس بصيغة “سي 5+1″، هذه صيغة دبلوماسية تم تأسيسها العام 2015 بين الدول الخمس في آسيا الوسطى والولايات المتحدة، حيث تم الإعلان عن بيان مشترك، بعد هذه القمة، على عزم هذه الدول على تقوية العلاقات وزيادة مستويات التعاون في جميع المجالات الأمنية والإقتصادية والسياسية والدبلوماسية.
أيضاً، يمكن القول بأن واشنطن تريد التأثير على النفوذ الصيني في تلك البقعة، والدليل على ذلك حديث الوزير بومبيو، خلال زيارته لكازاخستان وأوزبكستان، عن الإيغور وسياسة بكين المتشددة ضدهم، وأراد اللعب على هذا الوتر من أجل إضعاف نفوذ الصين في كلتا الدولتين وباقي الدول في آسيا الوسطى.
صداقات متقلبة
لا تملك تركيا علاقات قوية بين أي من الدول في آسيا الوسطى سوى أذربيجان التي لها علاقات قوية جداً مع أنقرة، لا سيما بما يخص توجيهها ضد أرمينيا، التي تعد العدو التاريخي المشترك لكل من تركيا وأذربيجان، نظراً لمنطقة قره باغ والنزاع الطويل للسيطرة على هذه المنطقة. وبناء عليه، يمكن اعتماد المقولة التالية: “عدو عدوي.. صديقي”، وهو ما ينعكس تعاوناً كبيراً جداً بين تركيا وأذربيجان.
ويمكن القول، إن هذا التعاون إمتد في مجال الغاز، لأنه هناك خط غاز تم الإنتهاء منه في ديسمبر/كانون الأول 2019، هو خط “غاز الأناضول”. هذا الخط يعد منافساً قوياً لخط الغاز الروسي الذي تم إفتتاحه، 8 يناير/كانون الثاني 2020.
خط “غاز الأناضول” هذا لن ينقل فقط الغاز الأذربيجاني بل سينقل أيضاً الغاز التركماني والاوزبكستاني، ما يعد منافسة منافسة كبيرة لشركات الغاز الروسية، خصوصاً، وروسيا، عموماً، التي دفعت مليارات الدولارات لبناء خط غاز “السيل التركي”، حيث يبدو واضحاً بأنه لن يكون ذا فائدة إقتصادية مهمة تذكر لأن هناك إتجاه داخل تركيا، حالياً، بالإعتماد على الغاز القادم من منطقة بحر قزوين، وأيضاً الغاز المُسال الذي تمد الولايات المتحدة به تركيا وبكميات كبيرة منه.
تأثيرات حيوية
هذا الأمر أثر كثيراً على حصة الغاز الروسي في السوق التركية، ويمكن أن يؤثر على حصة الغاز الروسي في خطوط الترانزيت وأهمها طبعاً خط “السيل التركي”، كما ذكرت، الذي من المنتظر أن يمتد نحو دول شرق أوروبا.
برأيي، أم هذا الأمر يمكن خلق تصاعد الخلافات التركية – الروسية، لأنه الملف الأهم الذي يتم التعاون فيه بين تركيا وروسيا، أي الغاز. وبما أن أنقرة أبدت إهتمام بمصادر أخرى غير روسية في هذا المجال، لذلك بدأنا نشهد بروز الخلافات بالفعل على السطح بينهما، خصوصاً مع عدم الإتفاق المشترك على الكثير من الملفات، على غرار إدلب السورية. أما “الصمت الروسي” فكان يراد منه جعل تركيا تسير في ركب مصالح موسكو، وأهمها الغاز والإعتماد عليه كلياً. لذلك، خرج الإتحاد الروسي عن صمته، وما يحدث حالياً في إدلب وعدم وجود دعم روسي قوي لتركيا في الملف الليبي، هما نتائج لهذا الخروج.
مصدر الصورة: يورو نيوز.
موضوع ذو صلة: أحداث ماسانتشي والأصابع الغربية الخفية